يعتبر مؤتمر المنامة الاقتصادي (ورشة العمل للازدهار والسلام)، من الخطوات العملية لمخطط ما يسمى "صفقة القرن"، والذي يتناول الشق الاقتصادي كمقدمة وأرضية لتطبيق الجانب السياسي العلامة البارزة لسعي اليمين الصهيوني المتطرف، واليمين العنصري في الولايات المتحدة لتصفية القضية الفلسطينية، وفي الحقيقة فإن مشروع مخطط صفقة القرن هو في حيثياته وتفصيلاته من بنات أفكار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومعسكر اليمين الذي يمثله، ولكن بإخراج وديباجة أميركية لتسهيل فرضها على الشعب الفلسطيني، ولتحقيق أهداف سياسية أخرى تتعلق بالإقليم وتشكيل تحالف عربي إسرائيلي لمواجهة إيران وحلفائها، في مسعي إسرائيلي لاقتناص الفرصة التاريخية الكامنة في البيت الأبيض بصعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه المسنود بقاعدة عريضة من المسيحيين الإنجيليين المؤمنين بالنبوءات التوراتية، وبخطاب شعبوي له رصيد بين العنصريين البيض المولعين بالإسلاموفوبيا والخطر القادم من الشرق.
من الواضح أن المجتمع الإسرائيلي بدأ وبشكل تصاعدي بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 يجنح نحو التطرف، وهو ما تم التعبير عنه في صعود أحزاب اليمين والأحزاب الدينية المتطرفة وتشكيلها للائتلاف الحاكم منذ العام 2009 حتى الآن، في مقابل معسكر آخر من الوسط واليسار تراجعت مكانته إلا أنه لا يزال يملك رصيدا وقادرا على المنافسة بقوة، ورغم التناغم التاريخي بين المعسكرين في قضايا الصراع والموقف من القضية الفلسطينية في رفض عودة اللاجئين، وبقاء القدس موحدة تحت السيادة الصهيونية، وعدم العودة إلى حدود العام 1967، إلا أن حمولة التطرف الزائدة خلال السنوات الأخيرة وجسارة الخطاب الديني وتشكل بيئة إقليمية ودولية ربما كاذبة توفر نوعا من الاستقرار الاستراتيجي للكيان، دفع باليمين الديني والعلماني، وفي سياق مزايدات داخلية بين شعارات اليمين المتطرف والأكثر تطرفاً، إلى بلورة رؤية مغايرة في النظرة للقضية الفلسطينية. ففي الوقت الذي استند الوسط واليسار في خطابه على مبدأ حل الدولتين لشعبين، والفصل العضوي على أساس قومي، تجاسرت أحزاب محسوبة على اليمين المتطرف ومن التيار الديني الذي كان حتى وقت قريب لا يولي أي أهميه للحل مع الفلسطينيين بطرح فكرة الدولة الواحدة بقوميتين، وعلى إعادة طرح فكرة "إسرائيل الكبرى"، ورفض فكرة التقسيم والفصل بين الشعبين، على أساس الحق التوراتي التاريخي لليهود حصراً في أرض فلسطين التاريخية، والنظر في الضم والقضم المتدرج للأراضي التي "يقطنها الفلسطينيون" وترحيلهم ربما إلى الأردن أو بلدان العالم الأخرى كحل جذري للمسألة الفلسطينية.
