حتى العام الماضي، لم تكُن قرية تيفردود (أو ثيفرضوض وفق النطق الأمازيغي)، في أعالي جبال جرجرة، تحظى بشهرة كبيرة، رغم ارتباطها باسمَين بارزَين؛ هما حسين آيت أحمد (1926 - 2015)، المناضل في الثورة الجزائرية والمعارض الذي قضى فيها شطراً من طفولته، كما يروي في مذكّراته "روح الاستقلال: مذكّرات مكافح" (2002)، والمناضل في الحركة الأمازيغية كمال أمزال (1962 - 1982)، الذي وُلد فيها، واغتاله إسلاميّون في "جامعة الجزائر" بدايةَ الثمانينيات، وقد عُدّ "أوّل شهيدٍ للديموقراطية" في الجزائر.
ستكتسب القرية الأمازيغية الصغيرة، الواقعة في تيزي وزّو شرق الجزائر العاصمة، شهرةً إعلامية بعد فوزها في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي بلقب أنظف قريةٍ في المحافظة. لكن ما لفت الأنظار إليها أيضاً، إضافةً إلى نظافتها وجمالها، هو اعتمادها نظاماً اجتماعياً دقيقاً في تسيير شأنها العام، مكّنها من إنجاز العديد من المنشآت الثقافية والاجتماعية وتنظيم الحياة العامّة بشكلٍ محكَم، من دون انتظار تدخّلٍ من الجهات الرسمية.
هذا العام، اختيرت ثيفرضوض لاحتضان الدورة الخامسة عشرة من تظاهرة "احكِ فنّاً"، وهي تظاهرة ثقافية مستقلّةٌ أسّسها المجتمع المدني في المنطقة، ويجري تنظيمها كلّ عامٍ في قريةٍ مختلفة.
نُظّمت التظاهرة بين 16 و26 تمّوز/ يوليو الماضي، بحضور قرابة 500 مشاركٍ من الجزائر والكونغو وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وروسيا، وتضمّنت عشراتٍ من الفعاليات الثقافية التي توزّعت بين العروض السينمائية والمسرحية والندوات الفكرية والأدبية والورشات التدريبية.
ما يلفت في التظاهرة، التي تأسّست في 2003، هو نجاحُها في الخروج بالثقافة إلى الشارع، والإقبال الكبير عليها من الجمهور الذي يُصبح فاعلاً رئيسياً يُشارك في صنع تفاصيلها، وتحوُّلها إلى موعدٍ سنوي يستقطب مئات السيّاح من داخل البلاد وخارجها.
ولا شكّ في أن نجاح التظاهرة، التي تُنظَّم بإمكانيات المجتمع المحلّي وإمكاناته الخاصّة، من دون أيّ تمويلٍ رسمي، تطرح التساؤل حول جدوى المهرجانات الرسمية التي تستهلك موارد كبيرة من الخزينة العمومية "دون أن تُقدّم شيئاً" على حدّ تعبير وزير الثقافة عز الدين ميهوبي؛ إذ يشكو عددٌ غير قليلٍ منها من ضعف الإقبال عليه، فضلاً عن المشاكل التقليدية المتعلّقة بسوء التنظيم وضعف المحتوى. فأين يكمن الخلل؟
يُجيب متابعون بالقول إن المهرجانات الرسمية التي ارتفع عددها في عهد وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي (2002 - 2014) من ثلاثين إلى قرابة مئتي مهرجان، ثمّ عادت لتنخفض إلى النصف في 2015، لم تكُن سوى واجهاتٍ لصرف الميزانيات المرصودة للوزارة.
برأي الكاتب والمسرحي احميدة عيّاشي، فإن التظاهرة، التي ينظّمها فنّانون وناشطون ثقافيّون، ساهمت خلال 15 عاماً في خلق مشهدٍ فنّي وإنساني والدفاع عن القيم الجمالية وتحويلها إلى سلوكيات يومية، مُرجعاً هذا النجاح إلى كونها "مبادرة حقيقية تبنّاها المجتمع المدني المحلّي؛ حيث يتطوّع مواطنو القرية لتمويلها، كما تُسنَد إدارتها إلى مبدعين ذوي تجربة وبارزين في مجالاتهم".
يضيف في حديثه إلى "العربي الجديد": "خروج التظاهرة عن مجال التسلّط البيروقراطي وعن الدوائر التقليدية للشلليات الثقافية ووضع الثقافة في أحضان الشارع أسهم في نجاحها، على العكس من التظاهرات الحكومية التي تُنفَق عليها أموال طائلة لكنها تبقى دون صدى أو مصداقية".