في ظل امتناع الشخصيات المدعوة من "ائتلاف قوى الثورة والمعارضة" والمحسوبين عليه عن الحضور إلى موسكو، اجتمعت في اليوم الأول من لقاء موسكو التشاوري شخصيات معارضة سورية تنتمي لاتجاهات وتنظيمات سياسية مختلفة تعمل سياسياً في الداخل السوري (هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، جبهة التغيير والتحرير، هيئة العمل الوطني، منبر النداء الديمقراطي، مجلس العشائر، ومنظمات مجتمع مدني)، ولكنها دعيت بصورة شخصية وغير تمثيلية.
قامت جهة ما في موسكو بانتقاء الأسماء، كما قيل، بالتنسيق مع قدري جميل، وهو نائب رئيس مجلس الوزراء السوري سابقا ورئيس جبهة التغيير والتحرير حاليا، ومقيم في موسكو منذ انسحابه من الحكومة.
في اليوم الأول من أعمال اللقاء، الذي سيستمر ثلاثة أيام، عقدت جلستا عمل تحدث فيها جميع الذين لبوا دعوة موسكو. وسوف ينضم إلى الاجتماعات في اليوم الثالث وفد النظام، برئاسة ممثل سورية الدائم في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، وعضوية نائب وزير الخارجية، أحمد عرنوس، وسفير سورية في موسكو، رياض حداد. جرى الاجتماعان في استراحة تابعة لوزارة الخارجية الروسية، وأدارهما مدير معهد الاستشراق في موسكو، فيتالي نعومكين، وتم تأكيد أن الطرف الروسي لم يتدخل مطلقاً في مجريات الاجتماعين أو توجيه النقاشات.
كان مفاجئاً للبعض وجود أشخاص تمت دعوتهم بوصفهم معارضين فتبين أنهم أكثر تشدداً من النظام حيال الموقف من الحراك الشعبي عموماً، ومن فكرة أداء النظام وأساليبه العنفية. وتم الحديث عن أن الحاضرين من "مجلس قيادة العشائر" فاجأوا الجميع في تشددهم حيال الثورة، والدعوة إلى الوقوف مع النظام في مواجهة الإرهاب، أكثر من أكثر المتساهلين مع النظام وأشدهم قبولاً لصيغ من التعاون معه، وأخذ على بعض آخر عدم تبنيهم موقفاً واضحاً.
إلى ذلك، ساد جو من عدم الثقة بين بعض الأطراف الحاضرة، وأثيرت تساؤلات عن الجهات التي تمثلها، هل النظام أم الشعب وحقوقه؟
وبصورة مغايرة لما سبق ونقله أحد المشاركين، لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، أكد أمين سر "هيئة التنسيق" في المهجر، ماجد حبو، أن الأجواء كانت إيجابية، على الرغم من محاولة البعض جر الاجتماع في منحى مكافحة الإرهاب وإهمال حقوق السوريين المدنية والسياسية. وأكد حبو أن التركيز تم في اليوم الأول على مسائل إنسانية، تعنى بحياة الإنسان السوري (تقديم المساعدات الإنسانية، إعادة المهجرين والنازحين، الإفراج عن المعتقلين والمخطوفين، التوقف عن ضرب البراميل على المدنيين، وإخراج المدنيين عموما من دائرة الصراع)، وهذه الأشياء تقع في دائرة مسؤولية النظام. كما أكد حبو أنه تم التركيز على دعوة المجتمع الدولي إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية، التي تنعكس على حياة المواطن السوري ولا تضر بالمسؤولين أو النظام عموماً. وأفاد بأن "الورقة التي نطمح إلى تقديمها للنظام، هي إجراءات ثقة، وأما ما يتعلق بالملف السياسي فيحل في إطار مرجعية جنيف، وأما التباين في تفسيرات بيان جنيف فمتروك للحوار بين المعارضة، للوصول إلى فهم يتم التفاوض عليه". كما أكد حبو أن مناقشات اليوم الأول أكدت ضرورة تلازم مسارين، هما: مكافحة الإرهاب والتغيير الديمقراطي، مع التأكيد على ثوابت وحدة الأرض السورية ووقف التدخل الخارجي، ووقف العنف ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل من أجل تجفيف مصادر تمويل الجماعات الإرهابية العاملة في سورية.
