نفقات متضخمة تخلق أكبر عجز بالعراق في 16 عاماً

04 سبتمبر 2019
تزايد العجز يؤثر سلباً على مختلف القطاعات (Getty)
+ الخط -

يبدو أن العراق على موعد جديد مع العجز المالي خلال العام المقبل 2020، إلا أن العديد من المؤشرات وتقديرات نواب في البرلمان، تُظهر أنه سيكون الأسوأ في نحو 16 عاماً في ظل تراجع الموارد، وارتفاع كلف الديون والحرب.

ومن المقرر أن تبدأ اللجنتان المالية والقانونية في البرلمان العراقي نهاية سبتمبر/أيلول الجاري، في إجراء مناقشات حول الموازنة الجديدة وسط توقعات بوصول العجز إلى 30 مليار دولار، مقابل 23.3 مليار دولار خلال العام الحالي.

وقال نائب في البرلمان، إن "العراق قد يواجه أزمة غير مسبوقة في موازنة العام المقبل، لذا العمل بدأ مبكراً هذا العام في بحث إجراءات الحكومة وما ستفعله مع عجز يتوقع أن يكون كارثياً حال انخفاض أسعار النفط عن المستويات الحالية أو حدوث توترات في مضيق هرمز تؤدي إلى تذبذب صادرات النفط عبر البصرة، التي يجري عن طريقها تصدير 90 في المائة من الخام العراقي".

وأضاف البرلماني الذي فضل عدم ذكر اسمه في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة تُعتبر سبباً رئيسياً في العجز المتوقع تسجيله خلال العام المقبل، كما يتحمل البرلمان جزءا كبيرا من المسؤولية".

وأوضح أن "الحكومة لم تحصل على دولار واحد من عائدات تصدير النفط من جانب إقليم كردستان (شمال العراق) رغم الاتفاق الذي أبرمته مع أربيل مطلع العام الجاري، بل ودفعت الحكومة الاتحادية بضعة مليارات للإقليم ضمن حصته من الموازنة العامة للدولة".

وحسب البرلمان العراقي، فإن "الحكومة فتحت كذلك الباب أمام عشرات الآلاف من القوى الأمنية والجيش للعودة إلى العمل وتوظيف آخرين بالجملة وتحويل عقود مؤقتة إلى ثابتة، وتخصيص مبالغ لمشاريع كان يمكن تأجيلها".

وأشار إلى أن العراق على موعد مع سداد قروض للعديد من الدول وبنوك أجنبية في فترات ماضية، إذ تضغط بعضها من أجل تحصيل أموالها، ومنها الولايات المتحدة وإيران والصين وفرنسا، لافتا إلى أن هذه الديون تم توجيهها لشراء أسلحة ومعدات قتالية للجنود العراقيين خلال الحرب على الإرهاب.

وقال النائب إن "حكومة نوري المالكي الثانية (2010 ـ 2014) أغرقت البلاد بقروض بشروط سيئة، وزادت عليها الحكومة السابقة برئاسة حيدر العبادي، التي كانت مضطرة بفعل اتساع رقعة القتال مع تنظيم داعش، وحاجة البلاد للسلاح لزيادة حجم الديون".

ووفق البرلماني نفسه، فإن "المعطيات الحالية تؤكد أن العجز قد يصل إلى 30 مليار دولار إذا لم تتمكن الحكومة من إجراء إصلاحات سريعة".

وأظهرت بيانات صادرة عن وزارة النفط، يوم الأحد الماضي، تراجع إيرادات مبيعات النفط على أساس شهري في أغسطس/آب الماضي إلى 6.34 مليارات دولار، مقابل 6.69 مليارات دولار في يوليو/تموز.

ويأتي تراجع الإيرادات على الرغم من ارتفاع كميات البيع، إذ نمت الصادرات بنسبة 1.04 في المائة خلال الشهر الماضي، لتصل إلى 111.7 مليون برميل، مقابل 110.54 ملايين برميل، فيما بررت الوزارة هبوط الإيرادات بتراجع سعر برميل النفط إلى 56.77 دولارا، مقارنة بـ60.5 دولارا في يوليو/تموز.

والعراق، ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بعد السعودية، بمتوسط إنتاج 4.7 ملايين برميل يومياً.

