لم يُعرف عن المخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار، في مسيرته، اهتمامه بتمثيل نفسه وذاتيته المباشرة في أفلامه، بقدر ارتباطه بأفلام المرأة والهوية الجنسية. لكن، وكما قال في مؤتمر صحافي أقامه بعد عرض "ألم ومجد (Pain And Glory)"، إنّه "في لحظة ما، تُصبح الذكريات أكثر إلحاحا". لكن، بجدلٍ وتلاعب مع الذكريات، في الـ70 من عمره، يُقدّم حكايته الأكثر ذاتية، بين "ألم" و"مجد".
لا يرتبط فيلمه الأخير بخط سردي محدّد، أو بحكاية واحدة، بل باستدعاء ـ حرّ حينا ومُترابط حينا آخر ـ حياة المخرج سالفادور مالو (أنطونيو بانديراس) وذكرياته، الذي يعاني متاعب جسدية، بعد عملية جراحية في ظهره، وإصابته باكتئابٍ مكتوم، يجعله غير متحمّس لإنتاج الأفلام مرة أخرى. لكن، مع ترميم الـ"سينماتِك" فيلمه الأخير "سبّارو" وعرضه، وكان قد أخرجه في بداية مسيرته، يقرر التواصل للمرة الأولى منذ 30 عاماً مع بطل فيلمه، ألبرتو، كي يدعوه لحضور العرض، ما يفتح سيلاً من الذكريات، المرويّة بأشكال مختلفة.
ذهاب مالو إلى ألبرتو يُحرّك الحكاية في ستة أجزاء، بالإضافة إلى حكايات صغيرة من حياة المُخرج، يُسرَد كلّ منها بأسلوب سينمائي مختلف: أولا، هناك الحاضر، واكتئاب مالو، الذي يتغلب عليه بإدمانه على الهيرويين، الذي يُجرّبه مع ألبرتو (آزيير اتكزنديا)، فيشعر أنْ لا قيمة حقيقية لحياته، حالياً. الهيرويين يدفعه أيضا باتجاه ماضٍ بعيد (الستينيات المنصرمة)، حين كان طفلا، لسرد قصّتين، أولى عن أمه (بينيلوب كروز)، وعن بذلها جهدا فائقا للعيش، بسبب فقرهم المدقع، كي يُصبح الشخص الذي هو عليه بعد ذلك. صورة سينمائية ممتلئة بحبّ والدته الحقيقية وتكريمها، المتعلّق بها طويلا، والمشاركة في أفلامٍ له كممثلة.
الحكاية الثانية عن "الرغبة الأولى"، وعن كيفية إدراكه مثليّته الجنسية، بفضل علاقته بإدواردو (سيزار فنسنتي)، صديق الطفولة، ومساعدهم في ترميم المنزل، الذي يُقيمون فيه، مقابل تعليم مالو له القراءة والكتابة. هكذا، يُدرك الطفل للمرة الأولى ميوله الجنسية، في علاقة غير حسية إطلاقا.
اقــرأ أيضاً
حكاية أخرى: علاقته بالممثل ألبرتو نفسه، تسرد بمواجهات مباشرة بينهما، فينكشف سبب الخلافات العنيفة، التي جعلت أحدهما يكره الآخر وقتا طويلا، فيتوقّفان عن التواصل 30 عاما. هذا مرتبط بإدمان ألبرتو للهيرويين، ما يؤدّي إلى الحكاية الخامسة، المُقدّمة في مونولوغ طويل لكاتبه مالو، يتناول فيه علاقته العاطفية الحقيقية الأولى بفيدريكو، وإدمانه. كما يتناول علاقتهما التي تتدمّر، بسبب العجز أحيانا "عن حماية شخص تحبّه". تُقدّم الحكاية بقراءة ألبرتو هذا النص صدفة، الذي يطلب من مالو تأديته في عرض مسرحي منفرد.
يقدّم ألبرتو العرض، ويشاهده فيدريكو (ليوناردو سْباراغْليا) صدفة، ثم يذهب إلى بيت مالو، ويتحدّثان عن حياتهما السابقة والحالية، ما يُكمِّل الخطّ السادس في قصة حياة المخرج، وهو خط متعلق باكتئابه، وبعلاقته بوفاة أمّه، ومحاولة خروجه من هذا كلّه بتحقيق فيلمٍ، سيكون الفيلم الذي نشاهده الآن.
