ليس من المبالغة القول إنّ الحزب الاشتراكي الفرنسي، وهو الحزب الوحيد الذي لا يزال يبحث عن مرشح لانتخابات الرئاسة المقبلة، يعاني من صراعات داخلية قد تضعه أمام احتمالات عديدة. من الممكن أن يتفجر من الداخل أو أن يعجز عن إيصال مرشح له للدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في مايو/ أيار 2017. وفي أحسن الحالات قد يخرج الحزب، الذي كان يمتلك قبل خمس سنوات فقط كل السلطات تقريباً، مُنهكاً، ما يعني أن عملية استعادته لعافيته ستحتاج سنوات، أي السنوات التي يحتاجها اليمين، في حال فوزه، كي يحكم بهدوء وينفذ وعوده الانتخابية، من دون مشاكسات وعراقيل. ولا يبحث المراقب بعيداً ليرى أن الانتخابات الفرعية للحزب الاشتراكي وبعض الأحزاب اليسارية، التي جرت دورتها الأولى أمس الأحد، وانتهت بتأهل بونوا هامون (35.21 في المائة) ومانويل فالس (31.56 في المائة) للدور الثاني من الانتخابات التمهيدية، لا تثير الناخب الفرنسي كثيراً، على عكس الانتخابات الفرعية لليمين والوسط.
وهناك احتمال أن ينحاز هولاند للمرشح إيمانويل ماكرون (الذي ترشح مستقلاً لذلك لم تشمله الانتخابات التمهيدية أمس)، الذي يدير حملته الانتخابية بذكاء. ولن يكون الأمر مستغرباً، خصوصاً أن المرشحة الاشتراكية السابقة للرئاسة، شريكة هولاند السابقة وأم أبنائه، سيغولين روايال، التي لن تسامح أبداً رفاقها في الحزب الاشتراكي على تخاذلهم عن دعمها في انتخابات الرئاسة عام 2007 ضد المرشح اليميني آنذاك، نيكولا ساركوزي، تغازل المرشح ماكرون، سياسياً، وتمتدح خياراته واندفاعته.
وما يعزز من هذا الاحتمال هو أنّ المحامي والصديق القريب إلى هولاند، عرّاب اثنين من أبنائه، جان-بيير مينيارد، اختار، بعد خطاب "تنحي" الرئيس، إظهار دعمه لماكرون وعرض خدماته على المرشح الشاب. كما يحاول وزير الخارجية الفرنسي، رئيس الحكومة الأسبق، جان مارك إيرولت، الذي تعرّض لخيانات من يسار الحزب الذي تحالف مع فالس لإزاحته من رئاسة الحكومة، إظهار دعمه لماكرون عبر التشديد على كونه مرشحاً يسارياً. وهو موقف يوشك أن يُقدم عليه بعض رجالات هولاند، كرئيس بلدية مدينة ديجون، فرانسوا ربسامين، ورئيس بلدية باريس السابق، برتراند دولانويه، وأيضاً وزير الزراعة، ستيفان ليفول.
وإذا كان الرئيس غضب من تصريحات أحد أصدقائه، دومينيك فيلموت، الذي كشف أن قلب هولاند يميل إلى المرشح ماكرون، فلأنه لا يريد أن يُتَّهَم بأنه يدمر الحزب الاشتراكي عبر دعم مرشح من خارج الحزب، وهو ما سيكون سابقة في فرنسا.
في المقابل، تبدو الانقسامات في الجسم اليساري أعمق بكثير، لدرجة سيكون من الصعب تجاوزها بعد الانتخابات الفرعية بجولتها الثانية. إذ لا يمكن التغاضي عن "تمرد" الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي، طيلة ولاية هولاند الرئاسية. وهذا الأمر ساهم في شلّ دينامية الرئيس وحكومته، ودفع الرئيس، الأقل شعبية في تاريخ الجمهورية الخامسة، لعدم الترشح في نهاية المطاف. ولم يكن رئيس الحكومة السابق، فالس، مخطئاً حين تحدث عن "يسارَين غير قابلين للمصالحة". وهذا ما يعني أنه في حال فوز فالس قد يلتحق تيار واسع من الاشتراكيين بمرشح اليسار المتطرف جان-لوك ميلانشون. أما إذا فاز مرشحٌ ينتمي إلى يسار الحزب الاشتراكي، أي بونوا هامون، فإن قسماً كبيراً من كوادر الحزب قد يلتحقون بالمرشح ماكرون. وهذا السيناريو يعزز من احتمال دعم الرئيس هولاند لماكرون.