جاء توقيع حكومة دبي عقدا بقيمة 2.88 مليار دولار (10.6 مليارات درهم) لتوسيع مترو دبي، مع شركة ألستوم الفرنسية، ليثير عددا من التساؤلات حول خطة الشركة للتوسع في المنطقة العربية، رغم دعوات المقاطعة لها بسبب مشاركتها في خطة تهويد القدس، عبر إنشاء خطوط مترو لصالح سلطة الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى تأثر المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة، وتهجير عدد من سكانها بعد تصدع منازلهم أو مصادرتها لصالح المشروع.
وسبق وأن أدان مجلس جامعة الدول العربية، في بيان صدر من قمة الخرطوم، فى يونيو من عام 2013، إقامة مشروع القطار الذى يهدف إلى ربط جنوب شرق القدس بالقدس المحتلة وبالمستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي دولة فلسطين التي احتُلت عام 1967، وفصلها عن الضفة المحتلة.
وقالت الجامعة العربية حينئذ، إن مشروع القطار يندرج فى إطار الاستراتيجية الممنهجة بتهويد القدس، وتغيير معالمها وتكريس الاحتلال وتأكيد سيطرتها على القدس عاصمة دولة فلسطين، ومصادرة وضم مساحات شاسعة من دولة فلسطين المحتلة لاستكمال المشروع، منتهكة بذلك القانون الدولى وتطبيقات معاهدة جنيف وغيرها من المرجعيات القانونية الدولية.
مقاطعة شركات التهويد
فى نوفمبر من عام 2009، دعا رئيس ديوان رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، رفيق الحسيني، إلى مقاطعة شركة "ألستوم" الفرنسية، بسبب استمرارها فى بناء خط القطار الخفيف الإسرائيلي، كما تبنى وقتها سياسيون ورجال دين ونشطاء فلسطينيون الدعوة، وأكدوا أن المشروع يخدم ويرسّخ وجود المستعمرات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة في القدس وحولها.
وبالتزامن مع حملة المقاطعة التي أطلقها مركز الدراسات الفلسطينية بالقاهرة في 2011 طالب فيها بالضغط على حكومات الدول العربية التي تنفذ "ألستوم" مشاريع فيها، مثل مصر والسعودية والكويت والعراق، لوقف التعاقد مع الشركة، كانت اللجنة التنفيذية العليا لحماية الوطن ومجابهة التطبيع في الأردن قد أرسلت، في أكتوبر 2011، مذكرات إلى كل من خادم الحرمين الشريفين، والأمين العام للجامعة العربية، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، تطالبهم بوقف التعامل مع هذه الشركة "المطبّعة مع العدو الصهيوني".
وقال الباحث والمتخصص في العلوم السياسية والدراسات الإعلامية، أحمد صبري، إن دعوات المقاطعة شملت أيضا أربع شركات أخرى، تساند الكيان الصهيوني في مشاريعه الاستيطانية، ولها أفرع في عدد من الدول العربية، وهي "فيوليا" (Veolia) وهي شركة فرنسية للخدمات البيئية في مجالات المياه وإدارة النفايات والطاقة والنقل، ولها نشاطات استعمارية في الأراضي المحتلّة عام 1967، وشركة الكمبيوترات المعروفة HP (هيولت باكارد) التي تعد مزودا عالميا لخدمات التكنولوجيا، كما أن لها نشاطا كبيرا في المجال العسكري، وكذلك شركة "كاتربيلر" الأميركية المتخصصة في تصنيع أدوات البناء والتنقيب، وقد صممت الشركة وصنعت جرافات Caterpillar D9 لجيش الاحتلال، والتي تُستخدم في هدم بيوت الفلسطينيين وتدمير مزارعهم، وأيضا، شركة "جي فور أس" (Group 4 Securicor)؛ شركة أمن متعددة الجنسيات مقرها بريطانيا، وهي متواطئة مع الاحتلال في خرق قوانين حقوق الشعب الفلسطيني بشكل يومي، نتيجة عملها في الأراضي المحتلة، وتطويرها أنظمة السجون التي يعاقب بين جدرانها قاصرون ومعتقلون كثر.
وعربيا، أوقفت المملكة العربية السعودية التعامل مع الشركة في أكتوبر 2011 استجابة لدعوات المقاطعة، ولم تجدد العقد معها لإكمال مشروع "قطار الحرمين" الذي يهدف إلى ربط مكة المكرمة بالمدينة المنورة، بقيمة تقارب الـ10 مليارات دولار، لكن "ألستوم" عادت مجددا إلى السعودية في عام 2013 بعد أن وقعت شركة بمكو العربية للمقاولات اتفاقا معها لتوليد الطاقة عن طريق البخار، وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول الدور التوسعي للشركة في الدول العربية، خاصة الإمارات والسعودية ومصر، رغم إدانة جامعة الدول العربية، وسط تفاخر من الشركة بهذا التوسع.
فساد عابر للقارات
وفى وقت سابق، نشرت صحيفة "دايلى تليغراف" البريطانية، تقريرا قالت فيه إن السلطات الأميركية فرضت على شركة "ألستوم"، غرامة قياسية قيمتها 772 مليون دولار، كعقوبة جنائية، مقابل تسوية اتهامات متعلقة برشاوى مع وزارة العدل فى الولايات المتحدة.
