الورقة الأخيرة للحكومة العراقية قبل المظاهرات: توزيع أراضٍ سكنية لاحتواء غضب الشارع

24 أكتوبر 2019
العراقيون يعانون من أزمة إسكان حادة(عطا كناري/ فرانس برس)
+ الخط -

قبيل موعد تجدد المظاهرات الشعبية في العراق المرتقبة، غداً الجمعة، رفعت حكومة بغداد من وتيرة قرارات توزيع قطع الأراضي السكنية التي تجاوزت حتى الآن حاجز 55 ألف قطعة لمختلف الشرائح، في بغداد والبصرة وواسط وميسان وغيرها. وفي المقابل وصف مراقبون عمليات التوزيع بالعشوائية وفي مناطق زراعية ستؤدي إلى تآكل المساحات الخضراء.

ويأتي ذلك، وسط استعدادات لإطلاق حزمة جديدة من تلك الأراضي للمواطنين، تهدف بالمحصلة إلى امتصاص نقمة الشارع الناقم من تصاعد معدلات الفقر والبطالة وتردي الخدمات وأزمة السكن، حيث ارتفع عدد المناطق العشوائية في بغداد وحدها إلى ألف منطقة عبارة عن منازل وغرف صفيح وطين يقطنها مئات الآلاف من السكان.

وكشفت بيانات حديثة أن بلاد الرافدين باتت تضم أكثر من 500 ألف منزل عشوائي، تؤوي ملايين العراقيين، وتتربع بغداد والبصرة وديالى على الصدارة في هذا المجال.

وحسب المراقبين لـ"العربي الجديد"، تثير الإعلانات المتوالية للحكومة حول تلك الأراضي الكثير من التساؤلات في الأوساط الاقتصادية، من قبيل أنها توزيعات سريعة غير مدروسة، فجميع المناطق التي وزعت فيها غير مخدومة بشكل كافٍ، عدا عن كون كثير منها أراضي زراعية صالحة ومنتجة.


وكان يفترض بالحكومة أن توزع أراضي في مناطق بور أو صحراوية للحفاظ على المساحات الزراعية التي تتراجع باستمرار بفعل عوامل التصحر والتعدي عليها بالبناء المخالف، حسب المراقبين.

وأكدت بيانات متتالية صدرت عن مكتب رئيس الحكومة العراقية، عادل عبد المهدي، ومحافظين ووزراء، صدور قرارات بتوزيع أكثر من 4 آلاف قطعة أرض سكنية في البصرة، ومثلها في مدينة الديوانية، و10 آلاف قطعة في ذي قار، و20 ألف في محافظة واسط، فضلاً عن نحو 20 ألف قطعة سكنية أخرى في بغداد.

وخُصِّصَت الأراضي السكنية للأسر التي لا تمتلك منازل، أو تلك المسجلة ضمن شبكة الرعاية الاجتماعية، وكذلك شريحة الأرامل وشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة وموظفي الدخل المحدود، وسط توقعات بتوزيعات إضافية في الأيام المقبلة بمناطق أخرى.

وسبقت الخطوة الحكومية إطلاق وعود بمنح مساعدة مالية قيمتها 150 ألف دينار (120 دولاراً) للعاطلين من العمل، ما زالت لم تنفذ حتى الآن، في خطوة تسعى لامتصاص غضب الشارع الساخط من تدهور الأوضاع المعيشية.

ودفعت حالة الترقب والحذر التي يعيشها العراق، في ظل الاستعدادات الشعبية للخروج بتظاهرات كبيرة مرتقبة غداً الجمعة، الحكومة إلى توجيه الأجهزة الأمنية والطبية إلى التهيؤ لحالة الاستنفار والإنذار المبكر، تحسباً لأي طارئ قد تشهده التظاهرات. وشهد العراق احتجاجات شعبية ساخطة طالبت بمحاسبة الفاسدين وتحسين الأحوال المعيشية، واجهتها الأجهزة الأمنية بقسوة، ما أوقع قتلى وجرحى، قبل أن تعلن الحكومة عدة حزم من الإجراءات، في محاولة لتلبية مطالب الغاضبين.


ووفقاً لمسؤول في وزارة التخطيط العراقية، لـ"العربي الجديد"، فإن "الحكومة العراقية منحت المحافظين والمسؤولين صلاحية تخصيص المناطق المتاحة وحصرها وتقسيمها لتوزيعها كأراضٍ سكنية، دون العودة إلى دائرة التخطيط الحضري والعمراني، المكلفة هذه المهمات"، مرجعاً السبب إلى سعي الحكومة لإصدار قرارات سريعة لتخفيف نقمة الشارع دون انتظار المظاهرات المقبلة.

