ماذا لو أوقفت قطر مشاريعها في قطاع غزة؟ بصيغة أخرى واجهت هذا السؤال من الستيني أبو عدنان، بدا الرجل قلقاً ربما لا يمتلك أبجديات التحليل السياسي وإدارة الأزمات الدولية، لكنه يشعر أن هناك أمراً ما يتربص بقطاع غزة، تنهد وضرب كفاً بكف وقال: "كلما وقفت دولة معنا ودعمتنا وبنت إلنا بيوت وعمرت شوارع يلتفوا عليها ويتآمروا عليها"، فأدركت أن للرجل قراءته الخاصة في ما يتعلق بإحداثيات الأزمة الخليجية الحاصلة ضد دولة قطر. لا أظن أبو عدنان يستحضر أو يأتي على ذكر أيّ من الدول العربية كما يفعل مع قطر.
سأتجاوز قلق أبو عدنان على الدعم القطري المقدم لفلسطين، ولن أقلق حيال مشاريع الإعمار والبناء ورصف الطرق والمعونات القطرية، لأتوقف عند أول سؤال وردني عقب الأزمة الخليجية، وهو لماذا استدارت بعض دول الخليج ضد قطر؟ ولماذا يريد بعضها معاقبتها ومحاسبتها على دعمها قطاع غزة؟ وكيف تجرأ بعضها على قول ذلك علناً بأن قطر تدعم حماس والتي هي جزء أصيل منتخب بالأغلبية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة؟ حتى هذه التساؤلات سأحُسن الظن بها عربياً وخليجياً، سأنتقل لسؤال أظنه أعمق، تُرى من المستفيد من الأزمة الخليجية ومن محاصرة قطر والتضييق عليها وعلى شعبها من قبل أشقائها وأقرب المقربين لها؟
إن أية أزمة عربية عموماً أو خليجية على وجه التحديد المستفيد الوحيد منها هو إسرائيل، وإن من ينفخ في نيران الصراع وتطوير الأزمة هو إسرائيل، لا تخشى إسرائيل أكثر من الوحدة العربية والوحدة الخليجية، ولن يتوقف توظيفها للأزمة قبل إنهاء مجلس التعاون الخليجي. ولا يحتاج الأمر لمعجزة لمعرفة الأهداف الإسرائيلية من وراء الدخول على خط الأزمة الخليجية التي وفرت لإسرائيل مدخلاً للنيل من قطر ومن قناة الجزيرة، والتي فور تدحرج الأزمة الخليجية سارع نتنياهو للتلويح بإغلاق مكاتبها واستدعى من أجل ذلك أركان حكومته من وزارة الخارجية والشاباك ومكتب الإعلام الحكومي، ووصفها وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان أنها تمثل خطراً مثل الذي تمثله ألمانيا النازية.
لم تكن غزة لتصمد في وجهة ثلاث حروب إسرائيلية وتستمر وتنجح في إدارة شؤونها ومقتضياتها لولا الدعم القطري ولا تبجيل ولا تدليس ولا مسايرة لقطر في هذه الجزئية، إن استمرار حكم حماس ونجاحها في إدارة الشأن العام في غزة في جزء أصيل منه هو بفضل الدعم القطري، قطر التي أنشأت مجمعات سكنية وعمرانية استوعبت النمو الديموغرافي الحاصل في القطاع على مدار عشر سنوات، واستوعبت كل الذين قامت إسرائيل بهدم بيوتهم وتشريدهم، قطر التي مولت ثلثي المشاريع الحاصلة في القطاع والبنية التحتية، مَن من زعماء العرب فكر في زيارة غزة زيارة ودية أخوية طيبة، كان من أهم دلالاتها ورسائلها لشعب فلسطين أنكم لستم وحدكم.
