سحر الهنيدي.. بروباغندا الفنّ الصهيوني قبل 1948

سحر الهنيدي.. بروباغندا الفنّ الصهيوني قبل 1948

02 نوفمبر 2023
سحر الهنيدي خلال الندوة
+ الخط -

لا يُمكن الحديث عن الفنّ دون التطرّق إلى السياسة، لكن ماذا عن البروباغندا؟ ومتى يستحيل الحديث عن فنّ أصلاً وينحدر إلى مجرّد حالة دعائية؟ هذا ما تناولته الباحثة الفلسطينية سحر الهنيدي في محاضرتها "الفن والبروباغندا في الفكر الصهيوني (1879 - 1948)"، التي سبق وأن قدّمتها في "منصة الفنّ المعاصر- كاب" بالكويت العاصمة، وتصدر قريباً كجزء من كتاب يتناول الموضوع بشكل أوسع. صحيح أن المُحاضَرة توقّفت عند عام النكبة، إلّا أنّ التمعُّن في أصول وإستراتيجيات البروباغندا الصهيونية في تلك المرحلة، لا ينفصل عمّا تُروّج له الدعاية الإسرائيلية، اليوم، والأدوات التي تتوغّل عبرها في حقول الآداب والفنون.

انطلقت الهنيدي من العقدَين الأخيرين في القرن التاسع عشر، اللذين انعكست فيهما العنصرية الأوروبية (نظريات تفوّق العِرق الآري) على المجموعات اليهودية المؤسّسة للصهيونية، وبالتالي أصبحنا أمام جبهة متماثلة العناصر، وإن لم تكن قد تبدّت الرؤية داخل تيارات الصهيونية، بين من يريد الاكتفاء بالنظر السياسي، وآخرين يريدون الانتقال إلى الممارسة التنفيذية، والبعض أراد حصر النشاط بالفكري والروحي. لكنّ كل ما سبق أفسح المجال لمؤتمر الحركة الصهيونية الأوّل أن ينعقد عام  1897، بتدبير ثيودور هيرتزل.

هذا المؤتمر نمّى البروباغندا الفنية، حسب المُحاضِرة، حيث استُكملت رؤيتُه مع المنظّر ماكس موردو، في  المؤتمر الصهيوني الثاني، والذي أشاع فكرة "اليهودي القوي" التي بنى عليها رسّامون ومصوّرون مثل إيفريم ليلين الذي استلهم في المُلصقات التي صمّمها فكرة الخروج من الغيتو، وكذلك المُنظِّر مارتن بوبر (1878 - 1965) الذي نادى بأنّ القوّة اليهودية الفيزيائية لا تكفي من غير نهضة روحية، وبدأ بفتح دُور نشر يهودية، ودعم مجلّة "شرق غرب"، التي حملت على عاتقها مهمّة التقريب بين يهود العالم، وتسخيرهم في الحركة الاستعمارية الاستيطانية على أرض فلسطين.

انعكست عنصرية التفوق الأوروبية في الدعاية الصهيونية

ولمّا كانت هذه "الفنون" مُنقطعة عن سياقها الاجتماعي، ولا سند تاريخياً حقيقياً لها، فإنها اعتمدت تقنيات تحوير في الصورة والمخيال. من هنا انتشر مُلصق (من أعمال ليلين) لهيرتزل تظهر وراءه القدس، في حين أنّ الصورة الحقيقية مأخوذة عند ضفّة الراين، بمعنى أنّ ليلين كان واعياً تماماً لصنيعه كبروباغندا. وهذا ما استكمله مؤسّسو "مدرسة بيزالل" في القدس، عام 1906، عندما بدأوا باختراع الموتيفات من خلال السطو على النباتات والحيوانات الفلسطينية الغريبة عن خلفياتهم الأوروبية، وتوظيفها في أعمالهم، وكذلك استخدام الخطّ العبري في الزخرفة المُختلقَة.

وختمت الباحثة الفلسطينية بالإشارة إلى أنّ "الصندوق القومي اليهودي" اعتمد بشكل كبير على صناعة المُلصقات، وتصوير المزارعين الصهاينة في أرض فلسطين على أنهم في "الجنّة الموعودة"، حيث نشر الصندوق عام 1925 مجموعة من هذه الملصقات احتفالاً بوضع اليد على أكثر من مائة ألف دونم، إلى جانب طوابع ومصلقات "السابرا" (الفتى المولود في المستمعرات وليس في غيتوهات أوروبا)، والتي انتشرت في فترة ما قبل 1948، وظلّت تُنتَج إلى حدود السبعينيات.

يُذكر أنّ سحر الهنيدي باحثة فلسطينية حاصلة على دكتوراه في التاريخ من "جامعة مانشستر" (1995). عملت في "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" في الكويت بين عامَي 1987 و1998، ومديرة لتحرير سلسلة "عالم المعرفة". من مؤلّفاتها: "التأسيس البريطاني للوطن القومي اليهودي، فترة هربرت صامويل، 1920- 1925" (2003)، ولها في الترجمة: "اختلاق إسرائيل القديمة: إسكات التاريخ الفلسطيني" (1996) لـ كيت وايتلام، كما اشتركت في وضع كتاب "مئة عام على تصريح بلفور: الثابت والمتحوّل في المشروع الكولونيالي إزاء فلسطين" (2019).

 

المساهمون