أقسمت الشابة المغربية، سارة، أن لا تركب سيارات التاكسي التي يوفرها تطبيق "أوبر" للنقل التشاركي، إذ دفعت في المرتين اللتين لجأت فيهما إلى التطبيق، أجراً مضاعفاً لنفس الرحلة، التي اعتادت القيام بها إلى عملها في الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمغرب.
تعرفت سارة على التطبيق عبر زميلها، إلياس، الذي اعتاد طلب تاكسي "أوبر" من هاتفه النقال، وبنقرة زر يصل سائق تاكسي إلى باب بيته، وهو ما يراه وسيلة عصرية وسريعة وتجنبه مشقة مساومة السائقين حتى لو كانت قيمة الرحلة أكثر قليلا من التاكسي العادي، كما يقول.
خلاف قانوني
حالة الجدل السابقة بين مستخدمي الخدمة، تعد عرضا من مشكلة "أوبر" في المغرب، والتي تعد أعمق بكثير من مجرد قياس جودة خدمات هذه الشركة من عدمها، كما يوثق معد التحقيق، إذ إن العلاقات غير ودية على الإطلاق بين السلطات المحلية، خاصة في الدار البيضاء، التي انطلقت منها الخدمة صيف السنة الماضية، وبين مسؤولي "أوبر المغرب".
وانطلقت خدمات "أوبر" في المغرب، والتي تعتمد على تقنية الهواتف الذكية من أجل الربط بين الزبائن وسائقين يرغبون في زيادة مداخيلهم، في شهر يوليو/تموز من العام الفائت، بشكل تجريبي في الدار البيضاء، دون أن يتم تعميمها في باقي المدن، باستثناء محاولة وحيدة في مدينة مراكش.
عبر البحث في أسباب عدم انتقال تجربة تاكسيات "أوبر"، التي انطلقت من الدار البيضاء إلى باقي المدن المغربية، خاصة الكبرى والسياحية منها، خلص خبراء التقاهم معد التحقيق، إلى أن الأمر يتعلق بخلاف قانوني بين السلطات المحلية للدار البيضاء، وبين القائمين على الشركة المنتشرة في 340 مدينة وأكثر من ستين بلدًا على مستوى العالم.
وتتلخص عوامل الخلاف، وفق مصدر مسؤول من مجلس المدينة في الدار البيضاء، (فضل عدم الكشف عن هويته)، في ثلاثة أسباب رئيسية، الأول أن خدمات شركة "أوبر" لم تخضع لضوابط القانون المغربي في مجال النقل السياحي، إذ رتبت أمورها وأطلقت خدماتها دون تلبية الشروط المحددة لذلك.
والسبب الثاني، بحسب ذات المتحدث، يكمن في أن الشركة لا تتوفر على ترخيص للعمل في النقل السياحي، مسلمة من طرف وزارة النقل والتجهيز واللوجستيك، بينما السبب الثالث يتمثل في كون خدمة "أوبر" المغربية لا تستجيب للمعيار القانوني الذي ينص على التعريف بهوية السائق السياحي.
وأكمل المصدر عينه بأن هذه الأسباب هي التي جعلت السلطات المحلية للدار البيضاء تلجأ إلى القضاء المختص، من أجل البت في الخلاف القانوني الدائر مع شركة "أوبر"، وبالتالي فالسيارات التي تشتغل بخدمة "أوبر" في شوارع الدار البيضاء لا تعمل وفق ضوابط القانون، إلى أن تتم تسوية القضية، على حد قوله.
هذه الانتقادات، التي أوردتها السلطات المحلية للدار البيضاء، ترد عليها مريم بن قزيز، المسؤولة الإدارية عن شركة "أوبر" في الدار البيضاء، بالتشديد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، على أن خدمة سيارات "أوبر" لم يتم إطلاقها وتجريبها في المدينة إلا بعد أن لبت الشروط القانونية المطلوبة.
وردا على موضوع عدم حيازة السائقين بطاقات مرخصة من وزارة النقل، أجابت بأن هذا القول مردود عليه لكون سائقي الخدمة السياحية للنقل لديهم جميعهم تلك البطاقات المرخصة، مضيفة أنه بخصوص موضوع التعريف بالسائقين، فإن الخدمة التكنولوجية تتيح التعرف على تفاصيل السائق وتقييمه السابق من قبل المستخدمين، بشكل يبني جسور الثقة والاطمئنان بينه وبين الزبون.
لوبي النقابات
استطاعت ضغوطات "لوبي" سيارات الأجرة، خاصة في مدينة الدار البيضاء، أن تحد من أنشطة خدمات "أوبر"، كما تمكنت نقابات النقل للتاكسيات من فرض الأمر الواقع ودفع السلطات المحلية في العاصمة الاقتصادية إلى مواجهة الشركة على المستوى القانوني والقضائي.
وضمن سياق ضغوط لوبي سيارات الأجرة، وثق مراسل "العربي الجديد" واقعة تشاجر بين سائقي سيارات الأجرة التقليدية وبين سائقي "أوبر"، في بهو مطار محمد الخامس في الدار البيضاء، إذ أصر سائقو التاكسيات العادية على رفضهم نقل سائقي سيارات النقل السياحي للزبائن الذين يطلبون خدمات من وإلى المطار.