لست بمعرض التعرض للدور القطري في فلسطين عموماً وفي قطاع غزة بوجه خاص فهذا المقال والمقام لا يسعان ولا يتسعان، وإن الشواهد على أرض غزة لكفيلة ببرهنة شواهد الدور القطري الداعم والمعمر لقطاع غزة. وتعيدني الذاكرة هنا لسؤال كنت ناقشته مع مجموعة أصدقاء في العام 2005 وكان السؤال، ماذا لو لم تكن لقناة الجزيرة مكاتب ومراسلون في فلسطين؟ وأذكر صديقاً عزيزاً طرح سؤالاً بصيغة أخرى، وقال تصور لو كانت قناة الجزيرة موجودة أيام النكبة، هل كانت إسرائيل تجرؤ على القيام بما قامت به من مجازر؟ وما زلت أطرح نفس السؤال، وأقول لو لم يكن لقطر دور تجاه فلسطين إلا قناة الجزيرة لكفاها وكفانا وأعفاها من السؤال الفلسطيني المزمن ماذا قدم لنا العرب؟
تحريض ووصاية
تمدد التوظيف الإسرائيلي في الاستفادة من الأزمة الخليجية وفي النيل من قطر والثأر منها، وتعددت القراءات، ففي صحيفة إسرائيل اليوم كتب ضابط الاحتياط الإسرائيلي، يعقوب عميدور، يقول إن قطع العلاقات مع قطر من قبل السعودية والإمارات ومصر والبحرين، هو مؤشر ضعف. فحقيقة أن العالم العربي – السّني لم ينجح في فرض نهجه الأساس على إمارة صغيرة، هو مؤشر آخر على أزمة عميقة، تنبع ضمن أمور أخرى، من عدم وجود زعامة حقيقية للسّنة. لم يكتف عميدور من التحريض على قطر، لكنه يهمس أيضا أنه يريد أن تكون هناك أيضاً وصاية على قطر كدولة وكأن قطر هي من يعيق وجود زعامة حقيقية للسنة، ولكن بماذا يحرض، لم يجد إلا القول إن قطر تدعم حماس وتستضيف قادتها في الدوحة، ترى ما هو المطلوب من قطر إذن؟ أن تطرد قادة حماس مثلاً وتتوقف عن دعم الشعب الفلسطيني.
يرى عميدور أنه من اللازم فرض وصاية على قطر ولا يواري إرادته هذه وتبعاتها على إسرائيل فيقول "إذا نجح المسعى السّني تجاه قطر – أي إذا جمدت علاقتها مع إيران، وكفت عن دعم الإخوان المسلمين (وربما حماس أيضاً)، وفرضت قيوداً متشددة على الجزيرة وتوقفت عن استقبال محافل متطرفة في العالم السّني – فستكون هذه خطوة هامة للغاية في بناء معسكر سني متناغم، يمكن تجنيده معاً في الصراع، احتواء إيران في المنطقة. إن بناء قيادة فاعلة للعالم السني يمكن أن تقود الى تغيير هام في الشرق الأوسط. وسيتعين على إسرائيل أيضاً، اعتياد العمل مع هذا الجسم. ومع ذلك، بسبب حقيقة أن أعداء إسرائيل هم أيضاً أعداء الدول التي يتشكل منها هذا التحالف، ثمة فرصة حقيقية هنا من ناحية إسرائيل، ويمكن تطوير ما تم عمله مع الدول القليلة في هذه المجموعة، حتى الآن".
والسؤال ألا تستطيع إسرائيل التعامل مع مجلس التعاون الخليجي مثلاً؟ ألا تستطيع التعاطي والتعامل مع مبادرة السلام العربية التي قدمتها السعودية منذ قمة بيروت العام 2002؟، إسرائيل لا تريد التعامل مع جسم سني بل تسعى لتفريق وتشتيت أي جسم سني عربي خليجي. ومن لا يدرك ذلك ومن يدفع باتجاه التفرقة والتشرذم العربي والخليجي يقدم لإسرائيل خدمات جليلة جداً سواء علم ذلك أو لم يعلم وسواء كان بقصد أم بغير قصد. ومن يريد الاستزادة فلينظر إلى الاستفادة الإسرائيلية من أزمة الخليج الأولى مطلع التسعينات بين العراق والكويت، والى ماذا أفضت والى أين وصلت تبعاتها وتداعياتها على الكل العربي. ويمكن مراجعة العدد الرابع من مجلة الدراسات الفلسطينية الصادر عام 1990. وقد لخصت رندة شرارة ما يقارب من 12 صفحة عن كيفية استفادة إسرائيل من أزمة الخليج آنذاك.
