في تشرين الثاني/ نوفمبر 1922، بينما كان العمال في أعمال التنقيب التي يقودها عالم الأثار الإنكليزي هوارد كارتر في وادي الملوك يأخذون استراحة من حرارة الظهيرة الشديدة، توقف شاب صغير بينهم للعب في الرمال بعصا، عندما ضربت العصا فجأة شيئًا صلبًا. وجد الصبي الخطوة الأولى من اثنتي عشرة خطوة أدت إلى قبر توت عنخ آمون.
مع نهاية ذلك الشهر، وصلت الحفريات إلى الباب الأخير للقبر، وفتح الباب ودخل كارتر ومن معه ليقفوا أمام الكنوز التي ما زالت تشغل علماء الآثار والمهووسين بالمصريات إلى يومنا.
وكان من بين الكنوز والرسومات ما يكشف عناية غير عادية بالنباتات، بل بأنواع معينة منها، فسواء في الحياة أو الموت، كانت النباتات مهمة جدًا عند المصريين القدماء. لهذا السبب، تمتلئ المقابر النبيلة والملكية بكل أنواع العناصر النباتية من زخارف وصولاً إلى مواد غذائية. وعادة ما كانت جدران المقابر مزخرفة بمشاهد من الحديقة، ولكن حضور هذه النباتات لا يعود فقط لخصائصها الجمالية، ولكن أيضًا لأسباب رمزية وكذلك بسبب فوائدها التي اعتقد بها الفراعنة.
كان قبر توت عنخ آمون عجائبياً في كل شيء ومخزناً بالعديد من العناصر النباتية: عصي مصنوعة من القصب، زهور منقوشة على التابوت، الأثاث الخشبي المذهب منقوش بأوراق النباتات والأزهار، أقمشة من الكتان، الأقواس المرصوفة والمزخرفة بأنواع الورد وأوراق الشجر، زيوت وعطور ومواد غذائية مخزنة.
وقد أنهمك عالم النبات الإنكليزي فرانك نايجل هيبر(1929 - 2013) بنباتات توت عنخ آمون هذه، إلى حد أنه وضع عنها دليلاً كاملاً، فجاء كتابه "أزهار فرعون: الكنور النباتية لتوت عنخ آمون"، الذي صدر أول مرة عام 1990 وتلقاه الآثاريون وعلماء النبات على السواء باحتفاء كبير استلزم أن يصدر بعده في طبعات أخرى، لا سيما بعد أن وصف بأنه "هدية فاخرة لعلماء المصريات".
وقد نقل الكتاب المترجم نادر أنيس محمد إلى العربية مؤخراً، وصدر عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب" بمراجعة كمال مغيث.
الكتاب ظاهريًا هو دراسة في النباتات، لكنه يقترب إلى حد كثير من علوم المصريات والآثار فيبتكر دائرة مشتركة بين هذه العلوم، ويذهب في رحلة ما وراء أقنعة التابوت المذهبة الأيقونية، مظهراً من خلال النباتات جوانب الحياة اليومية الإنسانية للفرعون الشاب توت عنخ آمون وزوجته عنخ أسن أمون.
الكتاب ظاهريًا هو دراسة في النباتات، لكنه يقترب إلى حد كثير من علوم المصريات والآثار
يصنّف الكاتب نباتات آمون وفقًا لطبيعتها واستخداماتها؛ الزهور والأوراق المستخدمة بشكل رئيسي للزينة؛ الزيوت والراتنجات والعطور المستخدمة للتطيب والتحنيط، ورق البردي والكتان وغيرها من النباتات الليفية، نباتات مستخدمة لمواد الكتابة والأقمشة إلخ.
لم يقتصر الأمر على الصور الفوتوغرافية والأمثلة الملونة إلى جانب المعلومات، بل زوّده الكاتب برسومات رسمها بنفسه، وأضاف مراجع ومسرداً للمصطلحات النباتية.
أصدر هيبر العديد من الكتب البارزة في هذا المجال، وتميّز أسلوبه بالصوت الأدبي القصصي المشوق، ومن أكثر مؤلفاته تداولاً وشهرة "أشجار اللبان العربية والأفريقية"، و"نباتات غرب أفريقيا الاستوائية"، و"نباتات اليمن"، و"زرع حديقة الكتاب المقدس: دليل مرجعي عملي للبستاني في جميع مناخات العالم"، و"أراضي الكتاب المقدس: من النباتات والمخلوقات إلى المعارك والعهود".