تمايز آخر بين الوسط واليسار واليمين الحاكم طفت معالمه على السطح خلال السنوات القليلة الماضية حول الموقف من السلطة الفلسطينية. ففي الوقت الذي كان فيه الوسط واليسار ينظران إلى السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير كشريك سياسي وأمني حقيقي يمكن التعاطي معه والتوصل إلى شكل من أشكال التسوية حينما تحين الظروف، وبالتالي الحفاظ عليه والسعي لدى الأميركيين للإبقاء على مقومات صموده، بينما ينظر اليمين إلى السلطة على أنها مجرد وكيل أمني تسيرها طبقة فاسدة منتفعة، وليس شريكا سياسيا محتملا، وبالتالي يجب اختزال وظيفتها في الضفة الغربية في الدور الأمني بمحاربة المقاومة الفلسطينية، وتوفير بيئة آمنة للجيش الإسرائيلي والمستوطنين، ولا مانع من تجاوزها بتشكيل أجسام وهيئات بطابع اقتصادي أو عشائري تتواصل مباشرة مع سلطات الاحتلال، مع الاستعداد لإمكانية انهيار السلطة بتضخيم دور ما يسمى "الإدارة المدنية ومكتب التنسيق والارتباط"، وقد سعى نتنياهو واليمين الحاكم في إسرائيل وبالتعاون مع إدارة ترامب إلى تطبيق هذه الرؤية من خلال مقترح صفقة القرن الذي لا يبقي مكاناً للسلطة الفلسطينية ولا يوفر أسباب بقائها ولو من باب المجاملة، وكل الإجراءات الأميركية الإسرائيلية المتكاملة خلال العامين الماضيين تأتي في سياق هذا التوجه الجديد. فقد أوقفت الإدارة الأميركية كل المساعدات المباشرة وغير المباشرة للسلطة الفلسطينية، وأغلقت مكتب منظمة التحرير الموجود على الأراضي الأميركية، وقيام إسرائيل باقتطاع مبالغ كبيرة من أموال المقاصة، والقضاء على كل ما تبقى من أشكال السيادة في الضفة بتكرار الاقتحامات والاعتقالات وتفتيت جغرافيا الضفة وإغراقها بالحواجز والجدران، وإسناد أجسام بديلة لتجاوز الدور التمثيلي للسلطة، والاستعداد للضم التدريجي بدعم أميركي لما تبقى من الضفة الغربية والتي تشكل حوالي 60% من مساحتها من خلال ما يسمى "فرض القانون الإسرائيلي" على المستوطنات وملحقاتها والمناطق الاستراتيجية والعسكرية، وهو ما يعني عملياً إنهاء دور السلطة، أو على الأقل تحويلها في أحسن الأحوال إلى وكيل أمني تابع للاحتلال.
مؤتمر المنامة والانتخابات
رغم أن فشل نتنياهو في تشكيل حكومة من اليمين والإعلان عن انتخابات جديدة في أيلول/ سبتمبر ليست له علاقة مباشرة بالإعلان الأميركي عن مؤتمر البحرين، إلا أن نتنياهو ينظر إلى المؤتمر على أنه ساحة أخرى يمكن توظيفها لصالح دعايته الانتخابية. ونتنياهو ومن خلال تجربة السنوات العشر في الحكم برع في مخاطبة الجمهور ودغدغة العواطف، واقتناص الفرص الانتخابية، وتحويل الأزمات إلى مصدر إلهام للعامة. وعليه فإن نتنياهو لن يألو جهدا في توظيف مؤتمر المنامة لصالح دعايته الانتخابية، ومن المتوقع أن يوجه حدث المؤتمر في سياق الانتخابات على صعيدين:
الأول: يتعلق بمخاطبة جمهور اليمين بشقيه العلماني أو الديني الحريدي، وإبراز دوره في التأثير على الإدارة الأميركية وفي صياغة مخطط صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية والذي سيكون مؤتمر المنامة إحدى ثماره، وهو هنا يريد التذكير بخطوات صفقة القرن التي فرضتها الإدارة الأميركية بفضل جهوده وجهود فريق ترامب المتصهين (ديفيد فريدمان، جاريد كوشنر، جيسون غرينبلات)، وأبرزها الاعتراف الأميركي بالقدس كعاصمة للكيان بعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقف كافة أشكال الدعم المادي لهيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في سياق تصفية حق العودة، وممارسة ضغوط على الأردن للقبول بالوطن البديل، والاستعداد للاعتراف بضم أجزاء من الضفة الغربية لصالح إسرائيل، وممارسة ضغوط على السلطة للقبول بالحل الأميركي.