وبحسب محمد خليل، سائق سيارة أجرة كبيرة الحجم، أحد أطراف المشاجرة، فإن سيارات "أوبر" تشتغل دون أرضية قانونية ترخص لها التنقل في شوارع الدار البيضاء، كما أنها تعمل على التضييق الاقتصادي على لقمة العيش للمئات من السائقين، الذين يعيشون أصلا ظروفا اجتماعية مزرية، كما قال لـ"العربي الجديد".
وبالمقابل، أورد عبد السلام سميج، سائق محترف يضع سيارته رهن إشارة زبائن "أوبر"، أنه "لا يفهم لماذا كل هذا التحامل على خدمات الشركة، على الرغم من أنها جاءت لتخفف من أزمة النقل في البلاد، وخاصة في العاصمة الاقتصادية، وتتيح عروضا وفرصا أكبر للزبائن من أجل التنقل بأريحية وفي ظروف آمنة وعملية".
ويقف "اللوبي" النقابي لسيارات الأجرة وراء العلاقة المتوترة بين السلطات المحلية في الدار البيضاء وشركة "أوبر"، إذ لم تكف النقابات المعنية عن توجيه الاحتجاجات إلى وزارة الداخلية باعتبارها الوصي على تنظيم قطاع النقل في المدينة، وإلى وزارة النقل والتجهيز، ورئيس الحكومة، تطالب فيها بوقف العمل بتاكسيات "أوبر".
ويقول محمد بحري، ناشط نقابي بنقابة عمالية للنقل، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن النقابيين تصدوا بقوة لخدمات شركة "أوبر"، لكونها أرادت استنساخ تجربتها في بلدان أخرى داخل المغرب، فشرعت في العمل في الدار البيضاء كمحطة أولى، لكنها منيت بالفشل" بحسب تعبيره وطريقها مفروشة بالأشواك.
وزاد النقابي المغربي بأن تاكسيات "أوبر" لم يُكتب لها النجاح في المغرب لعدة أسباب، أولها أنها تشتغل دون الخضوع لشروط القانون المحددة لنقل سيارات الأجرة، باعتبار أنها لا تتوفر على رخص لنقل الزبائن، مثل أسطول التاكسيات العادية، فضلا عن عامل الأمان، الذي يغيب لدى سائقي هذه الخدمة الجديدة.
مسؤولو شركة "أوبر" يردون على انتقادات النقابيين، التي تكاد تتماهى مع موقف السلطات المحلية، ويؤكدون من جانبهم على "قانونية" خدماتهم في نقل الزبائن في الدار البيضاء، وفتحوا الباب مواربا بشأن إجراء الحوار مع الجهات المختصة، وحتى مع الأطراف المتضررة من سائقي التاكسيات.
وحاول معد التحقيق معرفة رأي وزارة النقل والتجهيز في الموضوع، لكن أسئلة "العربي الجديد"، الموجهة إلى محمد نجيب بوليف، الوزير المكلف بقطاع النقل، ظلت بدون جواب، فيما أكد مصدر مسؤول من داخل الوزارة على أن الموضوع يوجد الآن بيد السلطات المحلية، التي تدير شؤون الدار البيضاء، والتي طالبت الشركة بتوفير الشروط القانونية لعملها.
جدل الزبائن
لم تمنع الخلافات بين السلطات المحلية وشركة "أوبر" للنقل، والتي وصلت إلى دهاليز القضاء، تاكسيات الشركة من التجول في شوارع الدار البيضاء، وتلبية طلبات العديد من الزبائن، والذين تقول مسؤولة الشركة، بلقزيز، إن "عددهم يتزايد يوما عن يوم، بفضل جودة خدماتها".
في هذا الصدد، يرى الباحث الاقتصادي، محمد مجدولين، بأن ولوج خدمات "أوبر" إلى السوق المغربية من شأنه أن يحفز على المزيد من التنافسية الإيجابية، التي من نتائجها تحسين أداء نقل سيارات الأجرة، والتنقل في ظروف مريحة وآمنة، وهي كلها أمور تصب في مصلحة الزبون.
وتابع، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن ما حصل هو أن سائقي التاكسيات التقليدية لم يستسيغوا منافسة "تاكسيات أوبر"، التي تعتمد على التكنولوجيا، والتي تريح الزبون من الكثير من عناء الانتظار والبحث عن سيارة أجرة، مضيفا أنه يرجو أن يُسمح للشركة بالعمل بأريحية في مدن البلاد، لما تتيحه من تنافسية جيدة لصالح أسطول النقل المغربي.
ومن جهته، يعلق أحد زبائن "أوبر"، ويدعى كريم حمد الله، بأنه يتعين على السلطات التعجيل بالترخيص للخدمة الجديدة في المدن السياحية الكبرى، خاصة التي يعاني فيها ركاب التاكسي من العديد من التجاوزات في شقها المادي والمعنوي، لا سيما "التحايل" الذي يتعرض له السائح خصوصا في موضوع التعريفة وقراءة العداد.
وأردف المتحدث بأن الترخيص لسيارات "أوبر" سيجعل من الدار البيضاء، وباقي مدن المملكة، مدنا أكثر جمالية وبهاء، إذ ستساهم الخدمة في التقليل من الزحام والفوضى الموجودة في الشوارع بحثا عن تاكسيات، كما أنها ستساعد على الحد من تهور بعض السائقين المتهورين على الطرقات.