العراق: جدل حول إرجاع العقارات المستولى عليها لأصحابها

العراق: جدل حول إرجاع العقارات المستولى عليها لأصحابها

06 مايو 2024
من أحد قصور صدام حسين في بابل، مارس 2023 (كافي كاظمي/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، استولت شخصيات سياسية على عقارات تحت شعار "أملاك النظام السابق"، دون تقدم يذكر في حل الجدل حولها.
- تزوير محاضر شراء ونقل العقارات أدى إلى استيلاء شخصيات بارزة على أكثر من 7 آلاف عقار في بغداد، مع محاولات برلمانية لتشريع قانون لإرجاع العقارات المستولى عليها.
- المعارضة من بعض الأحزاب والفصائل المسلحة تعرقل تشريع القانون الذي يهدف لإعادة الحقوق وتعويض المتضررين، مع تحذيرات من فتح باب الفساد والتحديات المالية للدولة.

لم يشهد ملف إرجاع العقارات التي استولت عليها الأحزاب والشخصيات السياسية عقب الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، تحت شعار أملاك النظام السابق، أي تقدم على الرغم من بعض المطالبات السياسية والبرلمانية بإنهاء الجدل حولها، وإرجاعها إلى أصحابها. وتأزم وضع هذا الملف مع التلاعب بالأوراق الثبوتية الخاصة بهذه العقارات، وطريقة التعويض المادي لمن تهدمت عقاراته، لكن الحكومة العراقية رأت أن إقرار قانون خاص بهذه العقارات "سيفتح باباً من أبواب الفساد".

وتمحورت الأزمة حول تزوير شخصيات سياسية محاضر شراء أو نقل لتلك العقارات من خلال وزارة المالية بأسعار رمزية، وأخرى بابتزاز عائلات خارج العراق وإجبارها على بيع عقاراتها بأثمان لا تصل إلى 10 في المائة من قيمتها، وأخرى تزوير محاضر بيع وشراء كاملة. وبلغ إجمالي العقارات من بيوت ومقار رئاسية ومنازل الوزراء والضباط الكبار ووكلاء الوزراء والمدراء العامين وقيادات حزب البعث العربي الاشتراكي المنحل ومقار ومباني تابعة للقيادة القومية والقطرية وأخرى لأجهزة أمنية منحلة، أكثر من 7 آلاف عقار ومبنى في بغداد وحدها. وانتقل إلى هذه العقارات زعماء الأحزاب الرئيسية وقيادات سياسية مختلفة، أبرزهم نوري المالكي وعمار الحكيم وهادي العامري وقيس الخزعلي وهمام حمودي ومحمود المشهداني وسليم الجبوري وعبد اللطيف رشيد وقيادات سياسية أخرى.


ضياء الناصري: سيطالب أصحاب العقارات بتعويضات مالية كبيرة

إرجاع العقارات المستولى عليها

وبدأ البرلمان العراقي مناقشة مشروع قانون حول إرجاع العقارات المستولى عليها وأجرى القراءة الأولى له في 27 إبريل/نيسان الماضي، ومن الممكن تطرق المناقشات إلى جميع الحقب، لا حقبة ما بعد 2003 فحسب، بل في أيام النظام العراقي السابق، حين جرت مصادرة أراض لمواطنين، خصوصاً في كركوك. ومن المفترض أن تشهد الجلسات المقبلة أكثر من قراءة لمشروع القانون، قبل طرحه على مرحلة التصويت وإحالته إلى الحكومة لبدء تنفيذه. مع العلم أن السلطات العراقية لم تعلن عن عدد العقارات المستولى عليها من قبل جهات نافذة، وضمنها شققاً ومنازل ومحال تجارية بالإضافة إلى أراضٍ زراعية وبساتين، وهي موزعة في كل محافظات البلاد. حول ذلك، حذّر ضياء الناصري، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، من أن "مشروع القانون المدرج في جدول أعمال البرلمان سيفتح باباً للفساد". وكتب الناصري على منصة إكس (تويتر سابقاً): "طالعنا في جدول أعمال البرلمان في الجلسة الـ20 الفقرة رابعاً: إرجاع العقارات إلى أصحابها... وبقدر ما أن العنوان يبدو منصفاً لأصحاب الحقوق، لكنه قد يفتح أبواباً من الفساد بعشرات المليارات تستنزف موارد الدولة مالياً وتثقل كاهلها اقتصادياً تحت عنوان براق".

