تشكّل صلات بين بلدان الأطراف في العالم تُحرَّرها من الوسيط الغربي الذي يحكم علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية في ما بينها، وينسج صورته حول مجتمعاتها وآدابها وفنونها وفق محدداته. واقع لا خروج عنه إلا بإعادة اكتشاف كلّ طرف للآخر؛ وهو الموضوع الذي التقى حول المشاركون في ندوة "واقع وآفاق الترجمة في كوريا من وإلى العربية" التي نظّمتها أمس افتراضياً "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي".
افتتح موسى جوندو كيم أستاذ اللغة والثقافة العربية بـ"جامعة ميونغ جي" الندوة التي أدارها أستاذ التاريخ الإسلامي عمرو عثمان، بورقة بعنوان "تجربة كوريا في الترجمة إلى العربية والعكس: طبيعة الجهود الرسمية والفردية"، الذي أضاء على بدايات الاهتمام الرسمي في كوريا بلغة الضاد حين افتتح أول قسم لتدريسها جامعياً في منتصف ستينيات القرن الماضي، حتى وصلت اليوم إلى أكثر من ستمئة قسم تتوزّعها جامعات البلاد.
رغم ارتفاع مستوى التبادل الثقافية بين كوريا الجنوبية والعالم العربي، إلا أن الترجمة لا تزال ضعيفة في نتاجاتها، وفق كيم، والتي تتطلب مزيداً من الاهتمام المؤسّسي بدلاً من الاكتفاء بمحاولات فردية تبذل هنا وهناك، لافتاً إلى أن عشرات رسائل الماجستير والدكتوراه التي قدّمها باحثون كوريون حول الترجمة بين اللغتين، وتدريس اللغة العربية وآفاق تطويره كورياً.
ودعا إلى وقف الاعتماد على الترجمة من لغات وسيطة، وتأسيس جمعية للترجمة بين اللغتين لتوحيد المصطلحات في النقول بينهما، وبناء قاعدة بيانات ضمن خطط تسعى إلى تأهيل مترجمين محترفين وتهتمّ باختيار العناوين المطلوب ترجمتها.
"تجربة شخصية في عملية الترجمة من وإلى الكورية: قراءة إحصائية في حجم المترجَم من الكورية إلى العربية وبالعكس" عنوان الورقة التي قدّمها لي إن سوب، رئيس تحرير النسخة العربية من "مجلة كوريانا" التي تصدرها "جامعة هانكوك"، موضّحاً أنه يعتبر تفسه أردنياً حيث درس في "الجامعة الأردنية" وأقام في عمّان لسنوات طويلة، لكنه لم يهتمّ بالترجمة إلى بعد عودته إلى بلاده، حيث ترجم كتاب "تاريخ الكورية" الذي طبع بشكل مقلوب، ما جعله يفكّر بشكل جدي في عملية الترجمة بشكل متكامل لا سيما مرحلة التحرير منها.
ولفت إلى أن معظم خرّيجي اللغة العربية في كوريا يتوجّهون إلى الترجمة الفورية لأنها توفّر لهم دخلاً أفضل من الترجمة الكتابية، التي لا تزال تحتاج متخصّصين فيها، مؤكداً أهمية وضع آليات عمل منتظمة ورؤى مؤسسة، عوضاً عن الخيارات الشخصية العشوائية التي تحكم عمل المترجمين بشكل فردي من العربية إلى الكورية وبالعكس، نظراً إلى الحاجة إليها أكثر من الاكتفاء بتدريسها كتخصّص أكاديمي.
كما أضاء سوب على مجلة "كوريانا" وهي تتبع لوزارة الخارجية، وعمله على إصدار دليل المعلمين للترجمة إلى الكورية، مع إشاراته إلى أن المؤلّفات التي تم ترجمتها من وإلى اللغتين لا تزال قليلة، إذ ترجمت من الكورية إلى العربية حوالي ثلاثين كتاباً.
أما يون أون كيونغ "نبيلة"، رئيس قسم اللغة العربية في "جامعة هانكوك"، فتحدّثت في ورقتها "مجالات الترجمة في اللغة الكورية وحجم الإقبال على قراءة الأعمال المترجمة العربية" حول صعوبات الترجمة من منطلق الاختلافات الثقافية، ما يجعلها قد تؤدي إلى مفاعيل عكسية إذا لم تأخذ سياقها الصحيح، مشيرة إلى أنها الترجمة باتت تشهد نمواً كبيراً في الآونة الأخيرة، وأصبح خرّيجو الأكاديميات الكورية يلعبون دوراً أساسياً في هذا المجال.
