01 أكتوبر 2022
"الاختيار" .. لا يفلّ الدين إلا الدين
يبدأ المشهد الأول من الحلقة الأولى لمسلسل "الاختيار" بمآذن مساجد القاهرة تذيع ابتهالات رمضانية، لتلخّص، منذ اللحظة الأولى، زاوية رئيسية حكمت تناول العمل كله.
المسلسل الذي يلخص قصتي طرفي النقيض، أحمد المنسي وهشام العشماوي، ضابط شهيد بطل في مقابل ضابط خائن إرهابي، حرص طوال حلقاته على تقديم ثنائية أخرى يتصارع فيها خطابان دينيان، ليس بوصف أحدهما تقدّمياً والآخر رجعيا، بل على أيهما الأكثر تراثية وأصولية.
تكرّر في عدة حلقات أن يردّد الجنود خلف قائدهم دعاءً طويلاً في أثناء توجههم لتنفيذ عملية: "اللهم إنا نحتسب العمل عندك، فاجعله شاهدا لنا لا علينا.."، ثم يردّدون الشهادتين ويردفون "شهادة عليها نحيا، وبها نقاتل في سبيل الله، وعليها نلقى الله". وحسبما ذكر محرّرون عسكريون، فإن هذا المشهد ليس وليد خيال المؤلف، بل واقع حقيقي، بالضبط كما أن مشهد مخاطبة منسي جنوده إن خصومهم "تكفيريون" ولا نسميهم "إرهابيين" وليس لنا شأن بما يقوله الإعلام، أمر واقعي، فبينما تستخدم بيانات وزارة الداخلية تعبير "عناصر إرهابية"، تستخدم بيانات الجيش تعبير "عناصر تكفيرية". كما تظهر زوجة منسي بالمسلسل محجّبة، في إطار أسرة بالكامل بالغة المحافظة والتدين، وهو انعكاس للواقع أيضا.
ولكن المؤلف بالطبع أضاف خيوطا أخرى، كان من الواضح أن بعضها تعديلات تتفاعل فورياً مع مزايدات في مواقع التواصل، فبمجرد ظهور إحدى الشخصيات في التنظيم الإرهابي تتحدث عن فتوى ابن تيمية (التترس) لاستباحة قتل مدنيين "يبعثون على نيتهم"، انطلقت موجة انتقادات لكون المسلسل يسيء لابن تيمية، وعلى الرغم من أن هذه الفتوى بالفعل مستخدمة من هذه الجماعات منذ عقود، لكن سرعان ما ظهر مشهدٌ لشيخ يتحدث مع الجنود، ليكيل مديحاً طويلاً لابن تيمية، ويؤكد أنه كان مجاهداً لحماية الوطن من التتار مثلكم بالضبط!
انتقاد آخر كان اعتبار أن ظهور الإرهابيين ملتحين تشويه متعمد، وعلى الرغم من عبثية هذا النقد، لأن الواقع أن أفراد هذه الجماعات ملتحون فعلا، سرعان ما ظهر في الأحداث إرهابي حليق، هو شخصية أشرف الغرابلي. وفي المقابل، ظهر ملتحون مثاليون، مثل صديق لمنسي نفسه يزوره في منزله، ويشاركه أعمال الخير، بل يدور بينهما نقاش أيضا عن ابن تيمية، ويؤكد هذا الصديق الملتحي بدوره أن ابن تيمية العظيم ظُلم باستخدام آرائه.
بل حين طاولت مزايدات أخرى مشهدا ظهر فيه منسي متشكّكاً في أحد الجنود الذي يقرأ القرآن ويتأخر في المسجد، سرعان ما ظهر في الحلقة التالية أن المجند نفسه يتحول إلى صديق مقرب له، ثم كان هو البطل الشهيد الذي ألقى نفسه فوق انتحاري لينقذ زملاءه، في تمثيل للقصة الحقيقية للمجند أيمن شويقة.
حتى بدو سيناء، والذين ظهروا بصورة بالغة الإيجابية، كما يظهر في عدة مشاهد توجيههم عتابا ضمنيا لمظالم سابقة محقة لهم، هم أيضاً يظهرون أصحاب عقيدة دينية قوية، حتى أننا نرى مشهداً طويلاً لمناظرة دينية خطابية بين شيخ قبلي حليف للجيش وخاطفه.
المسلسل، الذي يبدأ "التتر" الخاص به بذكر أنه مُنتج بالتعاون مع جهاز الشؤون المعنوية في القوات المسلحة، لا يخفي هويته، لكن الأسلوب يعد مختلفا عن كل الأعمال الشبيهة السابقة. حتى أن الجماعات الإسلامية يتم التمييز بينها بدقةٍ غير معهودة وغير مطلوبة في الإعلام المصري، فولاية سيناء غير "المرابطون"، بل يظهر إخواني رافض حمل السلاح، وإخواني ينشقّ عن جماعته لأجل ذلك، بل إن منسي يبدي، في أحد المشاهد، تعاطفه مع الإرهابيين "المضحوك عليهم"، وفي حلقة لاحقة، يرحب بعودة أحدهم نادما.
هذا غيض من فيض رسائل دينية تكدّس بها المسلسل، كما تكدّس بها الواقع خارجه، حيث يطارد النائب العام المصري فتياتٍ بتهم "تهديد قيم الأسرة المصرية"، وتفصل جامعة طالبا احتضن طالبة، وغيرها.
