واستبق أوباما موافقة الكونغرس الأميركي، آمراً قواته الجوية في 10 سبتمبر/ أيلول 2014، بتنفيذ أولى الضربات ضد التنظيم في سورية، لتتوالى بعدها غارات الشركاء الآخرين في التحالف. وشاركت بعض الدول الغربية والعربية في الضربات الجوية في سورية. كما ساهمت بتدريب ما سمتها بـ"المعارضة السورية المعتدلة"، إلا أن دولاً أخرى اكتفت بالمشاركة في عمليات الاستطلاع، أو التدريب، أو الدعم اللوجستي، أو حتى الإعلامي أو المعنوي.
مقتل آلاف المدنيين
وتوثق الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير صدر عنها في مارس/ آذار الماضي مقتل 3035 مدنياً، بمن فيهم 924 طفلاً و656 امرأة، جراء ضربات التحالف منذ بدء حملته في سورية لغاية مارس من العام الحالي. وفي مشروع مشترك بين "منظمة العفو الدولية" وموقع "إير وارز"، خلصت النتائج إلى مقتل 1600 مدني كـ"نتيجة مباشرة لآلاف الضربات الأميركية والبريطانية والفرنسية ضمن حملة التحالف على الرقة بين يونيو/ حزيران وأكتوبر/ تشرين الأول 2017".
وتم الإعلان في 13 فبراير/ شباط 2018، وفي بيان مشترك لوزراء خارجية ومسؤولي التحالف الدولي، صدر عن وزارة الخارجية الأميركية، أنه "بعد مضي ثلاث سنوات ونصف السنة من هذا الجهد، نرى تنظيم داعش بحالة متدهورة لا يمكن إنكارها، حيث فقد قبضته على الأراضي في العراق، وتبقت بضعة أجزاء من الأراضي تحت سيطرته في سورية. وتخضع قيادته ووجوده على الإنترنت وشبكاته العالمية للضغط. إلا أن عملنا لم ينتهِ بعد، حيث لا يزال تنظيم داعش يشكل تهديداً خطيراً على استقرار المنطقة وأمننا المشترك وأمن أوطاننا". واعتبر البيان أن "الهزيمة الدائمة ستتحقق عندما لا يتبقى لداعش ملاذات آمنة ينطلق للعمل منها، وعندما يفقد القدرة على إيصال أيديولوجيته المبنية على الكراهية دولياً".
ولم يؤد الإعلان عن القضاء على التنظيم الإرهابي جغرافياً في سورية إلى إنهاء وجوده بشكل فعلي في هذا البلد أو إلى معرفة مصير قياداته وعلى رأسهم زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي.
ولا يزال "داعش" يحتفظ ببعض الجيوب في البادية السورية في كل من ريف حمص الشرقي وريف دمشق الشمالي الشرقي، وهي جيوب في البادية يسيطر عليها عناصره، وينفذون انطلاقاً منها عمليات قتل، وعمليات سلب للآليات العسكرية التي قد تمر من تلك المنطقة، بالإضافة إلى عمليات إغارة على بعض المناطق القريبة من تلك الجيوب. هذا كله يضاف إليه احتفاظ التنظيم بما يسمى بالخلايا النائمة التي تنشط بين الحين والآخر في مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) ومناطق سيطرة المعارضة السورية، مسببة إرباكاً أمنياً فيها. كما يحتفظ التنظيم بما يسمى بـ"الذئاب المنفردة" التي تقوم بأعمال إرهابية في مناطق وجودها كلما سنحت لها الفرصة من دون تنسيق مع قيادة التنظيم.
وتثير جميع هذه المعطيات الكثير من التساؤلات حول الأهداف التي قال "التحالف الدولي" إنه حققها في سورية، خصوصاً في ما يتعلق بتحقيق الأمن والاستقرار الدوليين.
