"إخوان" الجزائر... جدل الخيارات ومخاض ما قبل المؤتمر العام

16 مارس 2018
يجاهر سلطاني بوجوب التخلي عن خيار المعارضة(فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -

منذ أن قرر مجلس شورى حزب جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر، (حركة مجتمع السلم)، فك الارتباط مع السلطة وعدم المشاركة في الحكومة في يونيو/ حزيران 2012، وقرار المؤتمر العام الذي عقد في تلك السنة نقل الحركة من خندق الموالاة إلى خندق المعارضة، استمر النقاش والجدل داخل صفوف "إخوان" الجزائر عن المآلات السياسية، وحسابات الربح والخسارة بشأن الخيار والنهج الاعتراضي الجديد والخطاب السياسي الحاد الذي واجهت به الحركة السلطة في 2014. لكن هذا الجدل عاد بزخم أكبر قبل أشهر من موعد انعقاد المؤتمر العام للحركة صيف العام 2018.

وبعد خمس سنوات من قرار الخروج من صف السلطة، يناقش "إخوان" الجزائر، في الوقت الحالي، المكاسب السياسية والشعبية التي حققتها الحركة في الاتجاه الذي تبنته منذ 2012، والخسائر المترتبة عن هذا الخيار. ويدافع تيار المعارضة، الذي يمسك بقيادة الحركة، في الوقت الحالي، عن معارضة السلطة، ويعدد منجزاته من حيث استرجاع مصداقية الحركة وسحب يدها من عبث السلطة وتلاعبها، وترك الأخيرة في مواجهة تخمة من إخفاقاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتحقيق إنجاز الوحدة مجدداً مع كتلة جبهة التغيير التي انشقت عن الحركة الأم في العام 2008. وعلى الجهة الثانية، يدافع تيار المشاركة في الائتلاف مع السلطة عن رأيه، وذلك بهدف الحصول على مزيد من الفرص للتغلغل في مفاصل الدولة وتطوير علاقات الحركة مع دوائر الحكم، السياسية والعسكرية والأمنية، وتمكين كوادر الحركة من التدرب على المسؤوليات. ويجاهر هذا التيار باستيائه من الوضع الذي انتهت إليه الحركة بسبب ما يعتبره نجاح قوى المعارضة الضعيفة سياسياً وشعبياً في استدراج "إخوان" الجزائر إلى صفهم والاستقواء بهم.

الرئيس السابق للحركة ووزير الدولة الأسبق، أبو جرة سلطاني، الذي قاد الحركة بين 2003 و2012، أبرز من عاد للمطالبة بحسم خيارات الحركة قبل المؤتمر المقبل في مايو/ أيار المقبل، والخروج مما وصفها بحالة التردّد والخلاف حول الرؤية السياسيّة والخط والخطاب السياسي. لكنه يدعو، في المقابل، إلى مراجعة خيار المعارضة الذي انحازت إليه الحركة منذ 2012. ويقول، في رسالة وجهها إلى كوادر الحركة، وحصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، إنه "منذ خروج الحركة الإرادي من نادي الكبار، تمّت زحزحتنا من ترتيبنا السياسي الذي كنّا عليه مع المحترفين، في القسم الوطني الأول إلى مراتب متأخّرة، ما اضطرنا للعب مع هواة صغار يحملون أحزابهم داخل حقيبة". ويشير إلى أن "الحركة، بين 2004 و2012 ترددت كثيراً بين المشاركة والمغالبة، وبين المعارضة بسقف مرفوع والمهادنة المتجهة صوب المشاركة المشروطة بين 2013 و2018، فلم ترسُ سفينتها على شاطئ الحكم ولا على خليج المعارضة". ويتساءل سلطاني "ما الفرق بين حصاد المعارضة وحصاد المشاركة، وما هو الثمن المدفوع في المرحلتيْن وأيهما أكثر كلفة؟"، مضيفاً أنه حان الوقت لإجراء تقييم موضوعي لمرحلة المشاركة في الحكومة بين 1994 و2012، ومرحلة المعارضة من يونيو/ حزيران 2012 حتى الآن. ويتابع "حان الوقت أن نسمع أجوبة عن هذه الأسئلة قبل الذهاب إلى المؤتمر". ويحذر سلطاني، الذي يقود تيار المشاركة والعودة إلى الائتلاف مع السلطة، من عواقب استمرار "إخوان" الجزائر في حالة التردد السياسي، موضحاً "بعد المؤتمر نجد أنفسنا نواجه أخطاء الماضي".


ويجاهر سلطاني بوضوح بوجوب التخلي عن خيار المعارضة، ويدعو قيادة الحركة إلى الحسم المبكر لموقفها السياسي إزاء الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع 2019. ويقول "أدعو إلى حسم عملي قبل الدّخول في سباق الرئاسة، لأنّه بعد هذا التاريخ يصبح الطريق الوطني باتجاه واحد، فالتحالفات المطلوبة اليوم هي التي تحدد الموقف الرسمي مما بعدها". ويدعو إلى فحص مواقف "إخوان" الجزائر وحسابات الربح والخسارة المتأتية منها، على ضوء أربعة استحقاقات رئاسية أخيرة، دعمت بين أيدينا أربع تجارب ناضجة، هي التحاقنا برئاسيات 1999 واستباقنا لرئاسيات 2004، ودعمنا للعهدة الثالثة في 2009 ومقاطعتنا لاستحقاق 2014، واستباق الوضع وإقرار موقف بشأن الانتخابات الرئاسية، على أساس أنه في السياسة، كما في الحرب، من يحتل الميدان أولاً يملي شروطه على اللاحقين.

