"ابتسم تبتسم لك الحياة" مبادرة أطلقتها مجموعة من شباب السودان، هدفها تخفيف وطأة الحياة والضغوط اليومية عن المواطنين، واختار لها الشباب ملصقات تعبر عن الابتسامة قاموا بتوزيعها على المواطنين في الطرقات والأماكن العامة ومراكز التسوق وفي الأحياء.
الفكرة انطلقت من بحث جامعي أعده الطالب بكلية الطب، أنس محمد مصدق، حول أطفال التوحد، ركز فيه على البيئة التي تحيط بطفل التوحد وأثرها في عملية الاستشفاء، خاصة في ظل ارتفاع معدلات المرض بالبلاد والذي بلغ عدد المصابين به في آخر إحصائية غير رسمية صدرت في 2008 أكثر من 60 ألف حالة في العاصمة الخرطوم وحدها.
أكثر من ثلاثة ألاف شخص، أغلبهم من الشباب، استهوتهم المبادرة وشاركوا في الحفل الذي أقيم بإحدى الساحات بالعاصمة السودانية مؤخرا، وحرص كل منهم على وضع ملصق يحوي رمزا مبتسما في مكان بارز على ملابسهم، تعبيرا عن اليوم السوداني "للابتسامة".
وتحت ذلك المعنى طرحت المبادرة مسابقة عبر صفحتها على موقع "فيسبوك" لاختيار صاحب أو صاحبة أجمل ابتسامة تفاعل معها جمهور الموقع، وفازت بها طفلة في الثالثة من عمرها وكرمت أثناء الحفل.
وقال أنس محمد مصدق صاحب الفكرة لـ"العربي الجديد: "إن الهدف منها التخفيف عن الشارع السوداني الذي بدأ الهم والحزن والكآبة تتسلل إليه شيئا فشيئا، إلى أن أصبحت خلال الفترة الأخيرة سمة بارزة في الشعب السوداني بسبب ضغوطات ومشاغل الحياة"، وأضاف "الواحد يطلع من البيت وكل تفكيره في هموم العيش اليومي، ومع قلة الحيلة يتجهم وجهه، ومع تراكمها قد ينفجر فيمن حوله، ويحول أقل سوء فهم لمشكلة كبيرة".
ويؤكد مصدق أن الفكرة راودته خلال البحث الذي يعده حاليا للتخرج من كلية الطب، والخاص بأطفال التوحد وأهمية توفير بيئة مجتمعية مرحة ومتناغمة لعلاجهم بصورة أسرع وأفضل من العقاقير.
ويشير إلى أنه تناقش في الفكرة مع عدد من أصدقائه لاختيار "يوم للابتسامة" بالبلاد، ويقول إنه في البداية وجد سخرية ممن حوله، إذ رأى البعض في الفكرة سذاجة في ظل المعاناة المعيشية التي يعانيها المواطن في المواصلات وفي العمل والسوق.
ويؤكد أن البعض نصحه أن يوجه جهده لعمل حقيقي يقود لنتائج ملموسة على الأرض، باعتبار أنه لن يجد من يسانده لكن ذلك لم يثنه عن فكرته، إلى أن وجد من أيده وعمل معه على تنفيذها لتتحول من حلم إلى حقيقة.
مواقف وطرائف عدة واجهت المجموعة الشبابية الخاصة بمبادرة "ابتسم" عند بدء توزيعها للملصقات التي تدعو المواطنين للابتسام في الطرقات والأماكن العامة والمحال التجارية والمطاعم ومراكز التسوق المختلفة.
ويروي مصدق "أن هناك من ظن أنهم يتسولون بالملصقات، وما إن يتم توقيف أحدهم وقبل أن يسلم الملصق يأتيهم الرد: "الله يعطيني ويعطيكم"، ويذكر أنه استهدف رجلا في العقد الثاني من عمره جلس وحيدا عند شارع النيل واضعا يده على خده شاردا تماما ومنقطعا عن العالم من حوله، فما إن دفع له الشباب بالملصق وشرحوا مبادرتهم، حتى سألهم: هل أنتم ملائكة؟ مؤكدا لهم أنه في تلك اللحظة كان شاردا في هموم الحياة بعد أن غلبته الحيلة ليطالبوه هم بالابتسام".
وذكر أن الحفل الذي أحياه عدد من الفنانين الشباب تم عبر متطوعين ومبادرة شخصية دون أن تكون هناك جهة بعينها تقف خلفه وإنما تم من قبل المقتنعين والمؤيدين للفكرة.
وذكر أنهم بدأوا في التفكير لإنشاء منظمة متطوعة اختاروا لها اسم "شباب غير" أي شباب مختلف، لتبدأ في تنفيذ عدد من النشاطات التي لها علاقة مباشرة بالمواطن البسيط.
عضو المبادرة محمد مصطفى قال إن المبادرة جاءت لرسم ابتسامة على وجوه الشعب السوداني الذي يعاني من ضغوط كثيرة، ويضيف "نحن مجرد شباب عادي ولم نتلق أي دعم من أي جهة وما تم كان بمجهودات شبابية"، قاطعا باستمرار الفعالية سنويا مع ابتكار فعاليات مماثلة.
الجمهور تمايل على أنغام الموسيقى وردد الأغاني مع الفنانين الذين أحيوا الحفل دون أخذ مقابل مادي، وإنما إيمانا بالمبادرة وعلت أصواتهم بالضحك وهم يستمعون لنكات انطلقت من واقع الحياة السودانية أدتها فرق كوميدية سودانية. كما تفاعلوا أكثر مع مسرحية صامتة أداها مجموعة شباب تحكي عن الابتسامة بطريقة درامية لإيصال رسالة مهمة عنوانها "اضرب الهم بالفرح".