وتابعت الصحيفة، أن الشركة التي تقوم بتصنيع القطارات ومعدات للصناعات فى مجال الكهرباء والطاقة، وافقت على دفع الغرامة، بعد مزاعم بأنها قدمت رشاوى لمسؤولين حكوميين، للفوز بعقود في دول مثل مصر وإندونيسيا والمملكة العربية السعودية.
وأوضحت أن فرض الغرامة، التي تعتبر أكبر غرامة جنائية فى الولايات المتحدة عن انتهاكات قوانين عقوبات الرشاوى الأجنبية "قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة"، جاء عقب اعتراف الشركة الفرنسية بتهمة مخالفة الضوابط الداخلية، واللوائح الخاصة بحفظ السجلات.
وأشارت الصحيفة إلى أنه، وفقا لأعضاء النيابة في الولايات المتحدة، فإن "ألستوم" دفعت حوالى 75 مليون دولار رشاوى لتأمين مشاريع فى جميع أنحاء العالم، تكلفتها الاستثمارية 4 مليارات دولار، تدرّ أرباحًا قدرها حوالى 300 مليون دولار.
ونقلت الصحيفة عن نائب المدعى العام، جيمس كول، قوله: "استمر مخطط ألستوم فى الفساد على مدى أكثر من عقد من الزمان، وعبر عدة قارات، وأن مخطط الشركة كان مذهلًا في اتساعه، ووقاحته، وعواقبه في جميع أنحاء العالم".
وجاء إعلان وزارة العدل الأميركية، بينما تواجه ألستوم اتهامات أخرى بالرشاوى فى المملكة المتحدة، فى قضية رفعها مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة، على شركة "ألستوم باور" التابعة لها، وعلى اثنين من موظفيهما، وهما نيكولاس رينولدز (49 عاما)، وجون فينسكاس (71 عاما)، لدفع رشاوى متعلقة بعقود فى ليتوانيا.
تهديد حياة المصريين
يذكر أن شركة "ألستوم" قد تعاقدت أيضا مع إثيوبيا لتزويد سد النهضة "الألفية"، الذي يهدد حصة مصر والسودان من مياه النيل، بالتوربينات والمولدات الكهربائية اللازمة للتجهيزات الكهرومائية، كما يتضمن العقد أيضا تنفيذ الشركة أعمالا هندسية في المشروع، وفقا لبيان وزارة الخارجية الإثيوبية فى الأول من أغسطس عام 2013.
وتأتي مشاركة الشركة في بناء السد الإثيوبي، في الوقت الذي تنفذ فيه "ألستوم" مشاريع مختلفة في مصر، بتعاقدات تحوم حولها شبهات عدة، تتصل بعضها بخطورة كبيرة على الأمن القومي المصري وحياة المواطنين، منها التورط في إحداث شروخ وعيوب خطيرة في جسم السد العالي، والتسبب في وجود عيوب فنية وهندسية خطيرة بالأعمال الإنشائية للأنفاق الخاصة بالمرحلة الثالثة لمترو الأنفاق، الأمر الذي يهدد سلامة وأمن الركاب.
وقد تلقى مكتب النائب العام بلاغات عدة تشكك في سلامة إنشاء الخط الثالث لمترو الأنفاق في القاهرة، وتؤكد استمرار تهديد حياة المواطنين الذين يستقلون المترو كل لحظة، وكان آخرها - بحسب صحف محلية- البلاغ رقم 19331 فى العاشر من نوفمبر الماضى ضد رئيس الوزراء شريف إسماعيل ووزير النقل سعد الجيوشي، تتهمهما بالإسراع فى توقيع عقود المرحلة الثالثة للخط الثالث للمترو، وعدم انتظار حكم القضاء فى قضية وقف إنشاء الخط الثالث للمترو، بالإضافة إلى التعاقد مع شركة "ألستوم" التى تمثل تهديدا للأمن القومي المصري وإهدار 24 مليار جنيه.
كما نشرت صحف محلية أخرى، في ديسمبر 2008، صورا ومستندات تثبت قيام شركة "ألستوم" بتشويه فتحات السد العالي بأطنان من الخرسانة المسلحة، وقامت الشركة بتغيير الأرياش الروسية، وتدميرها حتى لا يعاد تركيبها مرة أخرى، وتركيب رياشات بديلة غير مطابقة للمواصفات، مما استدعى سد جزء يصل إلى 90 سم من فتحات السد بالإسمنت والخرسانة المسلحة، مما أثر على أداء المولدات وحدوث اهتزازات وتشويه التصميم الأصلي للسد، المصنف من الهيئات الدولية بأنه أعظم مشروع هندسي شيّد في القرن العشرين.
وتسببت الاهتزازات، بحسب ما نشرته الصحف، في حدوث بعض الشروخ، والتي كانت تتابعها إدارة الري على فترات متباعدة من دون عمل أي علاج لها، كما تسببت في حدوث رشح خطير فى الفواصل الإنشائية بين الوحدتين 3 و4 في محطة أسوان.