عادة ما يحاول المؤرّخون إيجاد فترات يعتبرونها بدايات لحركة ما، ومن ذلك مؤرخو الفن، فمن مجالات البحث النشطة العودة إلى بدايات مدرسة بعينها مثل التجريدية أو التكعيبية، أو تيار في أحد البلدان مثل "السورياليين المصريين" منتصف القرن الماضي، كما يمكن أن يمتدّ هذا الجهد إلى بحث في بدايات الفن التشكيلي في فضاء جغرافي بأكمله.
لا تتم هذه العودة بأدوات البحث الأكاديمي فحسب، حيث تعمد المعارض أيضاً إلى تقديم قراءة في بدايات الفن التشكيلي كما هو الحال مع المعرض الذي يقام حالياً في "متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر" بالرباط. يحمل المعرض عنوان ''التشكيليون المغاربة في المجموعات الوطنية، من بن علي الرباطي إلى اليوم'' وقد افتتح في 12 من الشهر الجاري فيما يتواصل إلى 15 كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
يشير بيان تقديم المعرض إلى أنه "يمزج بين مجموعات وطنية كبرى، لا سيما مجموعة أكاديمية المملكة المغربية، ووزارة الثقافة والشباب والرياضة، وكذلك المؤسسة الوطنية للمتاحف". ويضيف بأن هذا المعرض "يرصد البدايات الأولى للفن في المغرب مع أزيد من مائة عمل مهم في تاريخ الفن المغربي".
يمكن اعتبار المعرض محاولة لتقديم قراءة وطنية لتاريخ الفن التشكيلي، على خلفية أن التاريخ المتداول للفن في المغرب، كما هو الحال في الجزائر وتونس ومصر يرتبط عادة بتأثير حضور الفنانين الغربيين. يطرح المعرض فرضية أخرى تتمّثل في أن بدايات الفن التشكيلي الحديث في المغرب هي نتاج تبلور حسّ فنّي أكثر من كونه محاكاة.
ضمن فترة البدايات هذه، يلفت المعرض إلى أكثر من قطيعة قام به الفنانون المغاربة الأوائل فمن جهة لم يكونوا مقلّدين للوحة بمنظورها الغربي البحت، ومن جهة أخرى كانوا على مسافة مع الفنون التقليدية.
يصل المعرض إلى محطة أساسية أخرى في انطلاقة الفن التشكيلي الحديث في المغرب تتعلق بإنشاء مدرستين للفنون: "معهد الفنون الجميلة" في تطوان و"مدرسة الدار البيضاء" في خمسينيات القرن الماضي، وهو ما أتاح المرور إلى بناء هوية بصرية في المغرب خصوصاً مع الجيل الذي برزت تجاربه في الستينيات مثل الجيلالي الغرباوي وأحمد الشرقاوي وفريد بلكاهية ومحمد شبعة ومحمد المليحي وميلود لبيض.