بلباسٍ عسكريٍ داخل استوديو تتصدرهُ صورةٌ لرئيس النظام السوري بشار الأسد، ووسط أجواءِ رقصٍ وصخب، يُغني شخص يدعى جمال العساف، موجهاً نداءهُ للأسد، وجيش النظام، وسهيل الحسن، قائلاً "واصل قصفك على إدلب ليل مع نهار.. حتى نطهّر بلدنا من هالكفار. واصل قصفك على إدلب دخيل ربك.. سهيل الحسن يا نمر قلبي يحبك (..) كّتّرْ براميل".
نشرَ من يُسمي نفسه "مطرب الجيش"، جمال العساف، هذه الأغنية واسمها "احرق إدلب"، في قناته على "يوتيوب"، بداية يونيو/حزيران الجاري، بالتزامن مع واحدةٍ من أشرس حملات القصف لقوات النظام وروسيا على إدلب وحماة ومحيطهما. وقد أوقعت مئات القتلى والجرحى، وشرّدت، حسب الأمم المتحدة، نحو ربع مليون مدني، منذ بدايتها نهاية إبريل/نيسان الماضي. كلمات الأغنية تبدو مشحونةً بمزيجٍ من الكراهية والتحريض على القتل، وعدم الرحمة، والتلذذِ بالحرق والدماء والدمار. إذ يوجهُ العساف، وهو مؤلف ومغني الكلمات، حديثه لمن في إدلب "ما عاد تنفع معاكم هدنة ورحمة.. إلا نحرقهم حرق متل الفحمة"، مُبدياً شماتةً فيمن هُجروا من أرياف دمشق وحمص ودرعا "ما عاد ينفع معاكم باص الأخضر.. جهزنا أحلى تركس لونه أصفر".
هذه الأغنية ليست الوحيدة لـ"مطرب الجيش"، وهو نفسه صاحب أغنية "اقصف يا جيش السوري على الغوطة الشرقية". إذ كان احتفل على طريقته ببدء المجازر في إدلب، وأطلق مع تصاعد القصف الجوي والمدفعي المكثف، يوم الحادي عشر من مايو/أيار 2019، أغنية بعنوان "جاري القصف على إدلب"، يقول فيها "ما ضَلْ طلعة بالباصات، غيّرنا هالالوانِ.. عنا تركس أصفر، على جهنم والجبانة (أي المقبرة).. جاري القصف على ادلب بالمدفع والطيارة.. مَشّطْ يا جيش السوري كل منطقة وكل حارة".
بلغت مشاهدات هذه الأغنية، بعد أيامٍ من نشرها، على يوتيوب فقط، أكثر من 150 ألفاً، وشارك نشرها موالون للنظام السوري، في مواقع التواصل الاجتماعي، وحصدت منهم آلاف المشاهدات والإعجابات في "فيسبوك" وحده.
يُذكر أنّ العساف لهُ مشهد مصور قديم في يوتيوب، كان يظهر فيه بين مجموعة مقاتلين لنظام الأسد، بينما كان يغني ضد وسائل إعلام النظام ويُردد "عاشت ثورة سورية ويسقط بشار"؛ لكنه بعد بدء إطلاقه أغاني بالاتجاه المعاكس، زعم أن الفيديو تم تصويره بينما كان مخطوفاً.
بالتوازي، كان حيدرة سليمان، وهو ابن بهجت سليمان، أحد أكبر ضباط المخابرات سابقاً، وآخر سفراء سورية في الأردن، يكتب على حسابه في "فيسبوك"، يوم الثامن من مايو/أيار الماضي: "إدلب تحترق.. لرجلي.. انشالله ما بيضل فيها كلب ارهابي عايش، ولا حجر فوق حجر، ولا عشب ولا شجر"، مُطالباً مُتابعيهِ، وهو الذي يُشرف على عمل صحافيين وصحافيات باعتباره رئيس تحرير صحف في سورية مثل "بلدنا نيوز"، بأن لا يبدوا أي تعاطف لنزيف الدماء: "التعليقات الانسانية خلوها لصفحاتكن هون ما خرج تكتبوها ويلي متضايق بكل سهولة يحظرني".
وحيدرة هذا، يُعرّفُ نفسهُ كمدير الاتصالات في "المجموعة المتحدة للنشر والإعلان والتسويق"، ومقرها في دمشق، وتصدرُ عنها صحفٌ وورقياتٌ متنوعة بين السياسي والاجتماعي والفني والإعلاني وغير ذلك. ليست هذه الأغاني أو المنشورات الوحيدة، في هذا السياق، ولكنها نماذج مما يتم تداوله بين بعض حاضنة النظام الشعبية، بالتزامن مع المجازر في شمال غربي سورية، والمستمرة منذ أواخر إبريل/نيسان الماضي حتى اليوم.