ويقول الباحث السوري حسن النيفي في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "بات من المعلوم أن التدخل الأميركي في الشأن السوري، إنما حصل تحت شعار عريض هو الحرب على الإرهاب المتمثل بتنظيم داعش، ثم ألحقت به واشنطن شعاراً آخر هو مقاومة نفوذ إيران في سورية، من دون أن تفصح أبداً عن رؤية عملية محددة بخصوص نظام بشار الأسد، على الرغم من المواقف الإعلامية الأميركية المنددة بجرائم نظام دمشق". ويضيف النيفي أن "حرب التحالف الدولي على داعش كانت بالتحالف مع قوات قسد التي يشكل حزب الاتحاد الديمقراطي عصبها الأساسي، تلك الحرب التي كانت تتم من الجو، من خلال كثافة الطيران وغزارة النيران، بالتوازي مع عمليات التمشيط على الأرض لقوات قسد، الأمر الذي جعل هذه الحرب لا تختلف في أسلوبها ووسائلها عن الحرب التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الشعب السوري، وذلك من حيث حجم الدمار وعدد القتلى المدنيين المرتفع، وفداحة الدمار في الممتلكات والمساكن". ويذكر الباحث أنه "في منبج وحدها، سقط 800 من الضحايا المدنيين، 190 منهم في ليلة واحدة، وفي مكان واحد، أعني بذلك مجزرة التوخار في 19 يوليو/ تموز 2016، في حين لم ير أحد حينها عشر جثث لتنظيم داعش، إضافة إلى حجم الخراب وعدد القتلى المماثل في الرقة والباغوز وسواها".
ويلفت النيفي إلى أنه "مع القضاء على تنظيم داعش، نلاحظ مبالغة أميركية في الحديث عن حجم الخلايا المتبقية للتنظيم"، معرباً عن اعتقاده أن هذه المبالغة "تأتي لتبرير استمرار الدعم لقوات سورية الديمقراطية (قسد)، فضلاً عن تبرير الوجود الأميركي كحام لقسد في مواجهة تركيا"، معتبراً أن "الدعم الأميركي المطلق لقسد إضافة إلى تجاهل مصير أهالي المنطقة من المكونات الأخرى، قد خلق شرخاً في النسيج السكاني باتت علامات تظهر بشكل متزايد، ويشكل مبعث قلق على مستقبل المنطقة الشرقية (في سورية) بشكل عام".
من جهته، يشير الكاتب السوري عبد الرحيم خليفة إلى أن "الأهداف المعلنة للتحالف تتمثل في القضاء على الإرهاب الذي يمثله من وجهة نظرهم، فقط، أي ما يعرف بداعش، وهو هدف تم تحقيقه باعترافهم، وتم القضاء عليه وتصفيته في آخر جيوبه ومعاقله قبل أشهر في ريف محافظة دير الزور". لكن خليفة يرى في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه "بالتأكيد هناك أهداف عديدة غير معلنة، هي التي دفعت الولايات المتحدة قبل أربع سنوات للتدخل مع حلفائها، وأعطت لهذا التدخل صفة دولية، لكن من خارج مجلس الأمن، لإضفاء نوع من الشرعية عليه، وهو يخفي أجندة تحتوي على قائمة من الأهداف المباشرة وغير المباشرة، يمكن رصدها وكشفها بسهولة ويسر". ويضيف خليفة أن "التحالف تحت حجة القضاء على الإرهاب، دمر البنية التحتية للمناطق التي استهدفها بشكل شبه كامل وشرد سكانها، بل قتل المئات وحتى الآلاف منهم، دون مراعاة للقيم الإنسانية والقانون الدولي، ما عزز القناعة لدى الكثيرين بأن الهدف أبعد من القضاء على إرهاب داعش وحده".
ويستبعد الكاتب السوري أخيراً أن تكون واشنطن قد أنجزت أهدافها من التدخل، بل "قد يطول أمر وجودها لتحقيق غاياتها ومخططاتها كاملة، خصوصاً أن المنطقة التي توجد فيها هي محور صراع محتدم بين مختلف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وتختصر الصراع على سورية مع منطقة إدلب المشتعلة هي الأخرى"، معرباً عن يقينه بأن قوات التحالف "لم تأبه لحال المدنيين، وتركت آثاراً مادية ونفسية وسياسية لن تمحى بسهولة من ذاكرتهم، فهم انتظروا تدخلها لتخليصهم من نظام الطغيان الكوني، فإذا بها تقتلهم وتزيد معاناتهم تحت حجج ومبررات ليس لهم يد فيها".