وفي حديث آخر لـ"العربي الجديد"، توقع الناصري أن "يفتح هذا القانون الباب أمام إعادة تقييم آلاف العقارات المباعة سابقاً لمن يعتقدون بأن تقييم عقاراتهم كان مجحفاً". وقال إن "القانون سيسمح لأصحاب هذه الأراضي والعقارات أن يطالبوا بتعويضات مالية وفق الحسابات المالية الحالية، ما يفتح شهية أعداد كبيرة من الأشخاص لاستغلال ثغرات القانون للحصول على مبالغ مالية كبيرة". لكن مصدراً في وزارة العدل العراقية قال، لـ"العربي الجديد": "هناك مظالم كثيرة شملت المئات ممن صُودرت منازلهم، لا سيما العراقيين المسيحيين الذين تركوا البلاد وجرى الاستيلاء على ممتلكاتهم". واعتبر أن "روح القانون تقضي بإعادة الحقوق إلى أصحابها، وإن كان يتعلق بمحافظة كركوك فقط، لكنه من ناحية المواد القانونية يمكن أن يُطبق ببغداد وأي مكان بالعراق، وهو ما تسعى إليه أطراف سياسية اليوم".

من جهته، رأى عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي عارف الحمامي أن "قانون إرجاع العقارات لأصحابها جرت صياغته لمحافظة كركوك، وهو يهدف إلى إرجاع حقوق بعض المواطنين من الأكراد والتركمان، الذين بيعت أراضيهم ضمن سياسية تعريب المدينة من قبل نظام صدام حسين". ولفت في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن "القانون يحتوي ثغرات، وربما بعضها يفتح باباً للفساد وغيرها من الشبهات، ولهذا كانت هناك معارضة، ونعمل في اللجنة القانونية البرلمانية على معالجة كل تلك الثغرات، في كل المحافظات". وأضاف الحمامي أن "التحفظ الحكومي على مشروع القانون هو أمر طبيعي، خصوصاً أن الحكومة دائماً ما تتحاشى إقرار قوانين كهذه حتى لا تثقل نفسها بالمبالغ المالية الضخمة، لأن إقرار هذا القانون يعني أن الحكومة ستدفع المليارات للمواطنين، الذين شغلت الحكومة أراضيهم وصادرتها وجعلتها ضمن المنافع العامة، ولهذا فإن المواطنين يجب أن يُعوّضوا وفق أسعار الأراضي حالياً". ولفت الحمامي إلى أن "الأراضي التي تُشغل من قبل مواطنين هي أيضا بيعت بغير حق من قبل النظام السابق، وعلى هؤلاء المواطنين دفع التعويضات إلى أصحاب الأرض، وهذا ربما يثير بعض المشاكل الاجتماعية، ولهذا سنعمل على حل إشكاليات كهذه عبر مواد قانونية".


عضو في حزب تقدم: الأحزاب تشرعن سرقة العقارات

شرعنة سرقة العقارات

لكن عضواً في حزب تقدم، بقيادة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، أكد أن "الهجمة ضد مشروع قانون إرجاع العقارات إلى أصحابها وتعويضهم جاءت بدفع من أحزاب وفصائل مسلحة استولت على مئات العقارات والمنازل التابعة لعراقيين في المنفى، وآخرين ينتمون إلى حزب البعث، وأن كثيراً منهم تلاعب بأوراق هذه العقارات". واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، أن "شرعنة سرقة عقارات العراقيين من قبل الأحزاب تشير إلى التعسف في استخدام قوة الدولة لحرمان العراقيين من ممتلكاتهم أو تعويضهم على الأقل".

من جهته، شكّك الخبير أحمد النعيمي في إمكانية تمرير القانون، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن "مشروع القانون يحظى بدعم كردي في كركوك فقط، على اعتبار أنها ستستفيد منه باستعادة الأكراد أملاكهم التي أُخذت منهم في زمن النظام السابق، لكن بالنسبة للقوى السياسية الأخرى، فإنها ترفض تطبيقه في بغداد وباقي المحافظات، ذلك لأنها استولت على مبان وأراض وعقارات ضخمة هي بالأساس تركة النظام السابق". وأضاف أن "الدولة ستحتاج إلى إنشاء محكمة مختصة في النظر بالدعوى التي ستواجهها من أصحاب العقارات، لذا قد يكون القانون قريباً في خانة القوانين المؤجلة مثل غيره من القوانين الخلافية". وسبق أن أصدرت هيئة النزاهة الاتحادية إحصائية في عام 2022، تضمنت رصدها 31378 عقاراً تابعاً للدولة، مستولى أو متجاوزاً عليها في كل محافظات العراق، باستثناء التابعة لإقليم كردستان، وكانت لنينوى الحصة الأكبر منها بـ8585 عقاراً لم يسترجع منها سوى 35 عقاراً فقط. وسبق للمحكمة الاتحادية العليا أن ألغت في عام 2021 نصاً قانونياً استُغل من قبل الأحزاب المتنفذة، على مدى تلك السنوات، للاستيلاء على عقارات الدولة والتصرف فيها، مؤكدة أن النص غير دستوري. ولم تنجح أي من الحكومات السابقة في حسم هذا الملف، رغم المحاولات الكثيرة، فيما وجهت اتهامات لبعض الحكومات بأنها "غير جادة" في إرجاع العقارات إلى أصحابها، وسحب أملاك الدولة من الجهات المسيطرة عليها.