"ابق حياً"

01 نوفمبر 2018
+ الخط -
رواية "ابق حياً" للكاتب المصري إبراهيم أحمد عيسى الأولى رواية تاريخية من أكثر أنواع الروايات رقيا، فهي تسمو بمضمونها لتحقق غاية نبيلة مفادها: لا منقذ إلا إنسانيتك واعتقادك الصحيح، وقد حاولت إحياء وبعث ماضٍ تليد عسانا من خلاله نقرأ الحاضر والمستقبل، فقد تناول الكاتب عبر شخصيات روايته عرض مكامن التفكير الإنساني، وطموحه، وهنات النفس الإنسانية ومطباتها بفعل المؤثرات الخارجية.

جاءت الرواية عبر صفحاتها الـ 266 سردا قويا لما جال في القرن الحادي عشر الميلادي، أثناء حكم الدولة الفاطمية في القاهرة، أو لنقل فترة انهيار تلك الدولة، ومظاهر ذلك الانهيار المر، وأسبابه.

حسن الدمشقي ذلك الشاب القوي الذي جاء مصر ناشدا العلم في جوامع الفسطاط والقطائع، يدون لنا بقلمه الأحداث التي واجهته، والتي حرفت مسار الرحلة بطريقة مؤلمة، لتحوله من طال العلم، إلى طالب العدل، بعد مرارة الوقائع التي مرت به شخصيا، والتي كانت انعكاسا لواقع أكبر، ونقصد بذلك واقع مصر في ظل ذلك الحكم البائد الذي عانى منه الشعب الأمرّين.


انتقل الكاتب من ظرف شخصي إلى ظرف عام لا يخلو من المبالغة حينا، والسوداوية التي جاءت كنتيجة منطقية لما جرى أمامه.

انهيار الثقة، والخيانات المتكررة والسعي الدؤوب للوصول إلى الحقيقة والقبض على مكنوناتها هي أكثر المواقف التي دفعت بحسن للوصول إلى ما أراد، وهو الحق بصورته الواضحة ودون تجميل.

المرحلة الأولى أو لنقل الكتيب الأول الذي تركه معاصر الحدث تجلى بسرد لما قصد به من رحلته، ولقائه بالإمام الشيخ عبد الرحيم وزوجته/ اللذين كانا وحدهما من وعد وصدق وعده مع الشاب الذي انتكس كثيرا في ما بعد بسبب خيانة الأصدقاء الأعداء، الشيخ وزوجته كانا روح الخير الذي انطفأ بسبب مهلكة الفساد والشر.

والكتيب الأول روى الاختلاف بين الفسطاط الهادئة والتي ستعاني في ما بعد الكثير والقاهرة التي سكنها الفاطميون ووزراؤهم الذين جلبوا الشر والانهيار لتلك الدولة، وينتقل الكاتب في الكتيب الثاني لشرح المأساة بكل صورها، أزمة اقتصادية حادة تنتشر بسببها الفظائع من القتل والأوبئة وانتشار الأمراض والمصائب التي كان أقصاها أكل البشر لحم بعضهم نتيجة العوز، إنها شريعة الغاب، وحكم الأقوى، لكن دون أي مظهر من مظاهر الرحمة.

ويحاول الكاتب عبر بطله حسن أن يشرح عمق المعاناة، وممثليها، والذين أخذتهم الدنيا بشر نواياهم وأنانيتهم، وطلب الجاه والمقام والثروة دون أي اعتبارات أخرى.

الصديق الذي غدر بدافع الجوع، وآخر بسبب الطمع، وابنة الوزير التي قتلت والدها ظنا منها أنها تنقذ دولة بأكملها بتلك الجريمة البشعة التي ستوصلها للعيش الرغيد في زمن أكل فيه العامة الفئران والقطط وحتى أنفسهم.

تلك الأحداث التي حولت مسار طالب العلم إلى سجين ثم مقاتل حر عاهد الله وكل من أحب هناك بأن يقاتل الشر ويحاربه برمزية فردية تعيدنا للروايات الكلاسيكية التي ينفرد بها البطل بفك طلاسم الأحداث وتغيير مجراها من ألف الرواية إلى يائها.

وعلى الرغم من الهنات التي وقع فيها قلم الكاتب من مبالغة في الوصف، أو حتى المبالغة في سير الأحداث، إلا أن الرواية تبقى شاهدة على عصر انهيار الدولة الفاطمية من زاوية اجتماعية شخصية تستحق أن تقرأ، وأن تكون في مصاف الروايات التاريخية الاجتماعية التي كتبت أحداث فترة مهمة من تاريخ العرب عموما، ومصر بشكل خاص.

ابق حيا: رواية استطاعت بث روح التمرد الإيجابي الذي يصنعه الفرد بإرادته، وروحه السامقة التي ترفض أن تنكر إنسانيتها. روح السوبرمان التي تحدث عنها نيتشه يوما في كتابه "هكذا تكلم زاردشت"، والتي يعلو بها صاحبه نحو أسمى درجات القوة، رافضا كل ما يؤثر في شخصيته من ضعف، أو تخاذل، حسن الدمشقي كان سوبرمان عصره الذي قاوم الشر بروحه الخير، وبقوة السلاح أيضا، لأن الشر لا يقاوم بكلمات.

إن القوة الحقيقية التي تدور الرواية حولها هي تلك التي تمنح الإنسان إمكانية التغلب على الشر، وليست الأفكار التي تهدف إلى عرقلة زخم الحياة وتكبيل الإنسان بجملة من العوائق التي تجاوزها البطل.

القوة الحقيقية والسلوك الحق هما اللذان يخضعان لواقع الحياة ويخدمان قانونها الأساسي، ونعني بذلك قانون الاستمرار، والنصر الذي هدف إليه الكاتب. والذي كان المركز الذي دارت حوله الرواية من الألف إلى الياء.
دلالات
8208D0E6-2CD2-427A-A70D-51834F423856
يسرى وجيه السعيد

حاصلة على دكتوراه في فلسفة العلم من جامعة دمشق. ومدرسة سابقة، في قسم الفلسفة بجامعة حلب.