شرارة لبنان والعراق: إفقار وفساد يُوصلان دولاً عربية إلى حافة الانفجار

08 نوفمبر 2019
تظاهرات غاضبة في العراق (محمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن الاحتجاجات الساخطة التي يشهدها العراق ولبنان، ضد تردي الظروف المعيشية واستشراء الفساد، لن تتوقف عند حدود البلدين، فثمة مؤشرات على إمكانية حدوث انفجار شعبي في العديد من الدول العربية، منها مصر والأردن والسودان والجزائر وتونس، وربما بلدان خليجية، في موجة جديدة أشد حدة من ثورات الربيع العربي، التي خرجت قبل نحو تسع سنوات، رافعة مطالب العيش والعدالة الاجتماعية وصولاً إلى الكرامة. 


ويتسع الغضب الشعبي في العراق، ليمتد إلى حد استخدام النفط والموانئ سلاحاً من قبل المتظاهرين لإرغام الحكومة على الاستجابة لمطالبهم بتحسين الخدمات والتشغيل ومحاربة الفساد، كما تتزايد ضغوط المحتجين في لبنان، بعد إجبار رئيس الحكومة سعد الحريري، على الاستقالة نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وها هي مصر بدأت إرهاصات الغضب الشعبي، تتشكل فيها من جديد بخروج غاضبين إلى الشوارع في سبتمبر/أيلول الماضي، بعد ظهور فضائح فساد طاولت الرئيس عبد الفتاح السيسي وقيادات في الجيش، فضلا عن الضيق من سياسات الإفقار التي اتبعها النظام على مدار ست سنوات. وبدت الحكومة الأردنية، قلقة أيضا من امتداد الغضب الحالي في دول الجوار، ما دعاها إلى إطلاق محفزات اقتصادية، إلا أن خبراء رأوا أنها غير كافية لإيقاف الحراك المندد بارتفاع معدلات البطالة والفقر وموجات لا تتوقف من الغلاء.


كما لا تزال أزمات الخبز والوقود وشح السيولة النقدية، تطل بوجهها بين الحين والآخر في السودان، رغم الوعود الرسمية بإنهائها عقب إطاحة الجيش الرئيس عمر البشير في إبريل/نيسان الماضي، بعد نحو أربعة أشهر من التظاهرات الحاشدة ضد نظامه بسبب تردي الظروف المعيشية. ورغم تحقيق تونس نجاحات سياسية، بتداول ديمقراطي للسلطة، فلا تزال الدولة تشهد احتجاجات مطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية والتشغيل، ما يثير قلق خبراء اقتصاد، من إمكانية تجدد الغضب الشعبي حال استمرار العديد من الصعوبات المعيشية.

وفي الجزائر، تسببت السياسات التقشفية التي اتبعها نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة منذ تهاوي أسعار النفط في 2014، في تراجع القدرات الشرائية وارتفاع البطالة وتوقف الكثير من المشروعات، ما يجعل دخول البلاد مرحلة سياسية جديدة مغلفة بسخط شعبي متراكم يزيد من تحديات الخروج من المأزق الموروث.

ويبدو أن محطات الغضب لن تتوقف عند حدود هذه الدول، فقد تمتد إلى بلدان خليجية، ومنها البحرين، التي تشهد بالفعل منذ سنوات صعوبات اقتصادية كبيرة، دفعت حلفاءها في السعودية والإمارات والكويت إلى الإعلان عن مبادرة إنقاذ لم تكتمل بعد.

 

واقع مصري متداعٍ

مؤشرات متداعية عن واقع الاقتصاد المصري، حاول نظام السيسي التقليل منها وربما إخفاءها على مدار السنوات الست الأخيرة، رغم حصوله على قروض ضخمة واتخاذه إجرءات مؤلمة للفقراء ومحدودي الدخل عبر رفع الأسعار وتقليص الدعم بمختلف أنواعه. ورصدت "العربي الجديد" العديد من المؤشرات الاقتصادية، التي تظهر تردي مستوى المعيشة، وتراجع القدرات الشرائية بفعل الغلاء المستمر، ليتفاقم الفقر بين السكان البالغ إجمالي عددهم 100 مليون نسمة.

فقد قفزت أسعار السلع الغذائية التي تستحوذ على ما يقرب من 40 في المائة من إنفاق المصريين، بنحو 300 في المائة في المتوسط، وانفلتت أسعار المواد البترولية بنسبة 800 في المائة، والكهرباء 400 بالمائة. وأشار تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي في يوليو/تموز الماضي، إلى أن نسبة الفقراء خلال العام المالي 2017/ 2018، هي الأعلى مقارنة بالأعوام العشرين السابقة، إذ بلغت 32.5 بالمائة، مقابل 27.8 في المائة في تقرير 2015، بينما يشير خبراء اقتصاد إلى أن النسبة الحقيقية تتجاوز هذه المعدلات كثيراً.

وفي دراسة للدكتورة هبة الليثي أستاذة الإحصاء بجامعة القاهرة، جرى استعراضها خلال ندوة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية في 25 سبتمبر/ أيلول الماضي، تبين أن 52 في المائة من الفقراء في المناطق الريفية لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغيره، مشيرة إلى أن ثلثي الفقراء في مصر يسكنون الريف. وإلى جانب سياسات الإفقار، يزداد السخط الشعبي المكتوم، من فساد وإهدار للمال العام بعشرات مليارت الجنيهات في بناء قصور للسيسي وفنادق ومشروعات كبرى من دون جدوى اقتصادية، منها العاصمة الإدارية الجديدة في صحراء شرق العاصمة القاهرة.