واستعرضت بدايات الاهتمام بترجمة الأدب العربي منذ نهاية الثمانينيات مع فوز نجيب محفوظ بـ"نوبل"، حيث صدرت العديد من رواياته بالكورية، أولها "اللص والكلاب" عام 1988 فور نيله الجائزة، وتلتها "أولاد حارتنا"، و"ميرامار"، و"زقاق المدق"، والتي حظيت بقراءة جيدة، ثم ظهرت ترجمات لكتب أخرى مثل "دعاء الكروان" لطه حسين، و"كليلة ودمنة" لعبد الله بن المقفع و"البخلاء" للجاحظ، ومختارات قصصية لسحر خليفة وغسان كنفاني، ومختارات شعرية للسياب والبياتي وأدونيس.
وتواقفت نبيلة مع المتحدثين الذين سبقوها حول ضرورة الاهتمام بالترجمة الأدبية ليغطي مختلف الدول العربية، مشيرة إلى عدد الأعمال المترجمة من العربية إلى الكورية بلغ ثلاثين كتاباً مقابل أربعين من الكورية إلى العربية.
من جهته، ركّز الباحث الأردني محمد قوابعة في ورقته "الصعوبات التي تواجه المترجم العربي للكورية" على التحديات التي تواجه المترجم العربي من وإلى الكورية التي باتت تحظى ثقافتها بشعبية عالية حول العالم، موضحاً الخلاف حول تصنيفها بعض علماء اللغات ضمن اللغات الألطية (التركية واليابانية والمنغولية)، وآخرين يعتبرونها لغة معزولة أو فريدة من نوعها.
وبيّن أن الصعوبات تنقسم إلى شِقين؛ لغوي وثقافي، ففي المستوى النحوي والصرفي تتألف الجملة في الكورية بإضافة اللواحق إلى الجذور وليس وفق الصرف والاشتقاق كما العربية، بحيث يضاف لواحق عديدة لجذر الواحد ضمن قواعد صارمة، ولا يوجد أداة تعريف ولا التأنيث والتذكير، والجملة تبدأ بالفاعل ثم المفعول به ثم الفعل، ما يسبب حيرة للمترجمين الفوريين في انتقاء اللواحق المناسبة.
كما تطرّق إلى المفردات المستعارة من اللغة الصينية المستعارة، والمستخدمة كثيراً في الأدب والعلوم الإنسانية، وكذلك المفردات الدخيلة بنفس النطق بلغاتها الأصلية لكنها تلفظ بالحروف الكورية وقد ينزاح معناها أيضاً، والأعداد باللغة الكورية تشكل صعوبة لأنها تعتمد على نظام محلي وآخر صيني الأصل، وهناك صعوبة في ترجمة بعض المصطلحات التي تعبّر عن شعور يرتبط بالوعي والوجدان، ويمكن تفسيرها وليس إيجاد معنى مكافئ لها.
واختتمت الأكاديمية حنان الفياض، المستشارة الإعلامية للجائزة، الندوة بعرض فلسفة "حمد للترجمة والتفاهم الدولي" وأهدافها وشروطها وقيمتها المالية، وأهمية اختيار الكورية كواحدة من اللغات الخمس في فئة الإنجاز لهذا الموسم السادس.
وتناولت الرؤية العامّة التي تحكم الجائزة منذ تأسيسها عام 2011، مشيرةً إلى وجود ثابت يتعلّق باللغة الإنكليزية ومتحوّل يتمثّل في اختيار لغة ثانية تتغيّر كل دورة، حيث كانت التركية لغة العام الأول، ثم الإسبانية فالفرنسية فالألمانية فالروسية، موضحة أن أن للجائزة أهدافاً عديدة منها إثراء المكتبة العربية بأعمال مهمّة من ثقافات العالم وآدابه وفنونه وعلومه، وإثراء التراث العالمي بإبداعات الثقافة العربية والإسلامية، والإسهام في رفع مستوى الترجمة على أسس الجودة والدقّة والقيمة المعرفية والفكرية.