من هنا، نظمت مجموعة "مرافقنا تنتفض" نشاطاً رمزياً تحت عنوان "استشارات الشعب النيابية" باعتبار أنّ الشعب هو مصدر السلطات. بدأت الاستشارات من ساحة التلّ، حيث جلس أحد الشبان على كرسي واضعاً قناعاً أبيض على وجهه متخذاً دور رئيس الجمهورية ميشال عون، فيما وقف إلى جانبه شاب آخر ألصق على قميصه عبارة "فخامة الصهر"، في دلالة واضحة إلى صهر الرئيس عون، وزير الخارجية في الحكومة المستقيلة جبران باسيل.
أمّا الممثلون عن الشعب، فجلسوا على الأرض حاملين لافتات تعبّر عن مطالب الناس ومنها حق المرأة اللبنانية بإعطاء جنسيتها لأولادها، إلزامية ومجانية التعليم، خفض فاتورة الخلوي وغيرها من المطالب.
وسط زحمة ساحة التل، بين الباعة والسيارات وزوّار الحديقة العامة، ساد صمت مطبق بين الرئيس وصهره، وممثلي الشعب. لكن النشاط الذي يعتمد على عنصر المفاجأة سرعان ما استحوذ على اهتمام المارّة، فراحوا يتحلّقون حولهم ليستفسروا أكثر عنه. ولمّا عرفوا أنّ "الرئيس" حاضر بينهم وأنه من الممكن توجيه رسالة إلى الشاب الذي يمثله، كثر عدد الذين أمسكوا بمكبّر الصوت ووقفوا أمام الرئيس، فيما حافظ هذا الأخير على صمته.
على الرغم من معرفتهم أنّ هذه الرسائل لن تصل إلى مسمع الرئيس أو صهره، إلا أنّهم عبّروا عمّا بداخلهم بانفعال عميق مستخدمين صيغة المخاطب. وقف رجل مسّن أمام الرئيس، الذي حافظ على صمت ثقيل طيلة الوقت، أحكم قبضته على عصاه وحمل مكبّر الصوت بيده الثانية. كان صوته يرتجف في بعض الأحيان، خاصة عندما يأتي على ذكر حق المواطنين بضمان الشيخوخة. لكن مطالب الرجل المسنّ لم تكن شخصية فحسب، بل طالب بعودة طرابلس إلى ما كانت عليه في السابق، أي مدينة الفيحاء التي تفوح فيها رائحة زهر الليمون.
لدى أهالي طرابلس الكثير ليقولوه لرئيس جمهوريّتهم. ومع ذلك، رفض أحد المواطنين توجيه كلامه للرئيس، فأدار له ظهره وفضّل التحدث مع الشباب والصبايا الذين يمثلون الشعب، معتبراً أنّ "لبنان لا رئيس له لأن رئيس البلاد يشعر بآلام الناس ويسعى لتحسين أوضاعهم".
وأضاف متوجهاً إلى الجيل الجديد: "التغيير يبدأ معكم وليس مع السلطة، أنتم من أعاد لنا الأمل بهذه البلاد وليست السلطة". ثم تحدّث مطولاً عن معاناته ومعاناة أهله وعائلته، قبل أن يلقي نظرة إلى اللافتات المرفوعة من قبل الشباب ليختم قائلاً: "نحن لا ينقصنا شيء أكثر من الكرامة، فلنستعد كرامتنا المسلوبة قبل أي شيء أخر".
أمّا الرئيس فظلّ صامتاً طوال الوقت. وعندما وقف الجميع لينتقلوا إلى إشارة عزمي ومنها إلى دوّار النيني، لم يقف الشاب الذي يلعب دور الرئيس لأن الرئيس، وببساطة، يرفض التخلي عن كرسيه.