"آلت رايت": نازيو القرن الـ21

19 اغسطس 2018
تدعو الحركة إلى تفوق العرق الأبيض (Getty)
+ الخط -
من بين قضايا كثيرة تثير الانتباه في الوثائقي البريطاني "عمل سري في صفوف ألت رايت"، البديل اليميني المتطرف في بريطانيا والولايات المتحدة، تفكيك السويدي باتريك هيرمانسون (25 سنة)، عبر تصويره بكاميرا سرية، بمبادرة من منظمة "أمل لا كراهية" المعادية للتطرف اليميني، بنية حركة لم يتم اختراقها في السابق. وفي إطار مواجهة "ألت رايت"، أتاحت القناة الرسمية الدنماركية للمواطنين في اسكندنافيا مشاهدة الوثائقي (50 دقيقة) حتى أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ويؤمن هؤلاء الفاشيون، الذين يحتلون مناصب رفيعة المستوى في دول غربية، بأن اسكندنافيا "مهد العرق الأبيض"، ويعتبرون أن وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية حصل "نتيجة لتراكم الأعمال" والاختراقات التي حققها هؤلاء بعنوان "الأمة البيضاء".

وإلى جانب كشف الوجه الحقيقي للفاشيين، فإن الوثائقي يظهر حقيقة هذه الحركة الفاشية، التي تعتبر هتلر الأب الروحي، وترامب اليوم أهم منجزاتها عبر "إيصال رجلنا إلى البيت الأبيض"، وأننا لسنا أمام ستيف بانون واحد. ولا يجد هؤلاء حرجاً في الاعتراف بأن القوة الدافعة للفاشية وفكرة تفوق البيض، التي وصلت إلى هرم السلطة في بعض الدول الغربية، كإيطاليا والنمسا، وتأثيرهم في دول أخرى ثقافياً ودعائياً واجتماعياً، لا تختلف كثيراً عن تصريحات ترامب منذ ما قبل "إيصاله إلى البيت الأبيض"، بالإضافة إلى تحميل الضحايا مسؤولية قتلهم في أعقاب دهس معارضي الفاشية في شارلوتسفيل في العام 2017. ويكشف الوثائقي عن بنية حركة، عمادها الكراهية والحقد والتفوق العرقي، وإيمانها بأنها تراكم أعمالها لجعل الفاشية "حركة شعبية بين البيض".

ويكشف الوثائقي عن شخصيات أخطر من ريتشارد سبنسر، مخترع اسم "ألت رايت"، الذي حيا انتصار ترامب، برفع التحية النازية بين جمهوره المتحمس. وتم تقديم "الأستاذ الجامعي" جايسون ريدا جورجاني على أنه "مفكر ومخطط الاستراتيجيات" في صفوف الفاشية الأميركية. وقد صورته الكاميرا السرية وهو يتفاخر بأن الحركة الفاشية البيضاء "هي الرد الثقافي بين العامة". ويعتبر أنه وعلى الرغم من أن اليمين المتطرف في أميركا "ولسخرية القدر، حركة تعارض الإدارات والمؤسسات الحكومية، إلا أنه لدينا نفوذ في الإدارة". ويعترف أنه وحركته يحاولون التأثير في قرارات الإدارة الأميركية في السياسات الداخلية والخارجية. ويعتبر هؤلاء أن "قانون منع المسلمين هو قانوننا". "ويقول جورجاني جازماً: نحن محددو سياسات إدارة ترامب".

ويرى جورجاني أن خروج بانون من منصبه، كبيراً لمستشاري البيت الأبيض، "ينذر بأخطار". ومن بين الأخطار، التي يؤمن بها وحركته، ما يرتبط بضرورة "إنشاء تحالفات بين أميركا واليابان والهند وأوروبا بعيداً من العالم الإسلامي. وإذا لم نكن في ألت رايت على رأس هرم السلطة فستحدث أشياء مزعجة، فخلال 25 سنة سيتوازى عدد المسلمين والهندوس في الهند، ونحن مضطرون لوقف ذلك، وأخشى أن وقفه لن يكون جميلاً. علينا أن ندمر باكستان في حرب نووية، والحرب بنفسها ستنهي المسلمين في المنطقة، لأنهم سيقفون إلى جانب باكستان وسيُعتبرون أعداء داخليين، وسنكون أمام حملة تطهير بثمن يصل إلى مئات ملايين البشر".
جورجاني في الواقع ليس وحده من يحمل هذه الأفكار، لكن ملتقى رموز الحركة، وفقاً لباتريك هيرمانسون، "ذهب خطوة أبعد في وضع المخطط ورؤية حول ما ستكون عليه بنية المجتمعات". ويقول جورجاني، أمام الكاميرا السرية، إنه "في 2050 سنكون أمام أوروبا أخرى، على عملتها صور أدولف هتلر وألكسندر الكبير ونابليون بونابرت". ليس السؤال حول واقعية هذه الأفكار المتطرفة، وما إذا كنا حقاً سنشهد خلال ثلاثة عقود "قراءة هتلر كأحد عظماء أوروبا"، كما يقول جورجاني، بل في ما تعمل له حركة تدخل في تنسيق عابر للقارات عزز منه "وصول رجلنا إلى البيت الأبيض".

