"الباروك البريطاني": تحوّلات السلطة وأوهامها

01 مارس 2020
("ويغ جونتو" لـ جون جيمس بيكر، من المعرض)
+ الخط -

قادت حركة الإصلاح الديني في أوروبا خلال القرن السادس عشر إلى تغيّرات كبرى، بدءاً بتفكيك سيطرة الكنيسة على الفضاء العام وبروز تيارات فكرية متعدّدة، ومروراً بالتحوُّلات في فكرة الدولة والمواطنة والديمقراطية، وانتهاء بتوجّه الرسم والموسيقى والعمارة إلى الطبيعة والحياة، بدلاً من حصرها في الأيقونات الدينية.

مقابل هذه التغيّرات، حاول الفاتيكان الاستجابة إلى دعوات المحتجّين على سياساته التي امتّدت لقرون مضت، ومنها قيامه بمراجعات لقضايا عديدة سُمّيت حينها بـ"الإصلاح المضاد"، أتاحت للفنّانين والمعماريّين تصوير مواضيع ذات صلة بالحياة الدنيوية في روما والمدن الإيطالية، وامتدّ تأثيرها إلى كامل القارّة العجوز لاحقاً.

يستعيد معرض "الباروك البريطاني: السلطة والوهم"، الذي افتتح بداية شباط/ فبراير الماضي في "متحف تيت" بلندن ويتواصل حتى التاسع عشر من نيسان/ أبريل المقبل، تلك الفترة التي عاشت بريطانيا خلالها ازدهاراً في جميع مجالات الفنون أتى كرد فعل على عصر النهضة، رغم أنها لم تنل اهتماماً يوازي مثيلاتها في فرنسا وإسبانيا مثلاً.

يربط المنظّمون ظهور الثقافة البصرية الباروكية الإنكليزية بالتحوّلات في السلطة التي جعلت البلاط الملكي يتراجع عن حضوره كمركز للحياة الثقافية في البلاد مع ظهور أحزاب وقوى سياسية كان لها مساهمتها في تعميم الإبداع والفكر على جميع فئات الشعب.

يستكشف المعرض دور الفن في بناء رؤية متجدّدة للملكية، بما في ذلك صورة تشارلز الثاني والتمثيل المثالي لقوّته، والاختلافات في الفن الديني بين البروتستانتية التي تمثّلها بريطانيا والكاثوليكية في الجنوب الأوروبي، ومنها منحوتة للفنّان غرينلينغ غيبونز (1648 - 1721)، وتصميمات للرسام جيمس ثورنهيل (1675 - 1734) لقبّة كاتدرائية القدّيس بولس في لندن.

كما تُقدَّم نماذج من المنازل التي شهدت تغيّراً في تصميمها أيضاً بما يتناسب مع مفردات عصر الباروك الذي كان يميل إلى التعقيد والفخامة والأبّهة والنزوع نحو الحيل التي برع فيها الفنّانون؛ بحيث بدت رسوماتهم وكأنّها جزء أو امتداد للواقع، ومنها رسم الكمان الشهير على أحد أبواب أحياء تشاتسوورث، والذي يبدو معلّقاً عليه، والزهور التي رسمها سيمون فيريلست (1640 - 1721) وظنّ الكاتب صموئيل بيبيس (1633 - 1703) أنها حقيقية.

تُعرض كذلك تصميمات لمعالم تاريخية تُبرز التأثير البصري العميق للعمارة الباروكية التي تميّزت بمنحى درامي من خلال الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة، مثل كاتدرائية القدّيس بولس وقصر هامبتون كورت وقصر بلينهايم، والديكورات الداخلية التي عكست المفاهيم ذاتها حول قوّة السلطة كما يمثّلها السياسيون في تلك الفترة، بعد أن كانت هذه المكانة محتكَرة في الفن من قبل المؤسّسة الدينية.

ويشمل المعرض، أيضاً صوراً للفرسان ومشاهد بانورامية للمعارك التي خاضها الملك وليم الثالث، واتّسمت بطابع احتفالي ومبهرج بالانتصارات التي حقّقها القادة العسكريون باعتبارها رمزاً لقوّة الأمة؛ المفهوم الذي بدأ يتبلور حينها على يد نخبة جديدة تمتلك خطاباً سياسياً وتعبّر عن حضورها من خلال الأحزاب.

المساهمون