"أنا نجوم ابنة العاشرة": خطوة خديجة السلامي

04 يناير 2015
تصوير: كريم صاحب
+ الخط -

من باب السينما الروائية أطلّت هذه المرة مخرجة الأفلام الوثائقية اليمنية خديجة السلامي (1966)، بشريط بعنوان "أنا نجوم ابنة العاشرة ومطلّقة"، وهو يحكي قصة واقعية عن فتاة يمنية تُدعى نجود، زوّجها أهلها في سن العاشرة. وقد حصد العمل جائزة أفضل فيلم روائي في المسابقة الرسمية لجوائز "المُهر العربي"، خلال الدورة الحادية عشرة من "مهرجان دبي السينمائي الدولي" التي اختُتمت نهاية الشهر الماضي.

ألهمت قصة نجود الحقيقية الفتيات القاصرات للخلاص من واقع فُرض عليهن، وأعادت النقاش حول العادات والتقاليد اليمنية وقوانين تحديد سنّ الزواج، بعد ذهابها شخصياً إلى المحكمة، في العام 2008، لتحقّق مطلبها بالطلاق من زوج يكبرها بعشرين عاماً، بمساعدة محامية قابلتها صدفة لدى القاضي. وقد لاقت تفاصيل القصة صدى واسعاً في وسائل الإعلام العربية والعالمية، كما روتها نجود، بمشاركة الصحافية الفرنسية دلفين مينوي، في كتاب بعنوان "أنا نجود ابنة العاشرة ومطلّقة" الذي صدر في العام 2009، وترجم إلى لغات عدة، بينها العربية. وقد اقتبست المخرجة السلامي فيلمها عنه.

تجدر الإشارة هنا إلى أن قصة بطلة الفيلم، نجوم، تتقاطع مع قصة خديجة السلامي نفسها التي أُجبرت على الزواج في سن الحادية عشرة من رجل مسنّ، كما تقول سيرتها المعروفة. وبالتالي، يأتي العمل ليخدم قضية المُخرجة في الدفاع عن المرأة وقضاياها.

في حديث مع "العربي الجديد"، تقول السلامي: "فكرة الفيلم جاءت بعد علمي أن مخرجة فرنسية تقدّمت لشراء حقوق كتاب "أنا نجود ابنة العاشرة ومطلّقة" الذي صدر باللغة الفرنسية، من أجل تحويله إلى فيلم يصوُّر في المغرب. وبدافع قلقي من طرح الموضوع من وجهة نظر تجهل بيئة القصة وواقعها، عرضتُ على شركة النشر شراء الحقوق. وبعد نقاش طويل، اقترحوا عليَّ إشراكهم في إخراج الفيلم وتصويره في المغرب، وهو ما رفضته لأنه إذا لم يجرِ التصوير في اليمن ومع ممثلين يمنيين فإن الفيلم سيفقد روحه. اقتنعوا بذلك ونفّذتُ طلبهم بأن يشاركني في الإنتاج شخص فرنسي. وقد واجهتُ صعوبات كثيرة في البحث عن تمويل، إلى أن وجدته بعد عامين".

كابدت المخرجة السلامي مشقَّات في مراحل أخرى من تصوير الفيلم داخل بلدها، في ظلّ انعدام إمكانات صناعة السينما في اليمن، ورغبتها في إنجاز شريط ينافس في المهرجانات العالمية: "كانت تجربة مريرة وصعبة من البداية حتى النهاية، نظراً إلى المشاكل اليومية الكثيرة التي اعترضت سبيلنا. فقد طُردنا من بعض المناطق ورحِّب بنا في مناطق أخرى. وسبّب عدم توفر الكهرباء والديزل في اليمن مشاكل كثيرة، فضلاً عن الجانب الأمني الذي أعاق صناعة الفيلم. لم تكن لدي رفاهية المخرج الذي يركّز فقط على الجانب الفني والإبداعي، بل كان عليَّ البحث عن حلول لجميع المشاكل خلال التصوير، وهو ما شغلني مراراً عن التركيز على عملي كمخرجة. لكن رغم ذلك أنجزنا الفيلم، وتعلّمتُ أشياء سأعمل على تفاديها في أفلام قادمة".

وبالعودة إلى أعمالها السابقة التي تجاوزت 25 شريطاً وثائقياً، لطالما انتُقدت السلامي على تقديمها الجانب السلبي في اليمن. فالوثائقي "أمينة" الذي اشتهرت به يحكي قصة سجينة يمنية محكومة بالإعدام، وقد أثّر لاحقاً في تغيير مسار القضية. تلاه "الوحش الكاسر" بموضوعه الكاشف للفساد الإداري في اليمن، ثم "الصرخة" الذي سلَّط الضوء على دور المرأة، غالبة ومغلوبة، في ثورة 2011. لكن المخرجة ترى أن ثمة إيجابيات في أفلامها، تكمن خصوصاً في "كسر حاجز الخوف الذي تحكّم (وما يزال) ببعض الكتاب والصحافيين، من خلال تطرّقي إلى موضوعات تعتبر حسّاسة وجريئة داخل مجتمع يفترض به أن يكون قبلياً ولا يتقبل التغيير. لقد وجدتُ العكس، فالمجتمع اليمني لديه الرغبة في التغيير والقابلية للتطور والانفتاح والنقاش وتصحيح أوضاعه السيّئة".

تضيف المخرجة، في محاولة لتخفيف الصورة التي تعكسها أعمالها: "معظم أفلامي تتّسم بطابع إنساني واجتماعي، لأنه يصبّ في دائرة اهتمامي ويؤثر بي. البعض الآخر أفلام حول الآثار في اليمن، المعمار، الطبيعة، الجانب التاريخي، وهي مواضيع أعتبرها مهمة، وأحرص من خلالها على التعريف ببلدي. اليمن، مثل جميع بلدان العالم، له ميزاته وعيوبه. هناك ما نفتخر به وما يزعجنا، ويجب على كلّ من لديه إحساس بالمسؤولية ألا يتردّد بالإصلاح، كلّ في تخصصه".

مع فيلم السلامي الأخير تتقدّم السينما اليمنية، وإن ببطء، خطوةً إلى الأمام؛ سبقه في ذلك فيلم اليمنية البريطانية سارة إسحاق، "ليس للكرامة جدران"، الذي رشّح لمسابقة الأوسكار بداية هذا العام. يضاف إليهما فيلم اليمني البريطاني الآخر بدر بن حرسي، "يوم جديد في صنعاء القديمة" (2005)، الفائز بجائزة أفضل فيلم عربي في "مهرجان القاهرة الدولي". تجارب أسهمت مع أفلام أخرى، ازدهرت صناعتها في الأعوام الأخيرة، في تثبيت دعائم صناعة السينما في اليمن.

وحول هذه النقطة، تقول السلامي: "من خلال تجربتي، أقابل وأتعرّف إلى الكثير من الشابات والشباب الموهوبين الذين يعملون في هذا المجال، وهم بحاجة إلى دعم وتشجيع. آمل الكثير من وزيرة الثقافة الجديدة أروى عثمان التي تدرك جيداً أهمية هذا النوع من الفن وكيفية دعم الجيل القادم في الابتكار والإبداع".

دلالات
المساهمون