صعق اللاجئ الفلسطيني المقيم في الأردن مجاهد العزب عندما وجد نفسه وجهاً لوجه مع صورة التقطت له قبل 46 عاما في مخيم للاجئين الفلسطينيين متاحة للجمهور في معرض افتتحته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في عمّان، مساء الأحد الماضي.
ويعيش العزب (73 عاماً) منذ سنوات طوال في مخيم "سوف" الذي أنشئ عام 1967 في مدينة جرش (48 كليومتراً شمال العاصمة الأردنية عمّان)، لكن لم يخطر بباله أبدا أن يجد صورته القديمة أمامه، خاصة وأنها وضعته وجها لوجه مع رحلته الطويلة مع الحياة منذ غادر قريته "يازور" في قضاء الرملة لاجئاً وحتى قابلته "العربي الجديد" متجولا في أروقة المعرض، ليروي لنا قصته.
وظهرت صورة العزب المعروف بين أقرانه ومعارفه باسم (أبو زكريا) في المعرض الذي يحمل عنوان "الرحلة الطويلة" ضمن نحو عشرة آلاف صورة وعدد أخر من الوثائق والوسائط الأرشيفية التي أدرج معظمها عام 2009 من قبل اليونسكو كجزء من ذاكرة العالم.
ويقول أبو زكريا: "ولدت في قرية يازور قضاء الرمل، وخرجت منها مع عائلتي لاجئاً عام 1948 إلى مدينة الخليل في الضفة الغربية، وكان عمري وقتها ثمانية أعوام فقط، لكنني كنت واعيا للبلد والحرب".
يوم القيامة
يوم القيامة
ويشبه العجوز الفلسطيني عام النكبة بـ"يوم القيامة"، قائلا "كان الناس خائفين ويهربون من الموت، مات الكثير من أهل القرية، ولا يعرف أحد عدد الموتى".
ويضيف "تنقلنا بين مخيمات اللاجئين في مدينة الخليل، وأخيراً أقمت بعد أن تزوجت في مخيم عين السلطان في مدينة أريحا، وكانت الضفة الغربية قد أصبحت أرضاً أردنية بعد وحدة الضفتين".
اللاجئ الذي عاش النكبة عاش النكسة أيضاً، وبعد أن سقطت الضفة الغربية فر بعائلته من مخيم "عين السلطان" إلى غور الأردن، ومنها انتقل في عام 1968 للإقامة المؤقتة في مدراس مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين، ومنها وبعد أشهر انتقل إلى مخيم "سوف" الذي لا يزال يقيم فيه حتى الآن.
وعن صورته يقول "الصورة التقطت عام 1968 بعد أيام من انتقالنا إلى مخيم سوف، هذه أول مره أرى الصورة لم أتوقع أنها موجودة" يتمتم غير مصدق.
يحلم أبو زكريا أن تنتهي رحلته الطويلة بالعودة إلى قريته "يازور" قائلا: "لا أقبل بالعودة إلى غير يازور، ففي الضفة الغربية عشت في مخيمات اللاجئين، ولا فرق بين مخيمات اللاجئين في الضفة أو الأردن".
أرشيف النزوح
وتضم الأردن ولبنان وغيرها من دول الجوار الفلسطيني عشرات الألاف من أمثال أبو زكريا من الرجال والنساء الذين تم ترحيلهم من بلادهم أو هربوا بحياتهم من الاحتلال الإسرائيلي ولكل منهم قصة مشابهة.
أرشيف النزوح
وتضم الأردن ولبنان وغيرها من دول الجوار الفلسطيني عشرات الألاف من أمثال أبو زكريا من الرجال والنساء الذين تم ترحيلهم من بلادهم أو هربوا بحياتهم من الاحتلال الإسرائيلي ولكل منهم قصة مشابهة.
وتعد العاصمة الأردنية عمّان ثاني مدينة يعرض فيها أرشيف الأونروا، بعدما سبق عرضه في مدينة القدس المحتلة لمدة شهر كامل، ومن المنتظر أن يطوف الأرشيف دول العالم حسب ما أعلنت الأونروا.
ومعرض الوثائق الأرشيفية الذي افتتحه المفوض العام للأونروا المنتهية ولايته فيليبو غراندي، يمثل جزءاً بسيطاً من أرشيف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين منذ تأسيسها والذي يتألف من 340 ألف من الصور السلبية إلى جانب 10 ألاف نسخة مطبوعة من الصور، و850 ألف شريحة عرض و75 فيلما وعدد من أشرطة الفيديو يبلغ مجموعها 7300 شريط.
وعبر المفوض المنتهية ولايته عن حزنه، لأن الصور القاسية للجوء الفلسطيني تتكرر حتى الآن، قائلاً "وأنا أنظر إلى الصور أشعر بالحزن لأني رأيت تلك الصور قبل شهر في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا، من المحزن أن هذه الصور تتكرر وأن الشعب الفلسطيني لا يزال يعاني من هذه الظروف، وأعلم أن المعاناة لن تنتهي إلا عند إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين".
وأضاف غراندي: "تمثل هذه الصور قيمة أساسية، هي قيمة الصمود، الصمود الذي سيقود الشعب الفلسطيني إلى إحلال العدل، والعدل متمثل بحقهم في العودة إلى أرضهم وقراهم وبلادهم، وأريد أن أشاركهم ذلك اليوم" على حد تعبيره.