 

سخط أردني من الضرائب

تجددت في الفترة الأخيرة بالأردن، الاحتجاجات الشبابية المطالبة بتوفير فرص عمل، وزيادة الرواتب وتحسين الظروف المعيشية، في مؤشر على إمكانية اشتعال الحراك الشعبي المطالب بهدنة من الغلاء والفقر. وكان الأردن قد شهد في مايو/أيار من العام الماضي 2018، احتجاجات واسعة ضد رفع الأسعار وزيادة الضرائب، انتهت بإقالة حكومة هاني الملقي، والتراجع عن قرار رفع أسعار المحروقات وإقرار قانون جديد لضريبة الدخل. وقال جمال قموه، عضو مجلس النواب، إن "على الحكومة أن تعي جيدا حالة الاحتقان التي يمر بها الشارع، بسبب ارتفاع الأسعار، وعدم توفر فرص العمل، ولا توجد لدى المواطن القناعة الكافية بجدية الحكومة بمحاربة الفساد". وأضاف قموه لـ"العربي الجديد" أن "الساحة العربية باتت مفتوحة على بعضها البعض، وبالتالي فإن الشارع يتأثر حاليا بما يجري تحديداً في لبنان والعراق، وقبلها في عدد من الدول العربية، ما يستدعي تخفيض الضرائب والرسوم الجمركية، خاصة على السلع الغذائية وهذا ما سيهم المواطن بشكل مباشر".

 

أزمات سودانية مستمرة

وفي السودان لا يستبعد محللون اقتصاديون تجدد الاحتجاجات، في ظل عدم الوصول إلى حلول نهائية للأزمات المعيشية المتكررة. وحذر عبد الله الرمادي، المحلل الاقتصادي، من حدوث تعبئة شعبية جديدة والعودة للشارع، الأمر الذي يستدعي سرعة حل المشاكل ذات الصلة المباشرة بمعيشة الناس. وقال الرمادي لـ"العربي الجديد" إن تأزم الوضع في الكثير من الدول العربية ومنها السودان، يأتي بفعل سوء إدارة الموارد والمرافق واستشراء الفساد، ما أدى إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ودفع المواطنين إلى الخروج للشارع نتيجة الغضب من عدم وجود أفق للخروج من الضيق المعيشي للكثيرين.

 

احتجاجات مستمرة تونس

وفي تونس، رصد منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تسجيل 1986 تحركاً احتجاجيا خلال الربع الثالث من العام الجاري، مقابل 1789 تحركا خلال نفس الفترة من 2018. وتظل محافظة القيروان وسط غرب تونس، الأكثر تسجيلا للاحتجاجات، تليها محافظة قفصة (جنوب غرب). وقال رمضان بن عمر، رئيس المنتدى لـ"العربي الجديد" إن الحكومات المتعاقبة على مدار السنوات التي تلت الثورة مطلع 2011، لم توفق في إخراج البلاد من أزماتها، وإيلاء العناية اللازمة للقطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والنقل، مضيفا أن الاحتجاج والخروج للشوارع لا يزال الملجأ الطبيعي للمواطنين في المناطق الضعيفة (الفقيرة) والقطاعات المعرضة للتهميش.

 

التقشف يرهق الجزائريين

لم يكن الحراك الشعبي الذي تعيشه الجزائر منذ 22 فبراير/شباط الماضي، بسبب الرغبة في إحداث تغيير سياسي فحسب مع تزايد الرفض آنذاك لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لفترة رئاسية جديدة، فقد كان الغضب من سياسات التقشف التي أدت إلى تراجع القدرات الشرائية للمواطنين محركا إضافيا لهذا الحراك. وقال المواطن عمر شهوان، الذي يعمل موظفا في شركة عمومية لـ"العربي الجديد" إن "الشعب خرج فعلاً من أجل إسقاط نظام بوتفليقة ومحاسبة الفاسدين، وهذا تحقق بالفعل، لكن بالمقابل ماذا تغير في حياة الجزائريين، لا تزال هناك بطالة متزايدة ودخول لا تكفي متطلبات الحياة".

 

البحرين داخل دائرة الغضب

لا تبدو البحرين بعيدة عن دائرة الغضب، التي تحيط بالعديد الدول العربية، حيث يتصاعد القلق في المنامة وفق محللين، من عدم قدرة الداعمين الخليجيين على استكمال حزمة الإنقاذ التي تعهدوا بها في أكتوبر/ تشرين الأول 2018. فقد تلقت حكومة البحرين تعهدات بعشرة مليار دولار من السعودية والإمارات والكويت، بعدما دفعت أسعار النفط المنخفضة دينها العام للارتفاع إلى حوالي 93 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وتضرر عملتها، ما أثار قلقا حول الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلد الأفقر خليجيا من حيث الموارد النفطية. ومن أصل المساعدة الخليجية، تسلمت البحرين 2.3 مليار دولار العام الماضي، بينما تتوقع الحصول على 2.28 مليار قبل نهاية 2019، حسبما قالت الحكومة في مايو/ أيار 2019، ومن المقرر أن تتسلم بعدها 1.76 مليار دولار في 2020 و1.85 مليار في 2021 و1.42 مليار في 2022 و650 مليون دولار في 2023. لكن تضرر العوائد السعودية بشكل بالغ من الهجمات المتكررة على منشآتها النفطية، وكذلك تراجع النمو الاقتصادي في الإمارات، ومواجهة الكويت عجزاً في موازنتها، عوامل قد تعطل الدعم نحو البحرين.

المساهمون