حادثة "المطير"... أيام بعد العيد

حادثة "المطير"... أيام بعد العيد

22 ابريل 2024

طوفان منخفض "المطير" في البريمي شمال غربي عمان (17/4/2024/وكالة الأنباء العُمانية في إكس)

+ الخط -

يَغْرِف العيد شعبياً في عُمان من صناديق الماضي بتنوّعها، ليصير متنفّساً صامتاً لرسم الحنّاء والورس والعطور والذهب، بالنسبة إلى النساء والأطفال، أمّا الرجال فيرتدون عادة الأثواب البيض، ويعتمرون المصار (العمائم) الملوّنة، ويؤرجح بعضهم عصي الخيزران معقوفة الحواف. بعض الأطفال أيضاً، يقلّدون ما يلبسه الكبار، فتنتشر نتيجة لذلك، في الأسواق قبل أيام الأعياد، عصي ومصار صغيرة لهذا الغرض، وهناك من يلبس أطفاله خناجر خشبية صغيرة صُنعت لتحاكي تلك الفضّية التي للكبار، وهي واحدة من مفردات الزيّ العُماني القديم التي تبرز شعاراً في أعلى العلم الرسمي للدولة.
بعد العيد بأيام قليلة، اجتاحت البلاد أمطار استثنائية غزيرة، أطلق عليها اسم "المطير"، خلّفت دماراً على الأرض والممتلكات، والأنكى كان موت أكثر من 18 شخصاً، بينهم 12 طفلاً قادمين من مدارسهم عائدين إلى بيوتهم بعد أن سرّحتهم إدارات المدارس، وكادت أن تنهار مدرسة مبنية على شاطئ الوادي بعد غرق طابقها الأول، فاضطر نحو 600 تلميذ إلى الالتجاء إلى سطحها، وكاد الأمر أن يتحول كارثةً كبيرةً، لولا لُطف الله.
شكّلت الطبيعة عبر الزمن حفراً ومجاري لها، وطرقاً تنتهي لتصبّ في البحر، فالأودية تَعرِف طريقها بسهولة، وكان من البديهي أن يبني الإنسان منشآته ومساكنه بعيداً عن هذه الطرق الموسمية للمياه، فضلاً عن السعي لتهيئتها وتوسعتها قدر الإمكان، بدل القضم منها في كل مرّة لمصلحة أراضٍ عديد منها ممتلكات خاصة، حصل عليها أصحابها في غفلة من المحاسبة بسبب ما كان سائداً في الحقبة الماضية من استغلال مكشوف للمناصب لصالح الثراء الشخصي والعائلي، ما يُعدّ تهجّماً على الوادي واستفزازاً للطبيعة، وهناك من قام بكبس بعض المجاري المائية لمصلحة مشروع ما، لذلك فإنّ تيار الماء النشط انحرف عن مجراه إلى أماكن جديدة، بعضها بعيد عن مجاري الأودية، ما سبّب إغراق بيوت لم يتهجّم أصحابها على الوادي أو يعتدوا على طريقه الطبيعي. لا بدّ من مصارحة لتلافي الخطر مستقبلاً. وقبل ذلك، لا بد من مصادقة الطقس ومهادنته بدل تحدّيه وعناده. رغم أنّ الأرصاد الجوية العُمانية كانت دقيقةً في وصف خطورة الحالة قبل وقت حدوثها، فحدّدت حتى المناطق الأكثر تضرراً (شمال شرقيّ عُمان) لكنّ الإعلام بها اقتصر على الوسائل المعروفة من تلفزيون وإذاعة وصحف ووسائل اتصال حديثة، الأمر الذي يستدعي ضرورة وجود دائرة للمخاطر في وزارة التربية والتعليم (المعنية بالمدارس الحكومية والخاصة)، وكذلك وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار (المعنية بطلبة الكليات والجامعات الحكومية والخاصة). صحيح أنّ هاتين الوزارتين غير معنيتين بالمخاطر العامة، ولكن صار ملحّاً، بعد أن أخذ الطقس في عُمان، في بعض الأحيان، منحىً عاصفاً، إنشاء هيئات للتنسيق، بخاصة أنّ معظم الضحايا تعرّضوا للخطر في أثناء عودتهم من المدارس، فتسريح الطلبة مع وجود مخاطر خارجية سبب في حدوث هذه الكارثة، فلو كان ثمّة مرجعية في الوزارتين تأخذ منهما المدارس الإذن في تسريح الطلبة، بدلاً من أن يكون التسريح تقديريّاً وعفويّاً من طرف إدارات المدارس، من دون حسبان المخاطر الطبيعية المترصّدة في الطرق والأدوية، التي تنطلق وتنشط مع هدوء الطقس أحياناً، وتوقّف المطر أحياناً أخرى، وذلك لأنّ السُّحب الماطرة تتحرك وتقف وقتاً أطول في أماكن فيها أحواض جبلية لتملأها، ستنطلق بدورها نشطة عبر مجراها التاريخي القديم لتصبّ في البحر. ولكن بما أنّ بعض هذه المجاري قد حُرف عن مساره بسبب التدخّل البشري عبر الزمن، أصبحت المنبسطات الأرضية في هذه الحالة معرّضة لهجوم تيارات الماء. تتكرّر الحوادث التي يكون الأطفالُ ضحيَّتَها بأشكال مختلفة طوال العام، ووجود جهة لرصد المخاطر في الوزارتين ستأخذ في حسبانها أكثر من خطر يُحدق بطلبة وتلاميذ المدارس والجامعات، بما فيها النقل العام الذي تعتريه، أحياناً، بعض المخاطر الطرقية. وبالنسبة إلى الأشخاص المتعدّين على الوادي برغبتهم الكاملة، إن صحّ التعبير، إذ قضى في هذه الجائحة عدة مواطنين خاضوا في مياه الوادي مع سياراتهم، ولم يسلموا من غضب التيار، فمن المهم تكثيف الإشارات المنبّهة على الخطورة، وتسيير دورياتٍ مكثّفة لمنعهم، وتغليظ مخالفاتهم مقابل المغامرة والعبور غير المحسوب.

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي