كلّ حكاية من دون نهاية يُطلق عليها اسم "حجوة أمّ ضبيبينة"، وهي من الأحاجي السودانية الشهيرة التي تأتي معلومة الاسم، لكن مجهولة النصّ والمتن، ويُشبّه السرد فيها بطنين الذباب صغير الحجم، لا يتوقف مهما هششته. ويطلق المثل على كلّ حكاية لا تشي بنهاياتها. فهل صارت حكاية سدّ الألفية من تلك الحكايات؟ ولماذا يُقام - في الأصل - سدّ بهذا الحجم؟ هكذا نتساءل مع البروفسور عاصم المغربي، الخبير في السدود، وأحد مؤسسي ملتقى حوار أصدقاء النيل.
قبل نحو ستّين عاماً، أعدّ مكتب استصلاح الأراضي الأميركي دراسة أتت في 16 مجلداً، اقترحت أربعة سدود على روافد النيل الأزرق (93 في المائة من مياهه)، ما يعني أنّ ما ينبع من بحيرة تانا لا يضاهي أيّاً من الروافد. والسدود هي "كارادوفي" و"مندايا" و"مايبل" و"سدّ الحدود" (بوردر)، مع اقتراح أكثر من ثلاثين مشروعاً. وجاءت مبادرة حوض النيل لتؤمّن على المقترح بعد إضافة خزان خامس "بوكو أبو"، مع تأكيد الربط الكهربائي (أحد الأنشطة السبع للمبادرة)، لكنّنا فوجئنا بالإثيوبيين يقرّرون إنشاء سدّ كبير (74 مليار متر مكعّب) مكان سدّ الحدود (14 مليار متر مكعّب).
وما إن أعلنت اللجنة الفنية (ستّة ممثلين عن الدول الثلاث، السودان وإثيوبيا ومصر، إلى جانب أربعة دوليّين) وجود نقص في المعلومات، حتى علا الهمس حول عدم مطابقة الإنشاءات للمواصفات. وتوقّف العمل بحجّة أنه ليس من أولويات إثيوبيا في الوقت الراهن. ووفقاً للمغربي، ثمّة مشكلات تتعلق بجودة المياه المتراكمة على عمق 170 متراً، إذ إنّها غير صالحة للحياة ولا للزراعة، نظراً إلى انعدام الأكسجين فيها. كذلك فإنّها تخلو من الطمي، الأمر الذي قد يهدّد بزيادة نحر في الضفاف والهدّام (الطوفان) في شمال السودان.
اقــرأ أيضاً
وتُذكر مشكلة أخرى تتمثّل بالصمت عن الاتفاق السابق حول الخط الناقل للكهرباء، القاضي بمنح السودان 1000 غيغاواط ومصر 1250. وقد أشارت شبكة "بي بي سي" العربية أخيراً إلى أنّ ثمّة خطاً ناقلاً بطول ألف كيلومتر سيوجّه إلى كينيا. وهذا الخبر لم تؤكّده الدوائر الرسمية، إلا أنّ التحرّكات الأخيرة تشي بالكثير. يُذكر أنّ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، قد صرّح بأنّ المشروع يواجه تحديات تهدد استكماله، مضيفاً: "لقد سلّمنا سدّاً مائياً لشعب لم يرَ سدّاً في حياته، وإذا سرنا على المنوال الحالي، فقد لا يرى المشروع النور"، فيما رأت الخارجية الإثيوبية أنّ مطالبة مصر بوسيط دولي في المفاوضات حول السدّ تتعارض مع موافقة إثيوبيا والسودان ورغباتهما وتؤثّر سلباً في التفاوض بين الأطراف الثلاثة وتعوّق الفرصة الكبيرة للحوار الفني وتعطّل روح التفاوض الإيجابي.
إذاً، فالمشكلة علمية وليست سياسية، وثمّة حاجة للعودة إلى دراسات سابقة وتحديثها، وإعداد مقاربات رياضية وهيدرولوجيّة للسدّ مع الخزانات القائمة (الروصيرص وسنار ومروي والسدّ العالي)، إلى جانب مزيد من التنسيق، والهدف حسم "حجوة أمّ ضبيبينة".
(متخصص في شؤون البيئة)
قبل نحو ستّين عاماً، أعدّ مكتب استصلاح الأراضي الأميركي دراسة أتت في 16 مجلداً، اقترحت أربعة سدود على روافد النيل الأزرق (93 في المائة من مياهه)، ما يعني أنّ ما ينبع من بحيرة تانا لا يضاهي أيّاً من الروافد. والسدود هي "كارادوفي" و"مندايا" و"مايبل" و"سدّ الحدود" (بوردر)، مع اقتراح أكثر من ثلاثين مشروعاً. وجاءت مبادرة حوض النيل لتؤمّن على المقترح بعد إضافة خزان خامس "بوكو أبو"، مع تأكيد الربط الكهربائي (أحد الأنشطة السبع للمبادرة)، لكنّنا فوجئنا بالإثيوبيين يقرّرون إنشاء سدّ كبير (74 مليار متر مكعّب) مكان سدّ الحدود (14 مليار متر مكعّب).
وما إن أعلنت اللجنة الفنية (ستّة ممثلين عن الدول الثلاث، السودان وإثيوبيا ومصر، إلى جانب أربعة دوليّين) وجود نقص في المعلومات، حتى علا الهمس حول عدم مطابقة الإنشاءات للمواصفات. وتوقّف العمل بحجّة أنه ليس من أولويات إثيوبيا في الوقت الراهن. ووفقاً للمغربي، ثمّة مشكلات تتعلق بجودة المياه المتراكمة على عمق 170 متراً، إذ إنّها غير صالحة للحياة ولا للزراعة، نظراً إلى انعدام الأكسجين فيها. كذلك فإنّها تخلو من الطمي، الأمر الذي قد يهدّد بزيادة نحر في الضفاف والهدّام (الطوفان) في شمال السودان.
وتُذكر مشكلة أخرى تتمثّل بالصمت عن الاتفاق السابق حول الخط الناقل للكهرباء، القاضي بمنح السودان 1000 غيغاواط ومصر 1250. وقد أشارت شبكة "بي بي سي" العربية أخيراً إلى أنّ ثمّة خطاً ناقلاً بطول ألف كيلومتر سيوجّه إلى كينيا. وهذا الخبر لم تؤكّده الدوائر الرسمية، إلا أنّ التحرّكات الأخيرة تشي بالكثير. يُذكر أنّ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، قد صرّح بأنّ المشروع يواجه تحديات تهدد استكماله، مضيفاً: "لقد سلّمنا سدّاً مائياً لشعب لم يرَ سدّاً في حياته، وإذا سرنا على المنوال الحالي، فقد لا يرى المشروع النور"، فيما رأت الخارجية الإثيوبية أنّ مطالبة مصر بوسيط دولي في المفاوضات حول السدّ تتعارض مع موافقة إثيوبيا والسودان ورغباتهما وتؤثّر سلباً في التفاوض بين الأطراف الثلاثة وتعوّق الفرصة الكبيرة للحوار الفني وتعطّل روح التفاوض الإيجابي.
إذاً، فالمشكلة علمية وليست سياسية، وثمّة حاجة للعودة إلى دراسات سابقة وتحديثها، وإعداد مقاربات رياضية وهيدرولوجيّة للسدّ مع الخزانات القائمة (الروصيرص وسنار ومروي والسدّ العالي)، إلى جانب مزيد من التنسيق، والهدف حسم "حجوة أمّ ضبيبينة".
(متخصص في شؤون البيئة)