ممتعة ورائعة قدرة ألمودوفار على لملمة حياته وفصولها، وما يرغب في أن يحكي عنه، بتلك الطريقة المختلفة أسلوبيا كلّ مرة: شاعرية الماضي، ومواجهات الحاضر، و"مونولوج" منفرد في نص مسرحي. ورغم أنه يعيبه أحيانا تكلّف الربط بين الحكايات والصدف المبالغ فيها، التي تدفع الحكاية إلى الأمام، كأنْ يقرأ ألبرتو النص، أو يشاهد فيدريكو العرض، وغيرها، إلا أنّها ممتعة رؤية تلك الذكريات المتناثرة منسجمة بحِرفية شديدة في ساعتيّ العرض، مع ممثّلين في أفضل أحوالهم الفنية، وتحديدا بانديراس، مؤدّي الدور بهدوء، ومن دون رغبة أو افتعال في تقليد ألمودوفار نفسه، مُقدّما أحد أفضل أداءاته السينمائية، التي استحق عنها جائزة أفضل ممثل، في الدورة الـ72 (14 - 25 مايو/ أيار 2019) لمهرجان "كانّ" السينمائي.
ذهاب مالو إلى ألبرتو يُحرّك الحكاية في ستة أجزاء، بالإضافة إلى حكايات صغيرة من حياة المُخرج، يُسرَد كلّ منها بأسلوب سينمائي مختلف: أولا، هناك الحاضر، واكتئاب مالو، الذي يتغلب عليه بإدمانه على الهيرويين، الذي يُجرّبه مع ألبرتو (آزيير اتكزنديا)، فيشعر أنْ لا قيمة حقيقية لحياته، حالياً. الهيرويين يدفعه أيضا باتجاه ماضٍ بعيد (الستينيات المنصرمة)، حين كان طفلا، لسرد قصّتين، أولى عن أمه (بينيلوب كروز)، وعن بذلها جهدا فائقا للعيش، بسبب فقرهم المدقع، كي يُصبح الشخص الذي هو عليه بعد ذلك. صورة سينمائية ممتلئة بحبّ والدته الحقيقية وتكريمها، المتعلّق بها طويلا، والمشاركة في أفلامٍ له كممثلة.
الحكاية الثانية عن "الرغبة الأولى"، وعن كيفية إدراكه مثليّته الجنسية، بفضل علاقته بإدواردو (سيزار فنسنتي)، صديق الطفولة، ومساعدهم في ترميم المنزل، الذي يُقيمون فيه، مقابل تعليم مالو له القراءة والكتابة. هكذا، يُدرك الطفل للمرة الأولى ميوله الجنسية، في علاقة غير حسية إطلاقا.
يقدّم ألبرتو العرض، ويشاهده فيدريكو (ليوناردو سْباراغْليا) صدفة، ثم يذهب إلى بيت مالو، ويتحدّثان عن حياتهما السابقة والحالية، ما يُكمِّل الخطّ السادس في قصة حياة المخرج، وهو خط متعلق باكتئابه، وبعلاقته بوفاة أمّه، ومحاولة خروجه من هذا كلّه بتحقيق فيلمٍ، سيكون الفيلم الذي نشاهده الآن.
ممتعة ورائعة قدرة ألمودوفار على لملمة حياته وفصولها، وما يرغب في أن يحكي عنه، بتلك الطريقة المختلفة أسلوبيا كلّ مرة: شاعرية الماضي، ومواجهات الحاضر، و"مونولوج" منفرد في نص مسرحي. ورغم أنه يعيبه أحيانا تكلّف الربط بين الحكايات والصدف المبالغ فيها، التي تدفع الحكاية إلى الأمام، كأنْ يقرأ ألبرتو النص، أو يشاهد فيدريكو العرض، وغيرها، إلا أنّها ممتعة رؤية تلك الذكريات المتناثرة منسجمة بحِرفية شديدة في ساعتيّ العرض، مع ممثّلين في أفضل أحوالهم الفنية، وتحديدا بانديراس، مؤدّي الدور بهدوء، ومن دون رغبة أو افتعال في تقليد ألمودوفار نفسه، مُقدّما أحد أفضل أداءاته السينمائية، التي استحق عنها جائزة أفضل ممثل، في الدورة الـ72 (14 - 25 مايو/ أيار 2019) لمهرجان "كانّ" السينمائي.