لا تفرّق الحكومات المصرية المتعاقبة بين معارضيها شيبًا كانوا أم شبابًا، فالتوزيع العادل للقمع كان السمة الأبرز والمشتركة بينها، حتى وصل الأمر بالمجلس العسكري ومن ثمّ عبد الفتاح السيسي لمعاقبة مجموعات "الألتراس" في مصر، على خلفية تغريدها خارج السرب وتعبيرها عن نبض الشارع الملتهب.
عند الحديث عن "الألتراس"، قد يظنّ البعض أنهم مجموعة من المخرّبين الهمجيين، أو من المرتزقة المارقين غير الوطنيين، لكن الحقيقة التي يجهلها كثيرون أنهم أناس "حربيّون" يعبّرون عما يشعرون به وما يدور ببال كثير من المقموعين من قبل الأنظمة السياسية الدكتاتورية خاصّة في عالمنا العربي.
تاريخ "الألتراس" في مصر
"الألتراس" هي كلمة لاتينية تعني المتطرّفين-ليس التطرف العنصري وإنما التطرّف في الحب المشحون بالجنون والوفاء والإخلاص لفريق معين-، وتظهر بصورة مجموعات مشجّعي الفرق الرياضية والمعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها وخاصة في رياضة كرة القدم.
في عام 2007، شهدت مصر أوّل ظهور لمجموعات "الألتراس"، من خلال "ألتراس أهلاوي" لتشجيع النادي الأهلي، وألتراس "الفرسان البيض" لتشجيع نادي الزمالك، ثم "التنانين الصفراء" Yellow Dragons لمساندة النادي الإسماعيلي، و"السحر الأخضر" Green Magic لتشجيع نادي الاتحاد السكندري، و"النسور الخضراء" Green Eagles لمساندة النادي المصري.
تقول تقارير إعلامية إن مجموعات "الألتراس" لم يكن لها دور يُذكر في الحياة السياسية المصرية، فعندما ظهرت الدعوة لمظاهرات 25 يناير، أصدرت "ألتراس أهلاوي" بيانًا تؤكّد فيها أنها "مجموعة رياضية فقط، وليس لها أية اتجاهات سياسية أيا كانت نوعيتها أو انتماءاتها"، ومن ثم فإنها لن تشارك في المظاهرات، أو أي تظاهرات سياسية أخرى، كما أشار البيان إلى أن كل عضو من أعضاء "ألتراس أهلاوي" حرّ في اختياراته السياسية.
ومع تصاعد وتيرة المظاهرات، اعتبر أعضاء "الألتراس" أنفسهم جزءًا فاعلًا في أحداثها ضد ممارسات الشرطة القمعية، وتحدثت بعض التقارير الصحافية عن دور ملحوظ لهم في ثورة 25 يناير، وخاصّة يوم جمعة الغضب في 28 يناير 2011، واحتلالهم الصفوف الأولى في مواجهة قوّات الشرطة نظرًا لخبرتهم الكبيرة في التعامل مع الشرطة خلال اشتباكهم معها في الملاعب ومعرفتهم بتكتيكاتها وتحرّكاتها.
وفي هذا السياق قال سمير مصطفى، مؤسّس "ألتراس أهلاوي"، خلال برنامج "نبض القاهرة" مع سحر عبد الرحمن على فضائية "القاهرة والناس" في شهر ديسمبر/ كانون الأوّل 2014، إن أول اجتماع لـ "الألتراس" كان بحضور 30 شخصًا، عام 2007، "واجهتنا مشاكل، وكل مرّة نعود أقوى من الأوّل، وعندما اجتمعنا كنا نؤكّد على أهم القواعد وأولها وهي عدم النزول لأرض الملعب"، مضيفًا أن مشكلتهم مع الداخلية كانت قبل ثورة 25 يناير، لأنهم "كانوا بيمسكونا قبل الماتش ويحجزونا في القسم، ويحضرون تلفزيونًا لمشاهدة الماتش ثم يتركونا بعد ذلك لعدم إثارة المشاكل، وكانت أقصى أمانينا إدخال الترمبيتا الملعب".
مجزرة بورسعيد
ألّفت روابط "الألتراس" عددًا كبيرًا من الأغاني يعبّرون فيها عن غضبهم من الجهاز الأمني المصري، منها أغنية "حرية" وأغنية "ياغراب يا معشش"، وكان نتيجة ذلك أن حدثت مناوشات بين "الألتراس" ورجال الشرطة في كثير من المباريات أشهرها ما حدث في فبراير/ شباط 2012 إبّان حكم المجلس العسكري لـ مصر، عقب مباراة الأهلي والمصري البورسعيدي على ملعب بورسعيد بين جماهير الفريقين، حيث سقط 74 قتيلًا في صفوف مشجّعي الأهلي.
