الصفحات هذه تضمّنت مذكرات من نوع خاص، يستعيد فيها ما يعرفه بالدوين وما كوّنه من رأي عن ميدغار إيفيرز ومالكوم إكس ومارتن لوثر كينغ وجي آر، وكلهم كانوا قيادات مؤثرة في حركة التحرّر ونيل الحقوق المدنية للأميركيين السود.
تضمّنت المخطوطة التي لم تكتمل ملاحظات قصيرة أيضاً وتعليقات لصاحب "الشيطان يجد عملاً"، على تاريخ أميركا بعد الحرب العالمية الثانية والعنصرية والقوانين والصراع الذي عاشه الأميركيون ذوو البشرة السوداء في تلك الحقبة.
وهذه هي الصفحات الثلاثون التي انطلق منها المخرج راؤول بيك واقتبس عنها فيلمه الوثائقي "أنا لست زنجيك"، وقد انطلقت عروضه في شباط/ فبراير الماضي في أميركا، وكان قد رُشّح لجائزة أفضل فيلم وثائقي للأوسكار في دورته الـ 89.
كان بالدوين حالة خاصة، فقد كان مثلياً و"زنجياً" باللغة العنصرية لذلك العصر، أي أنه عانى من الاضطهاد على مستويين؛ عرقي من المجتمع الأبيض وجندري من المجتمع الأبيض والأسود على حد سواء، ما جعله يمثّل لكثير من المضطهدين نموذجاً فريداً وملهماً في الدفاع عن حقوق المضطهدين والمهمّشين، ولا سيما أنه كان صاحب قلم حاد وشجاع وجميل أيضاً.
بصوت سامويل جاكسون، تحضر شخصية بالدوين في فيلم "أنا لست زنجيك"، حيث يمتلئ العمل بصور من الأرشيف والإعلانات ومقاطع مقابلات وأخبار صحف ومقتطفات من أفلام معظمها أُنتج في الثلاثينيات ومن بينها "رقص، حمقى، رقص" (أنتج سنة 1931) و"لا يريدون أن ينسوا" (1937)، لكن المخرج يربط بين تلك السنوات والراهن إذ يعرض صوراً من مظاهرات حركة Black Lives Matter التي انطلقت في 2013 على تويتر، ليقول إن العنصرية لم تختف ولكنها وجدت لنفسها طرقاً جديدة وتطبّق اليوم بالقانون، وعلى يد رجال الشرطة الأميركية.
يقرأ جاكسون مقاطع من مخطوطة بالدوين، فتظهر قوّتها النثرية وصياغتها الأنيقة بل الباذخة في الوصف والتعبير والتي تتأرجح بين التحليل ورواية الذكريات، حتى أن هذه اللغة تبدو نقيضة للموضوع الصعب الذي كانت تتناوله؛ وهو مرحلة مليئة بالعنف والقذارات السياسية والعنصرية والتحدّيات.