"أيادٍ لطيفة" تحمي نساء إيران أطفالها

31 مايو 2017
يجب تشجيع النساء المعيلات على العمل (عطا كناري/فرانس برس)
+ الخط -

أكثر من ثلث نساء العالم يتعرّضن للعنف بأنواعه المختلفة وفق منظمة الصحة العالمية، والإيرانيات جزء من هذه المعادلة وإن لم تتوفّر إحصاءات دقيقة في هذا الإطار.

عندما انفصلت فاطمة نوري عن زوجها قبل خمسة أعوام، كان ابنها لا يزال رضيعاً. وقد عرفت أوضاعاً صعبة جداً وكانت تحتاج إلى "أيّ دعم لتأمين قوت يومي". ولأنّها كانت مضطرة إلى الاعتناء بطفلها والبقاء إلى جانبه، تقلّصت خياراتها كثيراً خلال بحثها عن عمل. وفي يوم رأت صدفة إعلاناً يعود إلى مؤسسة خيرية تهتم بالنساء والأطفال ممن يحتاجون إلى المساعدة.

استطاعت مبادرة "أيادٍ لطيفة" أن تقدّم لفاطمة الكثير، ولا سيّما استشارات تدلها على الطريق الصحيح وتساعد في دعمها نفسياً ومعنويا كما تقول. وتخبر فاطمة أنّ "متطوّعين من المؤسسة الصغيرة قصدوا منزلي في ذلك الحين لمعاينته وتفقّد وضعي عن قرب، للتأكد من حاجتي إلى مساعدتهم". وهذا أوّل ما يميّز "أيادٍ لطيفة" بحسب رأيها، أمّا "ثاني المميزات فتتعلق بإصرار المؤسسين على دعم النساء المحتاجات إلى الرعاية عن طريق تعليمهنّ حرفة أو مهنة تجعلهنّ قادرات على الاستغناء عن أزواجهنّ إذا كنّ يعانينَ من التعنيف أو سوء المعاملة، أو إذا أصبحنَ وحيدات في حال وفاة الزوج أو الانفصال عنه. يُضاف إلى ذلك الاعتناء بالأطفال من خلال تخصيص دروس وبرامج لتعليمهم والترفيه عنهم والاعتناء بهم".

الصغيرة فرحة بكرتونة مساعدات أياد لطيفة (العربي الجديد)


يُذكر أنّ فاطمة تابعت دروساً استشارية نفسية أولاً، ومن ثم شاركت في عدد من الدورات التعليمية. ولأنّها كانت تحبّ الفنون، تعلمت على يد متطوعات بعض الصناعات التراثية والصناعات اليدوية، وأصبحت تبيعها تدريجياً. أمّا اليوم، فهي متطوّعة تساعد غيرها من النساء المعيلات لأطفالهنّ اللواتي انضممنَ حديثاً إلى المؤسسة.

فاطمة حالة من مئات الحالات المسجّلة اليوم في "أيادٍ لطيفة"، هذه المبادرة التي تحوّلت إلى مؤسسة ومشروع ضخم. تجدر الإشارة إلى أنّ هدف القائمين عليها كان في البداية حلحلة مشكلات اجتماعية تخصّ النساء والأطفال في إيران، من خلال دعمهم ورعايتهم حتى لا يتحوّلوا إلى عالة على المجتمع، الأمر الذي يزيد من تعقيد المشكلات.

والمبادرة انطلقت من فكرة تبنّاها عدد قليل من المتطوّعين في عام 2007 أرادوا حماية السيدات والأطفال الذين يتعرضون لسوء المعاملة، وهي مسجّلة اليوم كمؤسسة مستقلة غير حكومية تعتمد على تبرّعات ومساعدات فاعلي الخير، وتعمل باستمرار لجذب بعض المسؤولين والفنانين والمثقفين للمشاركة في هذه المهمة الصعبة، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من الدعم المالي والمعنوي على حدّ سواء. يُذكر أنّ فروع "أيادٍ لطيفة" تنتشر اليوم في كل أرجاء البلاد.

