تُعتبَر مصر أكثر البلدان العربيّة التي حظيت على مدار تاريخها الطويل باهتمامٍ بالغ بالفنون التصويرية، خاصّة أنّ هذا البلد شهد مُبكّرًا كليات الفنون التصويرية المُتربّعة على عرش المدن المصرية، والتي جعلت البلد يحظى بمنزلة رفيعة داخل الفنون العربيّة المعاصرة.
وهذا هو الهدف من مبادرة "ألبوم الوطن" التي أسَّسها الفوتوغرافي المصري، أحمد راضي، بهدف العناية فوتوغرافياً بالبيوت المصرية القديمة وجماليّات أبوابها وحاراتها المُتشعبة وطرزها المعمارية المزركشة. وانطلقت المبادرة في بداية يوليو/ تمّوز الماضي تحت عنوان "ملتقى ألبوم الوطن الإلكتروني الدولي الأول للتصوير الفوتوغرافي"، وستستمرُّ حتّى الـ25 من هذا الشهر. وشارك في الفعالية أكثر من 25 مصوّرا ومصوّرة من دول مختلفة حول العالم، من مصر والمغرب والعراق وسلطنة عمان وفلسطين والجزائر والسودان وزيمبابوي وأميركا وغيرها من الدول الأخرى.
واحتوت المجموعة على صور فوتوغرافية ترصد يوميات الحرفيين والعمّال والنساجين وسواها من الحرف اليومية البسيطة التي يشغلها الإنسان العربي، والتي هي ذات علاقة كبيرة بتاريخه وتراثه الشعبي. إذْ تعمل فوتوغرافيا "الملتقى" على التقاط تفاصيل صغيرة من حياة هؤلاء الناس بحيثيات مُختلفة ومعالجات فنية مُتباينة، لكنها جميعها تلتقي حول البعد التلقائي الذي يسم وتحبل به هذه الصور، والذي جعلها مُرتبطة أكثر بصميم الحياة اليومية والاحتفاء في آن واحد بهذا الموروث الشعبي الغنيّ المُشترك بين عدة دول عربيّة، بحكم التلاقح والمُثاقفة التي شهدتها هذه البلدان العربيّة في فترة من تاريخها، والتي تجعل من مستويات هذه الفنون الحرفية مُتقاربة على مستوى المُمارسة، وبعيدة على مستوى الأداء وعناصر المادة.
ويبدو أنَّ فنّ التصوير الفوتوغرافي هو وحده القادر على تكسير هذه الاختلافات الأنطولوجية للحرف التقليدية والفنون الشعبية بين الدول العربيّة، فهي توحّدها وتجعلها مشروعاً فنياً مُشتركاً ومُتشابكاً، يعمل على إبراز الهوية العربيّة، ومدى قدرتها على اختبار نفسها أمام المتغيرات السياسية والاجتماعية التي طاولت هذه الهوية أمام امتحان العولمة.
لا يعني الأعمال الفوتوغرافية المعروضة ضمن الملتقى، الإقامة في تخوم الماضي وفنونه، بقدر ما يحضر هذا الماضي كمادة فنية بصرية. إذْ تعمل الصُوَر الفوتوغرافية المأخودة على طول الخارطة العربيّة على جعل هذا الماضي حاضراً لا ينقضي، مُتطلعاً نحو المستقبل وفق أشكال مُتنوعة ترصد حياة الناس وأفراحهم وأحزانهم وهم يزاولون مهنهم اليومية داخل السراديب المُظلمة لصناعة الفخار والخزف والفضاءات البهيّة والمُضيئة لحياكة الزرابي والألبسة. غير أنّ الصُوَر جميعها تشترك في البعد الإنساني الذي ركزت عليه، فالإنسان يظلّ هو محور الصُوَر وليست الأمكنة والفضاءات والمواد المحلية المُستعملة. ومن جهة أخرى، نرى أنّ هذه الصُوَر مُتباينة على مستوى مواضعاتها الفنية وسياقاتها الجمالية، فبعضها تلقائيّ ومُتسرع، لا يحترم شروطاً خفيّة للصورة، والبعض الآخر مأخوذ بعناية وبجمالية مُبهرة وبسيطة مُتغلغلة في وجدان مواطنين بسطاء مع التركيز على أفراحهم وخيباتهم وملامحهم وأجسادهم النحيفة داخل أمكنة عملهم، وجوه شعبية عربيّة، نرى فيها قهر الماضي وفرحة الحاضر وبسمة المستقبل.