لكن تيار المعارضة داخل حركة مجتمع السلم، والذي يقود دفتها منذ 2012 وبتزكية من مؤسسات الحركة، يدرك بوضوح أن هناك عودة قوية لتيار المشاركة والعودة إلى الائتلاف السياسي مع السلطة، والذي يتهم تيار المعارضة بالخروج عن المنهج السياسي والمبادئ العميقة للحركة. وتبحث القيادة الحالية للحركة، التي تناوئ السلطة، عن سياقات توافقية تبعد مفهوم المشاركة عن أن تنحصر بالدخول إلى الحكومة أو دعم مرشح السلطة في الانتخابات الرئاسية. ويعترض القيادي في الحركة، نصر الدين حمدادوش، بشدة على الدعوة للعودة إلى الحكومة والتحالف مع السلطة، معبراً عن اعتقاده بأن الحركة "لا تزال وفية لاستراتيجية المشاركة السياسية، إن كان في الشأن العام والإصلاح والتغيير بالطرق السّلمية والسّياسية، أو عبر المشاركة في الانتخابات، والتواجد في المجالس المنتخبة ومؤسسات الدولة المختلفة، أما المشاركة في الحكومة، أو تواجدنا في المعارضة، فهو موقف ظرفي، يخضع لظروف كل مرحلة". ويعتقد حمدادوش أن الحكومة لا تحمل أي معنى، ما دامت مجرد واجهة إدارية وتنفيذية لطرف حاكم يرفض مشاركة أي طرف في صناعة القرار. ويقول "كيف يطلب منا أن نكون في حكومة بدون صلاحيات، وتتلقى الأوامر بالتعليمات، ومن جهات متعددة، في ظل غموض المنطق القانوني والدستوري والسياسي الذي يحكم الحياة السياسية في البلاد". ويذهب إلى أن "العبث السياسي الذي تدار به البلاد، لا يسمح للحركة بأن تكون ديكوراً وواجهة لشرعية معطوبة، وكبش فداء للسلطة الفاشلة". ويعتبر أنه من "غير المنطقي أن تتواجد بصورة شكلية في الحكومة، بوزراء وبدون برامج توافقية، ولا صلاحيات حقيقية، ولا رؤية سياسية واقتصادية واضحة، وبلا قاعدة سياسية فعلية تفرزها انتخابات ذات مصداقية، ولا يعقل للحركة أن تتحمّل مسؤولية سياسية وضريبة شعبية لتطبيقها برنامجاً وقرارات وخيارات لا دخل لها فيها".

لا تنتهي الخلافات بين التيارين داخل حزب "إخوان" الجزائر في قضية المعارضة أو العودة إلى الائتلاف مع السلطة، ضمن سياق من المخاضات والصراعات التي تسبق المؤتمر العام المقبل، لكن الحسابات السياسية الداخلية، ورهانات كل طرف ومواقفه، تجعل من التفاصيل التنظيمية لعقد المؤتمر جزءاً من الخلافات بين الطرفين، خصوصاً بالنسبة إلى تيار المشاركة، بقيادة أبو جرة سلطاني، الذي يتخوف من سيطرة تيار المعارضة على التفاصيل التمهيدية للمؤتمر ولجنته التنظيمية ولوائحه الداخلية واختيار المندوبين من المحافظات، ما يسهل عليه إدارة دفة المؤتمر لصالحه، وتكريس هيمنته على حركة مجتمع السلم حتى العام 2023. ومع تزايد حدة النقاش الداخلي في صفوف "إخوان" الجزائر، بين تيار المشاركة، بقيادة سلطاني الطامح إلى جر الحركة بعيداً عن أحزاب المعارضة، والدفع بنفسه أو بمن يمثل هذا الخيار إلى قيادة الحركة، وبين تيار المعارضة، الذي يقوده الرئيس الحالي للحركة، عبد الرزاق مقري، والطامح لعهدة قيادية ثانية في المؤتمر، تبدي قيادات أخرى قلقها، إذ أبدى الرئيس الأسبق للحركة، عبد المجيد مناصرة، الذي انشق في 2008 وعاد إلى صفوف الحركة بصورة رسمية في يوليو/ تموز الماضي، قلقه من انحراف الجدل بين قيادات الصف الأول في الحركة بشأن الخيارات السياسية، ومن إمكانية أن تؤدي النقاشات إلى انقسامات داخلية. ويقول إن "الحركة مدعوة لاستيعاب التنوع والاختلاف داخلها". ويمثل مناصرة، الذي ينتهج خطاباً أكثر هدوءاً بحكم شغله قبل سنوات منصب وزير الصناعة، طرفاً ثالثاً يمكن أن يلعب دوراً في تقريب وجهات النظر، وقد يكون واحداً من المآلات القيادية في المؤتمر المقبل.