والثاني: يتعلق بالجمهور الإسرائيلي العام ومن ضمنه اليميني، بإبراز إنجازاته في تطويع العرب وإعادة ترتيب أولوياتهم، والانسياق مع مخططاته العدوانية في المنطقة، والتمثيل على ذلك بمشروع التطبيع الذي يجري على قدم وساق، خاصة مع محور الخليج (السعودية، الإمارات، البحرين)، والعلاقات الاستراتيجية مع النظام المصري، واستبدال أولويات العرب من القضية الفلسطينية إلى مواجهة "العدو الإيراني"، واستبدال خيار التسوية بالسلام الاقتصادي، وربط إسرائيل في المنطقة بشبكة مواصلات وطرق بحرية تجعل منها المركز في الشرق الأوسط. لذلك وحتى الانتخابات الإسرائيلية المقبلة في أيلول/ سبتمبر مروراً بمؤتمر المنامة الاقتصادي، سيحرج نتنياهو "أصدقاءه العرب"، خصوصا الخليجيين منهم، بإطلاق تصريحاته المعهودة بانسجام وتطور العلاقة مع المحيط العربي.
من الواضح أن المجتمع الإسرائيلي بدأ وبشكل تصاعدي بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 يجنح نحو التطرف، وهو ما تم التعبير عنه في صعود أحزاب اليمين والأحزاب الدينية المتطرفة وتشكيلها للائتلاف الحاكم منذ العام 2009 حتى الآن، في مقابل معسكر آخر من الوسط واليسار تراجعت مكانته إلا أنه لا يزال يملك رصيدا وقادرا على المنافسة بقوة، ورغم التناغم التاريخي بين المعسكرين في قضايا الصراع والموقف من القضية الفلسطينية في رفض عودة اللاجئين، وبقاء القدس موحدة تحت السيادة الصهيونية، وعدم العودة إلى حدود العام 1967، إلا أن حمولة التطرف الزائدة خلال السنوات الأخيرة وجسارة الخطاب الديني وتشكل بيئة إقليمية ودولية ربما كاذبة توفر نوعا من الاستقرار الاستراتيجي للكيان، دفع باليمين الديني والعلماني، وفي سياق مزايدات داخلية بين شعارات اليمين المتطرف والأكثر تطرفاً، إلى بلورة رؤية مغايرة في النظرة للقضية الفلسطينية. ففي الوقت الذي استند الوسط واليسار في خطابه على مبدأ حل الدولتين لشعبين، والفصل العضوي على أساس قومي، تجاسرت أحزاب محسوبة على اليمين المتطرف ومن التيار الديني الذي كان حتى وقت قريب لا يولي أي أهميه للحل مع الفلسطينيين بطرح فكرة الدولة الواحدة بقوميتين، وعلى إعادة طرح فكرة "إسرائيل الكبرى"، ورفض فكرة التقسيم والفصل بين الشعبين، على أساس الحق التوراتي التاريخي لليهود حصراً في أرض فلسطين التاريخية، والنظر في الضم والقضم المتدرج للأراضي التي "يقطنها الفلسطينيون" وترحيلهم ربما إلى الأردن أو بلدان العالم الأخرى كحل جذري للمسألة الفلسطينية.
تمايز آخر بين الوسط واليسار واليمين الحاكم طفت معالمه على السطح خلال السنوات القليلة الماضية حول الموقف من السلطة الفلسطينية. ففي الوقت الذي كان فيه الوسط واليسار ينظران إلى السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير كشريك سياسي وأمني حقيقي يمكن التعاطي معه والتوصل إلى شكل من أشكال التسوية حينما تحين الظروف، وبالتالي الحفاظ عليه والسعي لدى الأميركيين للإبقاء على مقومات صموده، بينما ينظر اليمين إلى السلطة على أنها مجرد وكيل أمني تسيرها طبقة فاسدة منتفعة، وليس شريكا سياسيا محتملا، وبالتالي يجب اختزال وظيفتها في الضفة الغربية في الدور الأمني بمحاربة المقاومة الفلسطينية، وتوفير بيئة آمنة للجيش الإسرائيلي والمستوطنين، ولا مانع من تجاوزها بتشكيل أجسام وهيئات بطابع اقتصادي أو عشائري تتواصل مباشرة مع سلطات الاحتلال، مع الاستعداد لإمكانية انهيار السلطة بتضخيم دور ما يسمى "الإدارة المدنية ومكتب التنسيق والارتباط"، وقد سعى نتنياهو واليمين الحاكم في إسرائيل وبالتعاون مع إدارة ترامب إلى تطبيق هذه الرؤية من خلال مقترح صفقة القرن الذي لا يبقي مكاناً للسلطة الفلسطينية ولا يوفر أسباب بقائها ولو من باب المجاملة، وكل الإجراءات الأميركية الإسرائيلية المتكاملة خلال العامين الماضيين تأتي في سياق هذا التوجه الجديد. فقد أوقفت الإدارة الأميركية كل المساعدات المباشرة وغير المباشرة للسلطة الفلسطينية، وأغلقت مكتب منظمة التحرير الموجود على الأراضي الأميركية، وقيام إسرائيل باقتطاع مبالغ كبيرة من أموال المقاصة، والقضاء على كل ما تبقى من أشكال السيادة في الضفة بتكرار الاقتحامات والاعتقالات وتفتيت جغرافيا الضفة وإغراقها بالحواجز والجدران، وإسناد أجسام بديلة لتجاوز الدور التمثيلي للسلطة، والاستعداد للضم التدريجي بدعم أميركي لما تبقى من الضفة الغربية والتي تشكل حوالي 60% من مساحتها من خلال ما يسمى "فرض القانون الإسرائيلي" على المستوطنات وملحقاتها والمناطق الاستراتيجية والعسكرية، وهو ما يعني عملياً إنهاء دور السلطة، أو على الأقل تحويلها في أحسن الأحوال إلى وكيل أمني تابع للاحتلال.