وأضاف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن أكثر من نصف من قطع الأراضي السكنية وزعت في مناطق زراعية منتجة، خاصة في محيط بغداد وذي قار وواسط، فيما كان على الحكومة التمدد نحو المناطق غير الزراعية وتهيئتها وتوزيعها، لا قتل مناطق زراعية منتجة.

ولفت إلى أن السبب قد يعود إلى أن تلك الأراضي الزراعية مخدومة بطرق وشبكات الكهرباء قريبة عليها، أو أن هناك فساداً مالياً يقف وراء ذلك، حيث ستباع تلك الأراضي بسعر أعلى من قيمته الحقيقة.

وتبلغ مساحة قطعة الأرض السكنية الواحدة التي يجري توزيعها 250 متراً مربعاً، وفي مناطق أخرى 300 متر مربع وبرسوم متوقعة لا تتجاوز قيمتها 10 آلاف دينار (8 دولارات) للمتر الواحد، وسط ترجيحات أن تلغي الحكومة تلك الرسوم باعتبار الأراضي موجهة إلى الفقراء والمحتاجين.

ويقول الخبير بالشأن الاقتصادي العراقي، أحمد توفيق الياسري، إن الحكومة استعجلت بتخصيص مناطق سكنية جديدة كان يمكن أن تكون في موقع آخر وتسهم في خلق سوق عمل يساهم في حل مشاكل عديدة تواجه البلاد.

وأضاف الياسري، لـ"العربي الجديد": كان على الحكومة التوجه نحو الأراضي الصحراوية او القاحلة لتقسيمها وتوزيعها على الفئات المحتاجة، واستنفار الشركات التابعة للبلديات والصناعة والكهرباء بمدّ خطوط وشبكات صرف صحي ومياه وكهرباء بما يتيح إيجاد فرص عمل جديدة للعاطلين من العمل في تلك المناطق، فضلاً عن أن التمدد العمراني سيكون أفضل على المدى الطويل، ولا يضر المساحات الزراعية التي توفر الغذاء للعراقيين.

وتابع الخبير الاقتصادي: "السؤال هنا: هل سيكون بإمكان الفقير بناء بيت على هذه الأرض؟ فالحكومة مطالبة أيضاً بأن تمنح قروضاً أو تسمح لشركاتها بتقديم عروض لأصحاب تلك الأراضي لبناء منازلهم، ولو عبر الإسكان منخفض التكلفة.

وتوقع أن يلجأ الكثير من المستفيدين من تلك الأراضي إلى بيعها، وبالتالي قد يسهم في انخفاض أسعار الأراضي وإنعاش سوق تجارتها بنحو يستفيد منه تجار العقارات وسماسرتها أكثر من الفقراء أنفسهم"، وفقاً لقوله.

وفي المقابل، يؤكد مدير مكتب لتجارة الأراضي السكنية والعقارات في بغداد، علي الساعدي، أن الحكومة لم توزع شيئاً بعد، وكلها مجرد إعلانات، وقد يتطلب انتهاء الأمر وتسليم الأراضي لأصحابها ما بين شهرين وثلاثة أشهر.

ويضيف الساعدي لـ"العربي الجديد"، أن قطع الأراضي إن لم تكن مخدومة بالبنى التحتية، فسيكون مصيرها عبارة عن ورش تصليح أو مخازن سكراب (أدوات مستعملة) وقد تنتهي لمساكن عشوائية متناثرة، وبالتالي نكون قد خسرنا أراضي زراعية مهمة ولم نوفر مساكن محترمة.

واعتبر أن "عملية التوزيع بهذه الصورة ودون دراسة وبشكل ارتجالي هدفه إسكات الناس الغاضبين من تدهور معيشتهم، وهكذا فهمها الشارع العراقي".

وكان ثلاثي الفقر والبطالة والفساد أبرز أسباب اندلاع الاحتجاجات الشعبية الساخطة في البلد الغني بالنفط. ويبلغ إجمالي نسبة البطالة في العراق نحو 22%، وفقاً لوزارة التخطيط العراقية، فيما أكد نواب في البرلمان أنها تصل إلى نحو 40% في بعض المدن المحررة في شمال البلاد وغربها.

المساهمون