بثّ "التلفزيون العربي"، مساء الخميس، حلقة وثائقية من برنامج "مذكرات"، تناولت حرب الخليج الثانية التي وقعت في الثاني من أغسطس/آب عام 1990، من خلال مذكرات القائد الأميركي للحرب نورمان شوارزكوف التي جاءت تحت عنوان "لا يتطلب الأمر بطلاً". استطلعت الحلقة بعداً آخر غير مطروق إعلامياً في تغطيات متكررة لذكرى الحرب. الحلقة الوثائقية ركزت على رد الفعل السعودي على الغزو، ومحددات قرار المملكة العربية السعودية استدعاء القوات الأميركية لقيادة المعركة.
إرهاصات غزو الكويت
تروي حلقة برنامج "مذكرات"، عبر صور أرشيفية نادرة ولقاءات هامة بينها لقاء مع السفير الأميركي السابق لدى الرياض تشاس فريمان، الإرهاصات التي سبقت غزو الكويت، رغم وعود الرئيس العراقي للسعوديين بعدم نيته التصعيد. ويحتل اللقاء الذي جمع السفيرة الأميركية إلى بغداد آنذاك أبريل غلاسبي بالرئيس العراقي السابق صدام حسين، قبل غزو الكويت بأسبوع واحد، مساحة من الحلقة.
ويقول المحلل في القضايا العسكرية في وكالة الاستخبارات الأميركية، كينيث بولاك، إن ما أرسلته السفيرة الأميركية لواشنطن بعد لقائها صدام حسين يعكس عدم تبيّنها نية الرئيس العراقي، رغم أن ما قاله كان يشير بوضوح إلى نية العمل العسكري ضد الكويت.
في السياق نفسه، يقول سفير واشنطن السابق لدى الرياض، تشاس فريمان، إن اللوم كله يجب أن يوجَّه إلى وزارة الخارجية الأميركية ووزيرها آنذاك جيمس بيكر. يقول فريمان إن الإدارة في واشنطن تركته والسفيرة غلاسبي من دون تعليمات واضحة، لدرجة أن السفيرة الأميركية في بغداد هي من بادرت بترتيب اللقاء مع الرئيس العراقي الراحل في اللحظات الأخيرة.
السيناريو الأميركي ودوافع السعودية لخوض الحرب
تتوسع حلقة برنامج "مذكرات" عبر الرواية الأميركية للأحداث، في وصف رد الفعل السعودي على الغزو والاتصالات السعودية الأميركية آنذاك. ويقود الوثائقي إلى أن إرسال القوات الأميركية آنذاك كان خياراً استراتيجياً لإدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الأب.
في هذا السياق، ينقل الفيلم حواراً دار بين القائد العسكري الأميركي الجنرال كولن باول ووزير الدفاع آنذاك ديك تشيني. حسب الوثائقي الذي نقل شهادة ديك تشيني، فإن كولن باول لم يكن مقتنعاً تماماً بأن غزو الكويت يستدعي إرسال القوات الأميركية إلى الشرق الأوسط، لكن تشيني أوضح له أن الخطر أكبر من الكويت، لأن سيطرة صدام حسين عليها ستخيف سائر دول الخليج وتمكنه من التحكم في إمدادات النفط العالمية، وبالتالي تهديد المصالح الاستراتيجية الأميركية.
ينتقل الفيلم بعد ذلك، من خلال الشهادات الأميركية وفي مقدمتها شهادة الجنرال نورمان شوارزكوف، إلى الغرف المغلقة في قصر الحكم في المملكة العربية السعودية، حيث اجتمع السعوديون بالوفد الأميركي الذي وصل بعد أيام من بداية غزو الكويت. يسرد الفيلم تفصيلاً كيف سوّق الأميركيون للسعوديين السيناريو المحتمل لتمدد الغزو العراقي إلى الأراضي السعودية.
يذكر الوثائقي تحديداً قرينتين استخدمهما الأميركيون لتسويق هذا السيناريو: القرينة الأولى كانت عرضاً قدمه الجنرال شوارزكوف للسعوديين مستخدماً خرائط تظهر وجود قوة استطلاع عراقية داخل الحدود السعودية، القرينة الثانية كانت مخططات عراقية لغزو السعودية نقلها منشق عراقي مفترض فرّ إلى العاصمة المصرية القاهرة.
قرار استدعاء القوات الأميركية
يظهر الفيلم الارتباك الذي أصاب نظام الحكم في السعودية عقب غزو الكويت، لدرجة التأخر في تناول الحدث إعلامياً ليوم كامل. ويبين بوضوح أن هذا الارتباك كان أساسه علم المملكة بعدم جاهزيتها عسكرياً لمواجهة أي تهديد رغم ما أنفقته على العتاد العسكري عبر سنوات من التسلح.
وتتناول حلقة "مذكرات" النقاشات الأميركية السابقة لوصول الوفد الأميركي إلى السعودية، التي تظهر أن الهدف كان إقناع السعوديين بأهمية القبول بانتشار للقوات الأميركية لمواجهة القوات العراقية والدفاع عن السعودية. المعنى ذاته حمله الوفد إلى السعوديين، عبر رسالة الرئيس الأميركي جورج بوش الأب التي تضمنت عرضاً للملك فهد بن عبد العزيز بنشر عشرات الآلاف من القوات الأميركية دفاعاً عن المملكة.
يخوض الفيلم بعد ذلك في المداولات السعودية بشأن قرار استدعاء القوات الأميركية، وينقل على لسان السفير الأميركي السابق لدى الرياض تحفظ ولي العهد السعودي آنذاك، الأمير عبد الله بن عبد العزيز، على قرار استدعاء القوات الأميركية ونصيحته للملك فهد بالتروي ومشاورة الهيئة الدينية، وهي النصيحة التي خالفها الملك فهد، مقرراً استدعاء الأميركيين، وموجهاً كلامه للأمير عبد الله قائلاً إنه يجب استدعاء الأميركيين قبل أن يحل بالسعودية ما حل بالكويت. يقول فريمان إن الملك فهد أخبره لاحقا أن هذا القرار هو الوحيد الذي اتخذه منفرداً.
الدوافع السعودية
تقود الروايات التي نقلتها حلقة برنامج "مذكرات" حول حرب الخليج الثانية إلى أسئلة كثيرة حول الدوافع السعودية من خوض المعركة واستدعاء القوات الأميركية لقيادتها. تصب معظم الشهادات الأميركية في هذا الشأن باتجاه أن الأميركيين احتاجوا إلى تعزيز فرضية تمدد الغزو العراقي ليشمل السعودية، لحضّ السعوديين على حسم قرار استدعاء القوات الأميركية، ثم قيادتهم للتحالف الدولي ومواجهة تهديد صدام حسين في معركة "عاصفة الصحراء".