76 شمعة لعبد الفتاح كيليطو

76 شمعة لعبد الفتاح كيليطو

12 ابريل 2021
+ الخط -

أطفأ، أول من أمس، 10 إبريل/نيسان، الناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو شمعته السادسة والسبعين، بعد عطاء متميز، أساسه حب التراث العربي وكنوزه الدفينة، إذ يكتب في مؤلفه الجديد "في جو من الندم الفكري" (منشورات المتوسط، ميلانو، 2020) "لولا الأدب العربي لما كتبت على الإطلاق". وقد نقل لنا عشقه كنوز هذا التراث بطريقةٍ تتميز بالالتقاط والعمق والسبر المتأني. يتعذّر وضع كيليطو في خانة نقدية وأدبية بعينها، فبقدر عنايته الفائقة بالأدب العربي القديم، نراه منفتحا ومجدّدا ومتطلعا على مختلف آداب العالم، حيث كتب عن دانتي وبورخيس وهوميروس، وحلل جملة من الأساطير اليونانية. إنه باحث عن الجمال والغرابة أينما وجدهما، ديدنه في ذلك الحقل الإنساني بروافده المتداخلة. وإلى جانب عنايته بالتراث العربي، بحثاً وقراءة، نراه كذلك يكتب في النقد الأدبي، محللا نصوصا حديثة، كما فعل مع عبد الله العروي ومحمد برادة ومحمد الصفريوي وآخرين. ومن دون أن تُنسى محاولاتُه لمزاولة جنس إبداعي حديث، وهو القصة والرواية، اللائي يكتبهما من دون أن تفلت منه صبغة السحر التي كست جل كتاباته السردية والتأملية والنقدية. ولكن تركيزه واهتمامه الأكبر خصّصه للأدب العربي القديم، الذي تشرّبه من جذوره الأولى، واستوعبه وتمثّله. وأي قراءة أو مساهمة له خارج الأدب العربي القديم تأتي من باب استراحة المحارب العتيد، أو في سياق البحث عن تمثّلات جديدة، يشحذ بها عدّته ليعود إلى مزاولة عمله الأساس، قراءة التراث العربي قراءة جديدة، تؤكد أهمية هذا التراث وعمقه، وتعزّز قيمته بين آداب العالم، كما فعل مثلا مع ألف ليلة وليلة والمقامات وعبقرية الجاحظ وأبي العلاء المعري وآخرين.
يقول عنه صاحب "الاسم العربي الجريح"، عبد الكبير الخطيبي، ملخّصا بذكاء طريقة كيليطو في الكتابة والتأمل: "إنه يكتب بانتباه متحرّر، وبطريقة تدريجية. إلا أنه انتباهٌ مصحوبٌ بنوع من المكر النادر في مجال النقد الأدبي". يتلمّس القارئ في إصدار كيليطو أخيرا جديدا بحثيا، بقدر ما يتلمس متعة جمالية أخّاذة. يشبه كيليطو في هذا الكتاب، وفي كتابين سابقين، ذلك المتقاعد الذي يعيش، وبمتعة خاصة من مدّخراته، فينفقها على مهل وبمتعة وتقتير، فقياسا بأبحاثه الراسخة والمشغولة (يدويا وعقليا) مثل قراءته المقامات وألف ليلة وليلة وتراث أبي العلاء المعرّي وأبي عثمان الجاحظ وغيرهما. وهي مؤلفاتٌ صدرت تباعا عن دار توبقال التي أخلص للنشر فيها منذ تأسيسها عام 1985، حين نشر كتابه "الحكاية والتأويل دراسات في السرد العربي"، وهو كتابٌ مقرّر ضمن مناهج البكالوريا في المغرب. تشبه المؤلفات الأخيرة مقالات عذبة قصيرة، يستريح فيها الباحث الكبير، ويستدرج قارئه إلى المضي الحرّ معه في إعادة تأملاته وبهدوء العارف. وبالطريقة نفسها التي حبّبنا فيها بلغة الضاد والتراث العربي الأخّاذ، حين أعاد اكتشاف أهم كنوزه البديعة، ليعيش القارئ معه كما كان هو يعيش عشقا صوفيا مع اللغة العربية، يُضاف كذلك إتقانه الفرنسية التي ألّف بها كتبا أخرى.
وبالعودة إلى كتابه الجديد "في جو من الندم الفكري"، هو، كسابق تأملاته، جولة عاشقة لكنوز التراث. نرى بين ثناياه جديدا دائما، على الرغم من إخلاص كيليطو إلى قديمه، وإعادة تدويره في بعض الأحيان، حيث يتحدّث، هذه المرة، عن أمرٍ لم يتم التطرق إليه من قبل، وهو عناوين الكتب التراثية القديمة، إذ يكتب، في إحدى فقرات الكتاب: "تثير استغرابنا عناوين بعض الكتب العربية، حين نحاول ترجمتها، فيظهر لنا ألا مفر من تعديلها أو تغييرها لنقلها إلى لغةٍ أخرى. وأقصد بذلك العناوين، وما أكثرها، المبنية على السجع والمحيلة على معادن نفسية وعطور رفيعة وبرود يمنية مزركشة، مثلا قلائد العقيان ومحاسن الأعيان لابن خاقان، ونفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقرّي. لكن بعضها يحتفظ برونقه في الترجمة، مثل مروج الذهب للمسعودي، ودرّة الغواص للحريري. فحين نقرأ نصا عربيا من الماضي يبدو أكثر غرابة من نص فرنسي أو إنجليزي معاصر لنا".

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي