"لا تُخفي الترجمة إقرارَها بالاختلاف فلسفةً وموقِفاً، والدّفاعَ عنه، لأنها تأتي بالغريب، وتدعو إلى الاطلاع عليه، وإلى تلقيح ثقافة الوصولِ به، ولكنها تُلحّ دوماً على فكرة العَوْدِ الأبدي للأصل، فتؤمِّن بذلك تعدُّدَه، وتفتح باباً للتنوُّع بِما يُفيدُ من قبول بأكثر من نصّ، وإلى الإيمان بالتعايش والتفاعل"؛ هكذا جرى تقديم المؤتمر الدولي "الترجمة وتدبير الاختلاف" الذي تحتضن فعالياته اليوم وغداً "جامعة عبد المالك السعدي" في طنجة.
تتنوّع المشاركات بين محاورَ عدّة، أهمّها "الترجمة: تعليم وتعلُّم" و"الترجمة والسياسات اللغوية والثقافية" و"ترجمة النصوص الدينية" و"الترجمة القانونية" و"الترجمة وإشكالية المصطلح"، وتشير هذه المحاور إلى كون الترجمة باتت قضية تفتح على مشاغل ثقافية وفكرية متنوّعة وتستدعي للمساءلة مختلف الميادين المعرفية، بالإضافة إلى استدعاء أكثر من ثقافة، ويذكر في هذا السياق أن المحاضرات ستكون بأربع لغات هي: العربية والإسبانية والفرنسية والإنكليزية.
لتوضيح فكرة المؤتمر، يقول لـ "العربي الجديد" الأكاديمي والمترجم المغربي مزوار الإدريسي، أحد منظّميه ومنسق "مختبر البحث في الترجمة والإعلام والتواصل بين الثقافات": "يقتضي المرورُ -بوساطة الترجمة من لغة إلى أخرى- القبولَ بالعبور من ثقافة إلى أخرى، والرضا بحدوث تحوُّل في النصّ الأصل أو تغيُّر أو امتدادٍ له على الأقلّ، في النص الفرع؛ أي حدوث اختلاف بينهما في الوقت الذي يُتصوَّر حدوث تكرار الثاني للآخر". ويضيف: "هكذا تُظهر الترجمة الاختلافَ، في الوقت الذي تُعلن عن نفسِها حركةً متميّزة، لا ترتهن إلى الرتابة والإعادة، بل تستوعبها تكراراً خلاقاً، يصهر فيه الاختلافات".
ومن جهة أخرى، يشير الإدريسي إلى أن "الترجمة ليست مسألة نصّية فحسب، وإنما هي إدخال الغريب إلى ثقافة الوصول، وإبراز الاستعداد لاستضافته والحوار معه دون مركَّب نقص، والاستدراك عليه" معتبراً أن هذا الوعي هو الذي يحرّك أشغال المؤتمر.
يشارك الإدريسي بمحاضرة بعنوان "ترجمة الشعر بين الذاتية والغيرية"، ومن بين المحاضرات الأخرى التي ستقدّم خلال يومي المؤتمر نذكر: "الترجمة-التحليل: مفهوم جديد من أجل ترجمة أفضل؟" لـ إيمان المواني، و"الترجمة والتأويل والعلاقات الدولية" لـ بِياتْريثْ سُوتو أَرَانْدَا، و"ترجمة المصطلح بين المفهوم القانوني والأخلاقي" لـ محمد علي حجاجي، و"تشومسكي والترجمة: الموقف التوليدي وتحدّياته" لـ حسن رحا.
تُظهر هذه العناوين المساحة المتّسعة التي تتحرّك فيها قضايا الترجمة، كما أنها من جهة أخرى تساهم في تمرير الانشغال الفكري بالترجمة إلى تقاليد النشاط الثقافي العربي، ولعل ذلك من أبرز ما يمكن أن يقدّمه هذا النوع من المؤتمرات.