وقال جمال كوجر، عضو اللجنة المالية في البرلمان: "نحن أمام عجز كبير متوقع، إذا تم احتساب سعر البرميل على 53 دولارا، خاصة أنه من المقدر أن تقتطع مرتبات الموظفين والعاملين ومخصصات شبكات الرعاية الاجتماعية نحو نصف الموازنة التي يتوقع أن تصل إلى نحو 139 تريليون دينار (116 مليار دولار)".

وأضاف أن البرلمان سيضع فقرة في الموازنة لمنع حكومة عادل عبد المهدي من الاقتراض، لأن البلاد تغرق بالديون الخارجية، بينما لا يوجد تقرير رسمي معتمد من قبل السلطات عن حجم الديون التي تقع على كاهل البلد".

وتابع كوجر أن "هناك تقديرات بناء على تصريحات مسؤولين سابقين ونواب في البرلمان تشير إلى تجاوز الديون الخارجية 100 مليار دولار، عبارة عن ديون مستحقة لأكثر من 18 دولة، عدا عن عشرات البنوك والمؤسسات المالية، وتم اقترضها بعد عام 2003، وأخرى بذمة العراق قبل عام 2003، وهي عبارة عن غرامات فرضتها العقوبات الدولية على بغداد جراء غزوه الكويت عام 1991 وديون لصالح السعودية أيضا".

وتقترض الحكومة خلال العام الحالي فقط 27 ديناً داخلياً وخارجياً، لتغطية عجز الموازنة الذي يناهز الـ 23.3 مليار دولار. وتتوقع موازنة 2019 نفقات بقيمة 112.6 مليار دولار، مقابل إيرادات تصل إلى 89.3 مليار دولار.

وبُنيت هذه الأرقام على متوسط سعر برميل النفط عند 56 دولارا وبمعدل تصدير يبلغ 3.8 ملايين برميل يومياً. وتعد هذه الموازنة الأكبر في تاريخ العراق، وهي تزيد بحوالي 45 في المائة عما كانت عليه في 2018، والتي لم تتجاوز الـ78 مليار دولار.

وقال مسؤول حكومي لـ"العربي الجديد" إن رئيس الحكومة لم يستجب لنصائح خبراء دوليين من صندوق النقد والبنك الدوليين بضرورة تقليص الإنفاق وإيقاف التعيينات، وتوفير مناخ لجذب الشركات الأجنبية لخلق فرص عمل. وبحسب الإحصائيات الرسمية، تبلغ نسبة البطالة في العراق 22.6 في المائة.

بدوره، وصف عبد الهادي السعداوي، عضو اللجنة المالية في البرلمان، موازنة 2020 بأنها الأسوأ في تاريخ العراق، مشيرا إلى أن المحاولات جارية لبحث كيفية خفض العجز المقدر فيها".

بدوره، قال أحمد مظهر الجبوري، النائب عن تحالف القوى (تكتل داخل البرلمان) إن "المشكلة الحقيقية في الديون الواجب سدادها، وهي ديون كبيرة جداً وبدأت تستحق على العراق، وهذا سيثقل كاهن الموازنة في 2020".

وأضاف مظهر لـ"العربي الجديد"، أن أزمة العجز المالي تأتي في وقت تحتاج البلاد بشكل أكثر إلحاحاً لإعمار المناطق المحررة من داعش وتثبيت الاستقرار فيها، لافتا إلى أنه على الحكومة عدم المسّ بمرتبات المواطنين ومشاريع الإعمار وتأهيل المناطق المحررة.

من جانبه، قال علي السعدي، الخبير المالي إنه "يجب أن تكون النفقات أقل خاصة مع انتهاء الحرب، لكن معدل الإنفاق لا يزال مرتفعاً"، مضيفا أن "المرتبات والفساد المالي والديون عوامل ثلاثة تؤدي إلى العجز".

وأضاف أن "على الحكومة البدء فورا في خطة طوارئ اقتصادية لمواجهة العجز الكبير المحتمل العام المقبل، عبر تقديم حزمة إغراءات في قطاع الاستثمار ومعالجة مخاوف الشركات من سطوة المليشيات المسلحة، وترشيد الإنفاق وإلغاء برامج ومشاريع غير مهمة والتركيز على المشاريع المتعلقة بالكهرباء والمياه والتعليم والصحة وتأجيل ما سواها من مشاريع والتفاوض مع الدول الدائنة من أجل تمديد فترة السداد".

المساهمون