ويرى هؤلاء الفاشيون في اختيار اللغة والرموز في التخاطب، ورمي الاتهامات كما يفعل ترامب، خطوة جيدة من "المنقذ" أو "المخلص"، كما يطلقون على الرئيس الأميركي الآن. لا يتردد الأخير، برأيهم، في جعل لغتهم ومخاطبتهم للآخرين أمراً عادياً في النصوص اليومية، المشبعة بالعنصرية والاستعلاء والعدوانية تجاه الشعوب الأخرى. وللدلالة على تطور "ثقافة الاستعلاء"، يستعرض الوثائقي كيف حولت الحركة الفاشية الضفدع الأخضر "بيبي" إلى رمز للتهكم العرقي والعنصري، "حتى إذا ضبطوا قانونياً يمكنهم التملص بالقول: لم يكن ذلك مقصوداً بل مجرد مزحة"، ما يعني أنه "يصبح عادياً أن تهين وتوبخ وتنطق عنصرية بحجة المزاح"، كما كشف حديث باتريك مع هؤلاء الفاشيين. ويرى معدو الوثائقي أن ترامب يعيد نشر ما يصدر كجزء من تطبيع الحالة.

كما يكشف الوثائقي عن كيفية تفكير أعضاء "ألت رايت" بالمرأة الغربية، وأنه على الرغم من أن المتطرفين القوميين يقدمون أنفسهم على أنهم "يدافعون عن نساء الغرب من الغرباء (الأعراق الأخرى غير البيضاء)"، نجدهم في شعبويتهم أكثر ميلاً لتحقير النساء وأنهن أقل قيمة من الرجال. ويطالب صاحب قناة يشاهدها الملايين على "يوتيوب"، كولين روبرتسون، والذي يتخذ اسماً مستعاراً هو "ميلنيال ووس"، في "منتدى لندن" في يونيو/حزيران 2016، بمنع "النساء من التصويت"، لأنهن بنظره يشكلن "تهديداً لخطوطك الدفاعية النفسية والقانونية والثقافية" بوجه الآخرين. وبذات القدر الذي يعبّر فيه عن كراهية النساء، يرى أنه "يجب تدمير سفن اللاجئين والمهاجرين في البحر، وإن بطوربيدات لحرقهم". ويشير معدو الفيلم الوثائقي إلى أن جوهر حياة الفاشيين هو معاداة المسلمين والسود والنساء، الذين يُعتبرون عائقاً في وجه تحقيق أهداف الفاشيين. ويطالب روبرتسون، كأي عضو حركة فاشية ومستبدة، متابعيه في إحدى حلقاته "بحفظ أسماء هؤلاء (المعارضين للفاشية) لمحاسبتهم وإعدامهم حين يحين وقت الحساب".

وأخطر ما كشف عنه الوثائقي، هو وجه غريك جونسون، أحد أشهر منظري الفاشية ومن مؤسسي "ألت رايت" وطارح فكرة "الأمة البيضاء"، والتي أراد من خلفها أن يقدم الفاشية باعتبارها حركة أيديولوجية طبيعية بين البيض، لمكافحة التنوع العرقي والثقافي في المجتمعات. وترى منظمة "أمل لا كراهية" أن أهمية الفيلم الوثائقي تأتي من كشفه عن صور غريك جونسون، وغيره من الفاشيين، ومن بينهم دبلوماسيون، مثل الأستاذ في جامعة كاليفورنيا والكاتب والأكاديمي الكرواتي توماسلاف سونيش، ورجال أمن وسياسيون محافظون باتوا اليوم نازيين وفاشيين، معتبرة أن "فضحهم سيثير عليهم محيطهم ومجتمعاتهم الصغيرة والزملاء في العمل". ويشدد جونسون على أهمية "تقسيم المجتمعات" وعزلها عن بعضها لمنع الاختلاط العرقي. وما يثير الانتباه لدى هذا "المفكر الأكاديمي"، كما يصفه أتباع "ألت رايت"، هو ما يشيعه عن "حلول للمسألة اليهودية". ويقول، بلا تردد، إن "الحل المثالي هو ترحيلهم إلى إسرائيل دولتهم الوحيدة". ورداً على سؤال: ألهذا تدعمون إسرائيل؟، يجيب جونسون: "نعم، فأنا أدعم أن يكون لكل عرق مجتمعه الخاص، ولهذا يجب أن يذهب اليهود إلى إسرائيل أو نجمدهم في مجتمعاتنا".

المساهمون