مؤتمر المنامة والانتخابات
رغم أن فشل نتنياهو في تشكيل حكومة من اليمين والإعلان عن انتخابات جديدة في أيلول/ سبتمبر ليست له علاقة مباشرة بالإعلان الأميركي عن مؤتمر البحرين، إلا أن نتنياهو ينظر إلى المؤتمر على أنه ساحة أخرى يمكن توظيفها لصالح دعايته الانتخابية. ونتنياهو ومن خلال تجربة السنوات العشر في الحكم برع في مخاطبة الجمهور ودغدغة العواطف، واقتناص الفرص الانتخابية، وتحويل الأزمات إلى مصدر إلهام للعامة. وعليه فإن نتنياهو لن يألو جهدا في توظيف مؤتمر المنامة لصالح دعايته الانتخابية، ومن المتوقع أن يوجه حدث المؤتمر في سياق الانتخابات على صعيدين:
الأول: يتعلق بمخاطبة جمهور اليمين بشقيه العلماني أو الديني الحريدي، وإبراز دوره في التأثير على الإدارة الأميركية وفي صياغة مخطط صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية والذي سيكون مؤتمر المنامة إحدى ثماره، وهو هنا يريد التذكير بخطوات صفقة القرن التي فرضتها الإدارة الأميركية بفضل جهوده وجهود فريق ترامب المتصهين (ديفيد فريدمان، جاريد كوشنر، جيسون غرينبلات)، وأبرزها الاعتراف الأميركي بالقدس كعاصمة للكيان بعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقف كافة أشكال الدعم المادي لهيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في سياق تصفية حق العودة، وممارسة ضغوط على الأردن للقبول بالوطن البديل، والاستعداد للاعتراف بضم أجزاء من الضفة الغربية لصالح إسرائيل، وممارسة ضغوط على السلطة للقبول بالحل الأميركي.
والثاني: يتعلق بالجمهور الإسرائيلي العام ومن ضمنه اليميني، بإبراز إنجازاته في تطويع العرب وإعادة ترتيب أولوياتهم، والانسياق مع مخططاته العدوانية في المنطقة، والتمثيل على ذلك بمشروع التطبيع الذي يجري على قدم وساق، خاصة مع محور الخليج (السعودية، الإمارات، البحرين)، والعلاقات الاستراتيجية مع النظام المصري، واستبدال أولويات العرب من القضية الفلسطينية إلى مواجهة "العدو الإيراني"، واستبدال خيار التسوية بالسلام الاقتصادي، وربط إسرائيل في المنطقة بشبكة مواصلات وطرق بحرية تجعل منها المركز في الشرق الأوسط. لذلك وحتى الانتخابات الإسرائيلية المقبلة في أيلول/ سبتمبر مروراً بمؤتمر المنامة الاقتصادي، سيحرج نتنياهو "أصدقاءه العرب"، خصوصا الخليجيين منهم، بإطلاق تصريحاته المعهودة بانسجام وتطور العلاقة مع المحيط العربي.