لكن ماذا عن الإعلام الرسمي؟ لا يبثُ هذا الإعلام الأغاني المذكورة أعلاه، ولا مثيلاتها من التي أطلقها فنانونَ موالون للنظام، مثل بهاء اليوسف، الذي تَغنّى في حفلةٍ راقصة سنة 2016 بقصف الطيران "نحن منضرب بالطيران.. حيو روسيا وايران"؛ لكن إعلام النظام الرسمي في نفس الوقت يجتهد في تغطيته الإخبارية، على إخفاء أي مشاهد للقتلى المدنيين على الجانب الآخر، مع ضخٍ لعشرات التقارير ومداخلات ضيوفٍ ينتقيهم بعناية، لإظهار محتوى يقول التالي: كل ما يروج عن قتلى مدنيين غير صحيح.. الجيش يواصل انتصاراته فقط.
وفيما لا يفوت هذا الإعلام أيضاً الرد على وسائل الإعلام التي يسميها بـ"قنوات الفتنة"، و"الشريكة في سفك الدم السوري"، لكونها تنقل مشاهد المجازر والمآسي الإنسانية التي يعيشها آلاف السوريين الذين لا يحظون بأي خبرٍ في إعلام سورية الرسمي عن نكبتهم، فإن أخباره وتقاريره تتوجه أحياناً إلى لاوعي الجمهور، عبر ربط كل ما يجري في إدلب بـ"الإرهاب". وبالتالي، فإن العمليات العسكرية، هدفها "دحر الإرهاب" الذي يربطه النظام دائماً بكل ما له علاقة بالثورة، وهو ما كان حصل كذلك في التغطيات الإخبارية لإعلام النظام الرسمي، خلال العمليات العسكرية الكبرى، التي عادة تخلف مئات الضحايا، مثل الهجوم على الغوطة الشرقية في الربع الأول من سنة 2018، حيث كانت وسائل الإعلام هذه تنقل مطالبات مدنيين حاورتهم، بـ"ضرورة الحسم والضرب بيد من حديد".
وإذا كان عدد الضحايا المدنيين كبيراً، ووصل إلى المئات حالياً في إدلب ومحيطها، ومئات الآلاف خلال السنوات القليلة الماضية في مختلف المناطق السورية، فإن ذلك لا يبدو مؤثراً في مُعدّي المحتوى الإخباري في وسائل إعلام النظام، الذي قال رئيسه في كلمةٍ له يوم 23 إبريل/نيسان 2014، إن في سورية: "عشرات الآلاف من الإرهابيين السوريين.. أتحدث هنا عن الإرهابيين السوريين، وعندما نتحدث عن عشرات الآلاف من الإرهابيين فيعني أن خلف هؤلاء حاضنة اجتماعية"، مُقدراً عدد أفراد هذه الحاضنة بـ"مئات الآلاف وربما الملايين".
وتؤكد جولةٌ معمقة في كبرى صحف النظام الرسمية "البعث، تشرين، الثورة"؛ وغير الرسمية وعلى رأسها "الوطن"، غياب أي خبرٍ عن ضحايا مدنيين في إدلب ومحيطها، وأن القوات العسكرية تواصل انتصاراتها على من لا يفتوها دائماً تسميتهم بـ"الإرهابيين"، وهي الصفة التي يطلقها النظام السوري على الفصائل العسكرية بمختلف توجهاتها في إدلب ومحيطها.
وصفة "الإرهاب" ليست محصورةً في الفصائل العسكرية، إذ تنسحب الصفة على المجموعات الإغاثية و"الدفاع المدني السوري"، الذي تجتهد وسائل إعلام النظام لشيطنته، وتستبق غالباً اسم "الخوذ البيضاء" بوصف "الإرهابيين".
هذه الأغنية ليست الوحيدة لـ"مطرب الجيش"، وهو نفسه صاحب أغنية "اقصف يا جيش السوري على الغوطة الشرقية". إذ كان احتفل على طريقته ببدء المجازر في إدلب، وأطلق مع تصاعد القصف الجوي والمدفعي المكثف، يوم الحادي عشر من مايو/أيار 2019، أغنية بعنوان "جاري القصف على إدلب"، يقول فيها "ما ضَلْ طلعة بالباصات، غيّرنا هالالوانِ.. عنا تركس أصفر، على جهنم والجبانة (أي المقبرة).. جاري القصف على ادلب بالمدفع والطيارة.. مَشّطْ يا جيش السوري كل منطقة وكل حارة".
بلغت مشاهدات هذه الأغنية، بعد أيامٍ من نشرها، على يوتيوب فقط، أكثر من 150 ألفاً، وشارك نشرها موالون للنظام السوري، في مواقع التواصل الاجتماعي، وحصدت منهم آلاف المشاهدات والإعجابات في "فيسبوك" وحده.
يُذكر أنّ العساف لهُ مشهد مصور قديم في يوتيوب، كان يظهر فيه بين مجموعة مقاتلين لنظام الأسد، بينما كان يغني ضد وسائل إعلام النظام ويُردد "عاشت ثورة سورية ويسقط بشار"؛ لكنه بعد بدء إطلاقه أغاني بالاتجاه المعاكس، زعم أن الفيديو تم تصويره بينما كان مخطوفاً.