لفترة طويلة استخدم إسلاميون معارضون للسيسي خطابا تحريضا دينيا مهووسا، روّجوا أكاذيب من قبيل إن والدته يهودية، وحرّضوا طائفيا ضد زياراته الكنسية، وغيرها، والنتيجة ليست فقط سقوط هذا الخطاب أخلاقيا، بل أيضا إن النظام بإمكانه سحقه على أرضيته. لا بديل عن تقديم كل أطياف المعارضة المصرية خطابا سياسيا عاقلا، يمكنه طرح حلول وبدائل لا مزايدات وشعبويات.
تكرّر في عدة حلقات أن يردّد الجنود خلف قائدهم دعاءً طويلاً في أثناء توجههم لتنفيذ عملية: "اللهم إنا نحتسب العمل عندك، فاجعله شاهدا لنا لا علينا.."، ثم يردّدون الشهادتين ويردفون "شهادة عليها نحيا، وبها نقاتل في سبيل الله، وعليها نلقى الله". وحسبما ذكر محرّرون عسكريون، فإن هذا المشهد ليس وليد خيال المؤلف، بل واقع حقيقي، بالضبط كما أن مشهد مخاطبة منسي جنوده إن خصومهم "تكفيريون" ولا نسميهم "إرهابيين" وليس لنا شأن بما يقوله الإعلام، أمر واقعي، فبينما تستخدم بيانات وزارة الداخلية تعبير "عناصر إرهابية"، تستخدم بيانات الجيش تعبير "عناصر تكفيرية". كما تظهر زوجة منسي بالمسلسل محجّبة، في إطار أسرة بالكامل بالغة المحافظة والتدين، وهو انعكاس للواقع أيضا.
ولكن المؤلف بالطبع أضاف خيوطا أخرى، كان من الواضح أن بعضها تعديلات تتفاعل فورياً مع مزايدات في مواقع التواصل، فبمجرد ظهور إحدى الشخصيات في التنظيم الإرهابي تتحدث عن فتوى ابن تيمية (التترس) لاستباحة قتل مدنيين "يبعثون على نيتهم"، انطلقت موجة انتقادات لكون المسلسل يسيء لابن تيمية، وعلى الرغم من أن هذه الفتوى بالفعل مستخدمة من هذه الجماعات منذ عقود، لكن سرعان ما ظهر مشهدٌ لشيخ يتحدث مع الجنود، ليكيل مديحاً طويلاً لابن تيمية، ويؤكد أنه كان مجاهداً لحماية الوطن من التتار مثلكم بالضبط!
انتقاد آخر كان اعتبار أن ظهور الإرهابيين ملتحين تشويه متعمد، وعلى الرغم من عبثية هذا النقد، لأن الواقع أن أفراد هذه الجماعات ملتحون فعلا، سرعان ما ظهر في الأحداث إرهابي حليق، هو شخصية أشرف الغرابلي. وفي المقابل، ظهر ملتحون مثاليون، مثل صديق لمنسي نفسه يزوره في منزله، ويشاركه أعمال الخير، بل يدور بينهما نقاش أيضا عن ابن تيمية، ويؤكد هذا الصديق الملتحي بدوره أن ابن تيمية العظيم ظُلم باستخدام آرائه.
بل حين طاولت مزايدات أخرى مشهدا ظهر فيه منسي متشكّكاً في أحد الجنود الذي يقرأ القرآن ويتأخر في المسجد، سرعان ما ظهر في الحلقة التالية أن المجند نفسه يتحول إلى صديق مقرب له، ثم كان هو البطل الشهيد الذي ألقى نفسه فوق انتحاري لينقذ زملاءه، في تمثيل للقصة الحقيقية للمجند أيمن شويقة.
حتى بدو سيناء، والذين ظهروا بصورة بالغة الإيجابية، كما يظهر في عدة مشاهد توجيههم عتابا ضمنيا لمظالم سابقة محقة لهم، هم أيضاً يظهرون أصحاب عقيدة دينية قوية، حتى أننا نرى مشهداً طويلاً لمناظرة دينية خطابية بين شيخ قبلي حليف للجيش وخاطفه.
المسلسل، الذي يبدأ "التتر" الخاص به بذكر أنه مُنتج بالتعاون مع جهاز الشؤون المعنوية في القوات المسلحة، لا يخفي هويته، لكن الأسلوب يعد مختلفا عن كل الأعمال الشبيهة السابقة. حتى أن الجماعات الإسلامية يتم التمييز بينها بدقةٍ غير معهودة وغير مطلوبة في الإعلام المصري، فولاية سيناء غير "المرابطون"، بل يظهر إخواني رافض حمل السلاح، وإخواني ينشقّ عن جماعته لأجل ذلك، بل إن منسي يبدي، في أحد المشاهد، تعاطفه مع الإرهابيين "المضحوك عليهم"، وفي حلقة لاحقة، يرحب بعودة أحدهم نادما.
هذا غيض من فيض رسائل دينية تكدّس بها المسلسل، كما تكدّس بها الواقع خارجه، حيث يطارد النائب العام المصري فتياتٍ بتهم "تهديد قيم الأسرة المصرية"، وتفصل جامعة طالبا احتضن طالبة، وغيرها.
لفترة طويلة استخدم إسلاميون معارضون للسيسي خطابا تحريضا دينيا مهووسا، روّجوا أكاذيب من قبيل إن والدته يهودية، وحرّضوا طائفيا ضد زياراته الكنسية، وغيرها، والنتيجة ليست فقط سقوط هذا الخطاب أخلاقيا، بل أيضا إن النظام بإمكانه سحقه على أرضيته. لا بديل عن تقديم كل أطياف المعارضة المصرية خطابا سياسيا عاقلا، يمكنه طرح حلول وبدائل لا مزايدات وشعبويات.