اقــرأ أيضاً
سأتجاوز قلق أبو عدنان على الدعم القطري المقدم لفلسطين، ولن أقلق حيال مشاريع الإعمار والبناء ورصف الطرق والمعونات القطرية، لأتوقف عند أول سؤال وردني عقب الأزمة الخليجية، وهو لماذا استدارت بعض دول الخليج ضد قطر؟ ولماذا يريد بعضها معاقبتها ومحاسبتها على دعمها قطاع غزة؟ وكيف تجرأ بعضها على قول ذلك علناً بأن قطر تدعم حماس والتي هي جزء أصيل منتخب بالأغلبية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة؟ حتى هذه التساؤلات سأحُسن الظن بها عربياً وخليجياً، سأنتقل لسؤال أظنه أعمق، تُرى من المستفيد من الأزمة الخليجية ومن محاصرة قطر والتضييق عليها وعلى شعبها من قبل أشقائها وأقرب المقربين لها؟
لم تكن غزة لتصمد في وجهة ثلاث حروب إسرائيلية وتستمر وتنجح في إدارة شؤونها ومقتضياتها لولا الدعم القطري ولا تبجيل ولا تدليس ولا مسايرة لقطر في هذه الجزئية، إن استمرار حكم حماس ونجاحها في إدارة الشأن العام في غزة في جزء أصيل منه هو بفضل الدعم القطري، قطر التي أنشأت مجمعات سكنية وعمرانية استوعبت النمو الديموغرافي الحاصل في القطاع على مدار عشر سنوات، واستوعبت كل الذين قامت إسرائيل بهدم بيوتهم وتشريدهم، قطر التي مولت ثلثي المشاريع الحاصلة في القطاع والبنية التحتية، مَن من زعماء العرب فكر في زيارة غزة زيارة ودية أخوية طيبة، كان من أهم دلالاتها ورسائلها لشعب فلسطين أنكم لستم وحدكم.
لست بمعرض التعرض للدور القطري في فلسطين عموماً وفي قطاع غزة بوجه خاص فهذا المقال والمقام لا يسعان ولا يتسعان، وإن الشواهد على أرض غزة لكفيلة ببرهنة شواهد الدور القطري الداعم والمعمر لقطاع غزة. وتعيدني الذاكرة هنا لسؤال كنت ناقشته مع مجموعة أصدقاء في العام 2005 وكان السؤال، ماذا لو لم تكن لقناة الجزيرة مكاتب ومراسلون في فلسطين؟ وأذكر صديقاً عزيزاً طرح سؤالاً بصيغة أخرى، وقال تصور لو كانت قناة الجزيرة موجودة أيام النكبة، هل كانت إسرائيل تجرؤ على القيام بما قامت به من مجازر؟ وما زلت أطرح نفس السؤال، وأقول لو لم يكن لقطر دور تجاه فلسطين إلا قناة الجزيرة لكفاها وكفانا وأعفاها من السؤال الفلسطيني المزمن ماذا قدم لنا العرب؟
تحريض ووصاية
يرى عميدور أنه من اللازم فرض وصاية على قطر ولا يواري إرادته هذه وتبعاتها على إسرائيل فيقول "إذا نجح المسعى السّني تجاه قطر – أي إذا جمدت علاقتها مع إيران، وكفت عن دعم الإخوان المسلمين (وربما حماس أيضاً)، وفرضت قيوداً متشددة على الجزيرة وتوقفت عن استقبال محافل متطرفة في العالم السّني – فستكون هذه خطوة هامة للغاية في بناء معسكر سني متناغم، يمكن تجنيده معاً في الصراع، احتواء إيران في المنطقة. إن بناء قيادة فاعلة للعالم السني يمكن أن تقود الى تغيير هام في الشرق الأوسط. وسيتعين على إسرائيل أيضاً، اعتياد العمل مع هذا الجسم. ومع ذلك، بسبب حقيقة أن أعداء إسرائيل هم أيضاً أعداء الدول التي يتشكل منها هذا التحالف، ثمة فرصة حقيقية هنا من ناحية إسرائيل، ويمكن تطوير ما تم عمله مع الدول القليلة في هذه المجموعة، حتى الآن".
والسؤال ألا تستطيع إسرائيل التعامل مع مجلس التعاون الخليجي مثلاً؟ ألا تستطيع التعاطي والتعامل مع مبادرة السلام العربية التي قدمتها السعودية منذ قمة بيروت العام 2002؟، إسرائيل لا تريد التعامل مع جسم سني بل تسعى لتفريق وتشتيت أي جسم سني عربي خليجي. ومن لا يدرك ذلك ومن يدفع باتجاه التفرقة والتشرذم العربي والخليجي يقدم لإسرائيل خدمات جليلة جداً سواء علم ذلك أو لم يعلم وسواء كان بقصد أم بغير قصد. ومن يريد الاستزادة فلينظر إلى الاستفادة الإسرائيلية من أزمة الخليج الأولى مطلع التسعينات بين العراق والكويت، والى ماذا أفضت والى أين وصلت تبعاتها وتداعياتها على الكل العربي. ويمكن مراجعة العدد الرابع من مجلة الدراسات الفلسطينية الصادر عام 1990. وقد لخصت رندة شرارة ما يقارب من 12 صفحة عن كيفية استفادة إسرائيل من أزمة الخليج آنذاك.