بدأت الأمور بالتطوّر قبل المباراة، أثناء قيام لاعبي الأهلي بعمليات الإحماء، إذ نزل العشرات من جمهور النادي المصري إلى الملعب وفي أيديهم أسلحة بيضاء، وكان الأمر يتكرّر مع كل هدف يسجّله النادي المصري، من دون أن تحرّك قوّات الأمن ساكنًا أو تقوم بأي إجراءات تفتيش للجماهير قبيل دخولها إلى الملعب، وبعد إعلان الحكم نهاية المباراة، حلّت الكارثة، حيث نزل مشجعو النادي المصري إلى أرض الملعب ثمّ صعدوا إلى مدرّجات جمهور الأهلي، وتمّ إطفاء الأضواء وبدأت الاعتداءات التي راح ضحيتها 72 شخصًا من جماهير النادي الأهلي، وعزا البعض الهجوم إلى لافتة رفعها جمهور الأهلي كتب عليها "بلد البالة مجبتش رجالة" فاعتبرها مشجعو النادي المصري إهانة لهم.
وفي شهر فبراير/ شباط الماضي، وبعد ساعات قليلة من إحياء أعضاء "ألتراس أهلاوي" الذكرى الرابعة لمجزرة بورسعيد، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "الألتراس" إلى المشاركة بلجان التحقيق الخاصّة بمقتل زملائهم، وفي أبريل 2015 قضت محكمة مصرية بإعدام 11 متهمًا، جميعهم من مشجعي النادي المصري بتهمة قتل مشجعي الأهلي دون أي اتهام لرجال الأمن، وفي مايو/ أيّار من العام نفسه، صدر حكم قضائي من محكمة الأمور المستعجلة باعتبار روابط مشجعي فرق كرة القدم "تنظيمات إرهابية" وحظر نشاطها.
مذبحة الدفاع الجوي
المذابح التي راح ضحيتها الشباب المصريون المنضوون في صلب جماعات "الألتراس" لم تتوقّف، ففي 8 فبراير/ شباط 2015 وقعت مجزرة جديدة أمام ملعب الدفاع الجوي بالقاهرة قبيل مباراة الزمالك وإنبي، وأدت إلى موت 20 شخصًا من مشجعي الزمالك عقب إغلاق قوّات الأمن الممر الحديدي المخصّص لدخول المشجعين ما أحدث تكدسًا، لتطلق قوّات الأمن قنابل الغاز عليهم، ما أدى إلى حالات اختناق ووفيات.
ووفقا لشهود عيان فإن المشجّعين عندما اشتكوا من ضيق الممرّات بادرتهم الشرطة بقنابل الغاز مما أدّى إلى التدافع والاختناق مع ضيق الممرّات وتزايد عدد الجماهير بحسب الداخلية، مما أدى إلى وقوع ضحايا أظهرت الصور أن أغلبهم بدون آثار دماء، وعلى أثر مجزرة الدفاع الجوي، تكاتف جمهورا الزمالك والأهلي صاحبا الصراع الأزلي في كرة القدم المصرية، إذ رفعت جماهير الأهلي بالونات ملونة باللونين الأحمر والأبيض، حيث بلغ عدد البالونات الحمر 72 بالونًا للإشارة إلى عدد شهداء مجزرة بورسعيد و20 بالونا أبيض وهو لون قميص نادي الزمالك للدلالة على المشجعين الذين سقطوا في الدفاع الجوي.
وفي هذا السياق، ترى داليا عبد الحميد، الباحثة في العلوم الاجتماعية التي أجرت بحثا مطولًا عن "الألتراس" خلال السنوات الماضية، أن الدولة ممثلة في وزارة داخليتها تعادي "الألتراس" بشكل واضح، كما ترصد عبد الحميد عدّة أسباب لذلك العداء، أولها الخوف من التنظيم، حتى لو كان هذا التنظيم يهدف إلى تشجيع فريق كرة قدم فحسب، لكن الطابع الشبابي للتنظيم وشكله الجديد وعدم خضوعه لسيطرة أي سلطة أو جهة يقلق الدولة الممثلة في الداخلية بصورة أكبر، ويجعلها تبذل جهودًا مستمرّة وعنيفة لمحاولة فرض قواعد وشروط على وجود هذه الروابط.
ويرى باحثون ومراقبون، أن الصراع بين جهاز الشرطة المدعومة من النظام العسكري ومجموعات "الألتراس"، قد يتواصل مستقبلًا بسبب اختيار السلطات للقوّة بدل العقل في مواجهتهم رغم المجازر التي ارتكبتها في حق العشرات منهم، كما أن عدم السماح برجوع الجماهير الرياضية إلى الملاعب لحضور كل المباريات وزيادة حالة الاحتقان داخل أوساط الجماهير الرياضية وعلى رأسها مجموعات "الألتراس"، قد يؤدّي إلى تحرّك ثوري عنيف مستقبلًا، من غير المستبعد أن تكون "الألتراس" في الصفوف الأمامية لقيادته مثلما فعلت في ثورة يناير 2011.