بالتوازي، كان حيدرة سليمان، وهو ابن بهجت سليمان، أحد أكبر ضباط المخابرات سابقاً، وآخر سفراء سورية في الأردن، يكتب على حسابه في "فيسبوك"، يوم الثامن من مايو/أيار الماضي: "إدلب تحترق.. لرجلي.. انشالله ما بيضل فيها كلب ارهابي عايش، ولا حجر فوق حجر، ولا عشب ولا شجر"، مُطالباً مُتابعيهِ، وهو الذي يُشرف على عمل صحافيين وصحافيات باعتباره رئيس تحرير صحف في سورية مثل "بلدنا نيوز"، بأن لا يبدوا أي تعاطف لنزيف الدماء: "التعليقات الانسانية خلوها لصفحاتكن هون ما خرج تكتبوها ويلي متضايق بكل سهولة يحظرني".
Facebook Post |
وحيدرة هذا، يُعرّفُ نفسهُ كمدير الاتصالات في "المجموعة المتحدة للنشر والإعلان والتسويق"، ومقرها في دمشق، وتصدرُ عنها صحفٌ وورقياتٌ متنوعة بين السياسي والاجتماعي والفني والإعلاني وغير ذلك. ليست هذه الأغاني أو المنشورات الوحيدة، في هذا السياق، ولكنها نماذج مما يتم تداوله بين بعض حاضنة النظام الشعبية، بالتزامن مع المجازر في شمال غربي سورية، والمستمرة منذ أواخر إبريل/نيسان الماضي حتى اليوم.
لكن ماذا عن الإعلام الرسمي؟ لا يبثُ هذا الإعلام الأغاني المذكورة أعلاه، ولا مثيلاتها من التي أطلقها فنانونَ موالون للنظام، مثل بهاء اليوسف، الذي تَغنّى في حفلةٍ راقصة سنة 2016 بقصف الطيران "نحن منضرب بالطيران.. حيو روسيا وايران"؛ لكن إعلام النظام الرسمي في نفس الوقت يجتهد في تغطيته الإخبارية، على إخفاء أي مشاهد للقتلى المدنيين على الجانب الآخر، مع ضخٍ لعشرات التقارير ومداخلات ضيوفٍ ينتقيهم بعناية، لإظهار محتوى يقول التالي: كل ما يروج عن قتلى مدنيين غير صحيح.. الجيش يواصل انتصاراته فقط.
وفيما لا يفوت هذا الإعلام أيضاً الرد على وسائل الإعلام التي يسميها بـ"قنوات الفتنة"، و"الشريكة في سفك الدم السوري"، لكونها تنقل مشاهد المجازر والمآسي الإنسانية التي يعيشها آلاف السوريين الذين لا يحظون بأي خبرٍ في إعلام سورية الرسمي عن نكبتهم، فإن أخباره وتقاريره تتوجه أحياناً إلى لاوعي الجمهور، عبر ربط كل ما يجري في إدلب بـ"الإرهاب". وبالتالي، فإن العمليات العسكرية، هدفها "دحر الإرهاب" الذي يربطه النظام دائماً بكل ما له علاقة بالثورة، وهو ما كان حصل كذلك في التغطيات الإخبارية لإعلام النظام الرسمي، خلال العمليات العسكرية الكبرى، التي عادة تخلف مئات الضحايا، مثل الهجوم على الغوطة الشرقية في الربع الأول من سنة 2018، حيث كانت وسائل الإعلام هذه تنقل مطالبات مدنيين حاورتهم، بـ"ضرورة الحسم والضرب بيد من حديد".
وإذا كان عدد الضحايا المدنيين كبيراً، ووصل إلى المئات حالياً في إدلب ومحيطها، ومئات الآلاف خلال السنوات القليلة الماضية في مختلف المناطق السورية، فإن ذلك لا يبدو مؤثراً في مُعدّي المحتوى الإخباري في وسائل إعلام النظام، الذي قال رئيسه في كلمةٍ له يوم 23 إبريل/نيسان 2014، إن في سورية: "عشرات الآلاف من الإرهابيين السوريين.. أتحدث هنا عن الإرهابيين السوريين، وعندما نتحدث عن عشرات الآلاف من الإرهابيين فيعني أن خلف هؤلاء حاضنة اجتماعية"، مُقدراً عدد أفراد هذه الحاضنة بـ"مئات الآلاف وربما الملايين".
وتؤكد جولةٌ معمقة في كبرى صحف النظام الرسمية "البعث، تشرين، الثورة"؛ وغير الرسمية وعلى رأسها "الوطن"، غياب أي خبرٍ عن ضحايا مدنيين في إدلب ومحيطها، وأن القوات العسكرية تواصل انتصاراتها على من لا يفتوها دائماً تسميتهم بـ"الإرهابيين"، وهي الصفة التي يطلقها النظام السوري على الفصائل العسكرية بمختلف توجهاتها في إدلب ومحيطها.
وصفة "الإرهاب" ليست محصورةً في الفصائل العسكرية، إذ تنسحب الصفة على المجموعات الإغاثية و"الدفاع المدني السوري"، الذي تجتهد وسائل إعلام النظام لشيطنته، وتستبق غالباً اسم "الخوذ البيضاء" بوصف "الإرهابيين".