وعند سؤاله عما قيل عن محاولة البعض جر اللقاء لخدمة النظام، أفاد بأن البعض من خلال وحشية تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وخطر تمدده، يريد إهمال كل شيء آخر، فيقول طالما أن السلطة تقاتل "داعش" فعلينا دعمها.
وعما إذا كانت آلية العمل تسمح بالوصول إلى توافقات، أفاد بأن هناك من يسجل النقاط والمطالب المشتركة لتقديمها للنظام في اليوم الثالث.
وأوضح خوجة في تصريح صحافي أنه "يتوجب أن تتابع عملية التفاوض السياسية بين المعارضة والنظام برعاية الأمم المتحدة في دولة محايدة وتحت مظلة الشرعية الدولية"، مشيراً إلى أن "الإطار التفاوضي هو آليات تنفيذ بيان جنيف وقرارات مجلس الأمن المعنية، وأن التفاوض مع النظام يجب أن يكون استمراراً لمؤتمر جنيف 2، وهذا ما احتوته المادة 17 من قرار مجلس الأمن رقم 2118، ومتابعة هذه المفاوضات من حيث انتهت وليس العودة إلى الصفر".
ولفت إلى أن "الحوار الوطني السوري وفق ما نص عليه بيان جنيف يجري بعد التوصل إلى اتفاق تسوية سياسية، تبدأ بموجبه المرحلة الانتقالية، بخطوة أولى وهي إقامة هيئة حكم انتقالية، وأن تمارس كامل السلطات التنفيذية، وتكون مهمتها الأساسية تهيئة بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية، التي تبدأ بالحوار الوطني، وهذا ما نصت عليه (الفقرة 9 ــ أ، والفقرة 9 ــ ب) من بيان جنيف والمادة 16 من قرار مجلس الأمن رقم 2118".
وشدد خوجة على "دعم الائتلاف للحل السياسي في سورية، حيث كان الائتلاف قد حدد مسودة وثيقة للتسوية السياسية ترسم خارطة طريق للحل السياسي في سورية، وتتكون من 13 بنداً لتحقيق مطالب الثورة بتنحية بشار الأسد عن السلطة، وإجراء تغيير جذري في النظام السياسي للوصول لدولة مدنية تعددية"، داعياً إلى "دعم عملية الحوار السوري ــ السوري بين أطراف المعارضة، والتي بدأها الائتلاف منذ فترة وقطعت شوطاً كبيراً، وجرت بعض من هذه اللقاءات في دول منها تركيا ومصر وبعض الدول الأوروبية، وما زالت مستمرة وبجهود ورغبة من جميع الأطراف".
وكان الائتلاف قد أعلن مقاطعة اللقاء، الذي يدور في موسكو، بينما تركت "هيئة التنسيق الوطنية"، التي تُعدّ من معارضة الداخل، الحريّة أمام المدعوين منها، للمشاركة أو المقاطعة، من دون أن تتحمّل، كهيئة سياسيّة، تبعات مواقفهم.
وأوضح عضو "هيئة التنسيق"، منذر خدام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "بعض أعضاء الهيئة، مثل صفوان عكاش وعبد المجيد حمو، سافرا من القاهرة إلى موسكو للمشاركة في هذه اللقاءات، لكن لم يتمّ تأكيد سفر جميع المدعوين من الهيئة".
ولا تتوقّع الهيئة، وفق خدام، "كثيراً من لقاء موسكو، وخصوصاً أنّ النظام خفّض من مستوى وفده"، معتبراً أنّه "بعد هذا اللقاء، صار بالإمكان سحب ذريعة عدم وجود شريك، والتي كان يتذرّع بها النظام السوري سابقاً ويسوّقها لدى أنصاره".