06 نوفمبر 2024
بحثاً عن "عروبة" غائبة
يؤثر عن المفكر العروبي، ساطع الحصري، أنه قال إن سبب هزيمة العرب، في حربهم الأولى مع الدولة الصهيونية، أنهم كانوا سبع دول، ولو امتد به العمر لاكتشف أن سبب الهزائم التي منينا بها طوال العقود التي أعقبت تلك الهزيمة أننا تناسلنا دولا اثنتين وعشرين، ولا نزال نتناسل دويلاتٍ ومحمياتٍ ومخيماتٍ على خطوط طول وعرض مفتوحة، ولم نعد نفكّر بمشاريع توحيد أو وحدة، بل حتى بمواقف واحدة في أبسط ميادين الثقافة أو الرياضة أو الفنون.
مع هذه النظرة المفعمة بالسواد، يظل في عالمنا اليوم ثمّة ما هو مدعاة للزهو والفخر، أن تسجل دولة عربية انتصارا في معركةٍ ما، أن تقدم إنجازا أمام محفلٍ ما، أن تحظى بمقعدٍ في منظمة دولية، أن تفوز بمباراة رياضية عالمية، أو حتى أن تدخل موسوعة غينيس برقم قياسي في صنع صحن من "التبولة"، فذلك كله يثير في أعماقنا إحساسا بالرضا، وشعورا بالفرح. لا يهم شكل النظام السياسي في تلك الدولة أو اسم حاكمها، ولا يهم أن نكون متفقين مع سياساتها الداخلية أو مختلفين، أو أن نكون راضين عن نهجها في التعامل مع العالم الخارجي أو ساخطين، ذلك كله لا يدخل في الاعتبار، لأن الانتصار الذي تحرزه أو الإنجاز الذي تحققه هو في محصلته لنا جميعا، وبعد ذلك أو قبله، هو يزكّي عروبتنا، ويطمئننا أننا ما نزال بخير، وأننا على قدرٍ من التضامن والوحدة، أقلها في ميادين الثقافة والرياضة والفنون.
يثيرنا بالقدر نفسه أن تكيد دولة عربية لدولة شقيقة لها، أن تؤلب الخصوم عليها، أن تسعى إلى إفشالها، أن تتنافس معها بطرق غير شريفة، فذلك ينزع عنها عروبتها، وينسف كل مقولاتها عن الأخوة، والجيرة، والآمال المشتركة، كما ويحبط أحلامنا في أن ندخل إلى العصر الذي تخلفنا عنه بمسافة قرون.
مناسبة هذه التداعيات مجموعة وقائع انثالت أمامنا في الأسبوعين الأخيرين: حصلت مصر على بطاقة التأهل إلى نهائيات كأس العالم، ومنحتنا موجة فرح وفخر. لم نسأل ساعتها عن سياسات مصر ومواقفها. خرج الفريق السوري من تصفيات المونديال، وغمرنا أسىً وأسف، ولم نسأل عن حاكم سورية، وهل سيكون له دور في المرحلة التالية. اختارت مجلة فوربس الأميركية خمس نساء عربيات في قائمة النساء الأكثر قوة وإنجازا وتفوقا هذا العام. صفقنا لهن ولم نسأل عن البلد العربي الذي تنتمي له كل واحدة منهن. وحصل أديبان مصريان على جائزة قطرية، ولم يمنع أنهما من مواطني دولة تقاطع قطر لجنة الجائزة الانحياز إلى الحكم المنصف والنزيه.
وفي موازاة ذلك، ثمة مقادير من أسى وسخط، إثر حملة لكتاب وصحافيين، ولمسؤولين رسميين أيضا في هذه الدولة العربية أو تلك، بغرض تثبيط جهود دولة شقيقة أو إعاقتها في مجالات تخدم العرب، وتعلي من قدرهم، وتحجز مكانة لهم بين الأمم، أو تحقق تأثيرا أو نفوذا لهم في هذا المجال أو ذاك. لا بأس من ذكر نتف من وقائع هذه الحملة: وقوف عضو في البعثة المصرية في "اليونسكو" داخل أروقة المنظمة، ليهتف لحظة فوز الفرنسية أدوريه أزولاي أن "تحيا فرنسا وتسقط قطر"، وقد نال هتافه ما استحقه من سخط، فيما سادت موجة ارتياح، حين رد ممثل قطر عليه: "بل تحيا مصر وتحيا قطر". الكشف عن أن وزير خارجية مصر، سامح شكري، هجر مكتبه في القاهرة أسبوعا، ورابط في باريس، ليقود حملة استعداء على قطر، وقد تخلى عن دبلوماسيته، ولا نريد أن نقول عن عروبته، عندما طالب برفض المرشح القطري والتصويت لمرشحة فرنسا.
لا بأس أيضا من الإشارة بأسف إلى تدني مستوى بعض طروحات صحافية بخصوص الموضوع، ما زعمته صحيفة اليوم السابع المصرية عن اكتشاف خطة لاستبعاد الأهرامات وأبو الهول من سجلات التراث العالمي، كان سينفذها الإرهابي القطري (هكذا وصفته)، فيما لو قدر له الفوز برئاسة المنظمة، وكذا محاولة صحيفة الرياض السعودية النيل من مكانة مرشح قطر، حمد الكواري، ووصفها إياه بأنه "بلا تاريخ ثقافي، وبلا ثقافة".
حدث هذا كله وأكثر منه، لأن "العروبة" كانت غائبة أو مغيبة بفعل شرير، وقد نحتاج زمنا أطول، حتى نعثر عليها، ونعيدها إلى طريق السلامة والعافية والأمان.