يقول المدير العام للمؤسسة شهرام فرجي إنّهم يغطّون اليوم "أكثر من 15 ألف عائلة إيرانية تعيلها نساء لديهنّ أطفال. وقد تمكّنا بالتعاون مع عدد كبير من المتطوّعين من تأمين الدعم والحماية المالية لأكثر من 600 عائلة، عبر تمكين معيلاتها من النساء اللواتي إمّا عانينَ من التعنيف أو المطلقات. يالتالي، تمكّنَ من دعم عائلاتهنّ". يضيف فرجي أنّ مؤسسته تعتمد كثيراً على المتطوعين، شارحاً طبيعة المساعدات التي تقدمّها. فيقول إنّها "مالية ومادية كالملابس والأطعمة من جهة. أمّا من جهة أخرى، فقد نجحت المؤسسة بالتعاقد والاتفاق مع بعض المستوصفات والمستشفيات التي باتت تستقبل الأطفال والنساء وتقدّم لهم العلاج اللازم مع دفع رسوم مخفضة، أو توافق على تأمينهم صحياً".

أطفال تُعنى بهم المبادرة مع شهرام فرجي (العربي الجديد)


ويشدّد فرجي على أنّ "عمل المؤسسة ليس خيرياً بقدر ما هي تعمل على تعليم النساء مهناً معيّنة، وهو ما يساعد الأطفال بالنتيجة. وحاليا، تعمل نحو 108 نساء في الأشغال والصناعات اليدوية ويبعنَ بضائعهنّ في معارض تنظّمها المؤسسة. وثمّة كثيرات انضممنَ إلى سوق العمل خارجها في وقت سابق". أما بالنسبة إلى الأطفال الذين يتعرّضون لسوء المعاملة أو الأيتام، فيوضح فرجي أنّ "ثمّة مراكز تعليم بسيطة خاصة لمن هم دون السبعة أعوام، لكنّ المتطوعين أسسوا مشروعا حديثاً بات جزءاً من مبادرتنا أطلق عليه اسم: قافلة لطيفة. فيعمد هؤلاء إلى زيارة مناطق نائية وينظّمون نشاطات ترفيهية للأطفال ويتعرّفون على الحالات الأصعب ويقدّمون مساعدات نفسية بالدرجة الأولى".

السيّدة محمدي - تحفّظت عن ذكر اسمها كاملاً - من فاعلات الخير المتطوّعات مع "أيادٍ لطيفة"، تقول إنّ "المطلوب بالدرجة الأولى هو نشر التوعية في المجتمع الإيراني لتشجيع النساء المعيلات على العمل. فالترويج لهذه الفكرة أهمّ ما في هذه المبادرة". تضيف أنّ "محتاجين كثرا يعتمدون على المساعدات المالية التي تبقى مصدراً محدوداً لهم، وهو ما يعلّمهم على الاتكال على الأخرين. لكنّ هذه المبادرة تروّج لضرورة الاعتماد على النفس بما يساعد النساء وينعكس على أطفالهنّ إيجاباً".

قد لا تكون هذه المبادرة هي الأولى من نوعها في إيران، إلا أنّها الأضخم إذ تغطّي عدداً من البقع الجغرافية، وتتميّز في أنّها لا تجبر النساء على الخروج من منازلهنّ. فكثيرات منهنّ مضطرات إلى الاعتناء بأطفالهنّ، بالتالي تساعدهنّ على القيام بأعمال من المنزل وبيعها خارجه. كذلك فإنّها تعدّ في الوقت نفسه برامج أطفال تساعد على الاعتناء بهم.

تجدر الإشارة إلى أنّ نساء إيرانيات كثيرات ينفصلنَ عن أزواجهنّ لأسباب مختلفة ويصبحنَ مضطرات إلى إعالة أنفسهنّ وأطفالهنّ، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على هؤلاء الأطفال. فترى مؤسسات عدّة نفسها معنيّة بطريقة أو بأخرى بتقديم المساعدة لهنّ.

دلالات