"اشتباك بين ضيفي (الاتجاه المعاكس) بحلقة حول العراق". كانت هذه الجملة عنوان حلقة الثلاثاء الماضي من برنامج "الاتجاه المعاكس" على الصفحة المخصصة له بموقع "الجزيرة نت" مرفقاً بفيديو للحلقة المذكورة. وقد بدا أن العنوان جاذب لنسبة مشاهدة كبيرة، كما هي الحلقات الاخرى التي يتم الترويج لها بمقاطع الصدام والاشتباك بين الضيفين.
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد استبقت نشر ملخص الحلقة الاخيرة على صفحتها، أثناء بثها المباشر، بالحديث عن ضيفي "الاتجاه المعاكس" العراقيين اللذين تشابكا، وانه تم إيقاف الحلقة لدقائق قبل أن تستكمل بغياب الضيف الذي كان يدافع عن نوري المالكي.
وهكذا نجح البرنامج على مدى سنوات في أن يحوّل نفسه الى "حدث" على مواقع التواصل الاجتماعي، من منطلق "المهاترات" التي تجري فيه، لا من مضمون ما يفهم ويقال في حلقاته. وثبّت البرنامج تقاليداً تعتمد على العدوانية، من سباب وشتائم يطلقها أحد الضيفين باتجاه الآخر، أو لكمات يتلقاها أحدهما من زميله. وتتنوع الاهانات بين الطرفين مثل الرش بالماء الموجود في الكأس أمامه، واللحاق بالآخر في الاستوديو ليضربه، ويختفي بعدها الضيف الضحية من بقية الحلقة، أو يختفي الضيف المعتدي. في الحلقة الاخيرة، مثلاً، رمى الضيف المناهض للمالكي وجه زميله الموالي، بقلمه، وعندما بادر الطرف الآخر للرّد عليه، أوشك الاول أن يرميه بهاتفه الجوال لولا تدخل طرف ثالث من الاستوديو للتفريق بينهما.
من الواضح أن الاثارة التي يطرحها برنامج "الاتجاه المعاكس" وترفع نسبة المشاهدة قد أثارت الغيرة أو الفضول لدى إعلاميين آخرين في الفضائيات العربية، فحاولوا إدخالها الى برامجهم الحوارية، حتى وجدنا برنامجاً في قناة "فرانس 24" يحفل بالضجيج والصراخ هو الآخر، مع الفرق أن الضيوف متعددين يصلون الى الاربعة أحياناً، وينتهي مثله مثل سابقه، من دون الخروج برأي واضح ولا تحليل صائب للمشهد السياسي، وما يبقى في الذاكرة زعيق الضيوف.
لقد تحول برنامج "الاتجاه المعاكس" الى ما يشبه برامج المصارعة التي يترقبها البعض بتوقع مسبق الى انتهائها بالعراك، وهذا ما تفعله صفحات التواصل الاجتماعي، فقد روج أحد المواقع اليمنية مرة، لحلقة ضيفاها من اليمن، بعنوان: "ترقُّب في اليمن لحلقة حامية الوطيس من برنامج الاتجاه المعاكس بقناة الجزيرة".
لا يقتصر خطأ هذا السلوك الإعلامي، على صاحب البرنامج الذي يترك الديوك تتصارع، واحياناً يؤجج العداء بينها إنْ وجد الحلقة فاترة، أو لاحظ أن كلا الضيفين يحتفظ بأعصابه وهدوئه، فالضيوف أيضاً مخطئون عندما يدخلون اللعبة بشروطها ويبالغون في استفزاز الضيف الآخر، وهذا ما حصل في الحلقة الاخيرة بين الضيفين العراقيين.
بسبب هذه السمة تحديداً، فقد برنامج "الاتجاه المعاكس"، مبكراً، عدداً من ضيوفه المرموقين الذي رفضوا الظهور على الهواء في حوار من المهاترات، ومن هؤلاء، المفكر الراحل محمد أركون الذي وجد نفسه في حلقة من حلقاته قبل عدة سنوات، غير قادر على مجاراة شريك الحلقة في الردح، وبدا متردداً في النقاش ضعيفاً في الحجة أمام زعيق زميله الأمر الذي لا يجيده.
إنها برامج تجيد جذب المشاهدة لجمهور عريض يشاهد وينتقد ويسخر بعدها من مجمل الحلقة، لكنه يدمن الفرجة على المستوى المتدني من الحوارات، ومن تحوّل الاعلاميين والسياسيين وغيرهم من الشخصيات العامة، الى مادة للاستهزاء منهم، يستحقونها في غالب الاحيان لتورطهم في المشاركة في البرنامج.
هل هناك من فائدة للمشاهد في مشاهدة تقوم على العراك والعدوانية وعبثية النقاش؟ وكيف يمكن تصنيف هذه البرامج التي لا هي حوارية سياسية ولا هي برامج جادة أساساً؟ القضية ليست في حق القناة أو مقدم البرنامج في تقديم ما يريد، وفي أن البرامج معروضة في فضاء البث ومَن يرغب في المشاهدة يتفرّج ومَن لا يرغب يعفّ عنها، بل في تقديم برامج تثبّت السائد في الحوار مع الآخر في مجتمعات محرومة من الديمقراطية، لا تحترم الاختلاف ولا تجيد مقارعة الحجة بالحجة.
مَن سيبدأ الصراخ يا ترى في الحلقة المقبلة؟ وتساؤل نطرحه: ألم يحن وقت إعادة النظر في برنامج عمره الآن قرابة الخمسة عشر عاماً؟
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد استبقت نشر ملخص الحلقة الاخيرة على صفحتها، أثناء بثها المباشر، بالحديث عن ضيفي "الاتجاه المعاكس" العراقيين اللذين تشابكا، وانه تم إيقاف الحلقة لدقائق قبل أن تستكمل بغياب الضيف الذي كان يدافع عن نوري المالكي.
وهكذا نجح البرنامج على مدى سنوات في أن يحوّل نفسه الى "حدث" على مواقع التواصل الاجتماعي، من منطلق "المهاترات" التي تجري فيه، لا من مضمون ما يفهم ويقال في حلقاته. وثبّت البرنامج تقاليداً تعتمد على العدوانية، من سباب وشتائم يطلقها أحد الضيفين باتجاه الآخر، أو لكمات يتلقاها أحدهما من زميله. وتتنوع الاهانات بين الطرفين مثل الرش بالماء الموجود في الكأس أمامه، واللحاق بالآخر في الاستوديو ليضربه، ويختفي بعدها الضيف الضحية من بقية الحلقة، أو يختفي الضيف المعتدي. في الحلقة الاخيرة، مثلاً، رمى الضيف المناهض للمالكي وجه زميله الموالي، بقلمه، وعندما بادر الطرف الآخر للرّد عليه، أوشك الاول أن يرميه بهاتفه الجوال لولا تدخل طرف ثالث من الاستوديو للتفريق بينهما.
من الواضح أن الاثارة التي يطرحها برنامج "الاتجاه المعاكس" وترفع نسبة المشاهدة قد أثارت الغيرة أو الفضول لدى إعلاميين آخرين في الفضائيات العربية، فحاولوا إدخالها الى برامجهم الحوارية، حتى وجدنا برنامجاً في قناة "فرانس 24" يحفل بالضجيج والصراخ هو الآخر، مع الفرق أن الضيوف متعددين يصلون الى الاربعة أحياناً، وينتهي مثله مثل سابقه، من دون الخروج برأي واضح ولا تحليل صائب للمشهد السياسي، وما يبقى في الذاكرة زعيق الضيوف.
لقد تحول برنامج "الاتجاه المعاكس" الى ما يشبه برامج المصارعة التي يترقبها البعض بتوقع مسبق الى انتهائها بالعراك، وهذا ما تفعله صفحات التواصل الاجتماعي، فقد روج أحد المواقع اليمنية مرة، لحلقة ضيفاها من اليمن، بعنوان: "ترقُّب في اليمن لحلقة حامية الوطيس من برنامج الاتجاه المعاكس بقناة الجزيرة".
لا يقتصر خطأ هذا السلوك الإعلامي، على صاحب البرنامج الذي يترك الديوك تتصارع، واحياناً يؤجج العداء بينها إنْ وجد الحلقة فاترة، أو لاحظ أن كلا الضيفين يحتفظ بأعصابه وهدوئه، فالضيوف أيضاً مخطئون عندما يدخلون اللعبة بشروطها ويبالغون في استفزاز الضيف الآخر، وهذا ما حصل في الحلقة الاخيرة بين الضيفين العراقيين.
بسبب هذه السمة تحديداً، فقد برنامج "الاتجاه المعاكس"، مبكراً، عدداً من ضيوفه المرموقين الذي رفضوا الظهور على الهواء في حوار من المهاترات، ومن هؤلاء، المفكر الراحل محمد أركون الذي وجد نفسه في حلقة من حلقاته قبل عدة سنوات، غير قادر على مجاراة شريك الحلقة في الردح، وبدا متردداً في النقاش ضعيفاً في الحجة أمام زعيق زميله الأمر الذي لا يجيده.
إنها برامج تجيد جذب المشاهدة لجمهور عريض يشاهد وينتقد ويسخر بعدها من مجمل الحلقة، لكنه يدمن الفرجة على المستوى المتدني من الحوارات، ومن تحوّل الاعلاميين والسياسيين وغيرهم من الشخصيات العامة، الى مادة للاستهزاء منهم، يستحقونها في غالب الاحيان لتورطهم في المشاركة في البرنامج.
هل هناك من فائدة للمشاهد في مشاهدة تقوم على العراك والعدوانية وعبثية النقاش؟ وكيف يمكن تصنيف هذه البرامج التي لا هي حوارية سياسية ولا هي برامج جادة أساساً؟ القضية ليست في حق القناة أو مقدم البرنامج في تقديم ما يريد، وفي أن البرامج معروضة في فضاء البث ومَن يرغب في المشاهدة يتفرّج ومَن لا يرغب يعفّ عنها، بل في تقديم برامج تثبّت السائد في الحوار مع الآخر في مجتمعات محرومة من الديمقراطية، لا تحترم الاختلاف ولا تجيد مقارعة الحجة بالحجة.
مَن سيبدأ الصراخ يا ترى في الحلقة المقبلة؟ وتساؤل نطرحه: ألم يحن وقت إعادة النظر في برنامج عمره الآن قرابة الخمسة عشر عاماً؟