هاري ستايلز... كما لو أنها جولة غناء خاطفة

هاري ستايلز... كما لو أنها جولة غناء خاطفة

05 يونيو 2022
للموسيقى الإلكترونية حضور كثيف في العمل (ديف جيه. هوغان / Getty)
+ الخط -

قبل أسبوعين، أطلق المغني والعضو السابق لفرقة "وان دايركشن" البريطانية، هاري ستايلز (Harry Styles)، ألبومه الثالث. يحمل الإصدار عنوان "هاريز هاوس" (Harry's House)، ويضم ثلاث عشرة أغنية.

نقف في هذا الإصدار على ثلاثة محاور، نطلع من خلالها على مسارات متفاوتة في عملية صناعة الألبوم. في المسار الأول، سنتجه نحو البناء الشعري للأغاني. المقاطع الشعرية في معظم أغنيات الإصدار، تبدو محشوة بشكل عبثي. لا تخرج عن نظمٍ وعرضٍ في توليفتها السردية، لكنها تعكس، على ما يبدو، نشاطًا نفسيًا مرّ فيه واختبره المغني الشاب، خلال فترة جائحة كوفيد-19، لتبدو الكلمات كما لو أنها وسيلة المغني لتجسيد معنىً ما، يبحث عنه أو يملئ له قلبه وعقله.

جمل عشوائية تتخلّلها مفردات بسيطة، تحمل معاني داخلية تائهة، ترفض منح المستمع قصةً أو عبرةً تجرّه إلى تجربة عاطفية ثابتة ومحددة المعالم. لكنها، في سياقها الشكلي، ترمز إلى محددات واضحة في حياة الناس ومشاغلهم، كالجنس والمخدرات والنوادي الليلية والعلاقات عن بعد، وغيرها الكثير من التفاصيل اليومية التي شهدناها فترة جائحة كورونا.

ندخل في المسار الثاني إلى العمليات الموسيقية، والقوالب الخاصة بتنفيذ الألحان والجمل الموسيقية. في الألبومين السابقين، "هاري ستايلز" (2017)، و"باين لاين" (2019)، تعرفنا إلى مجموعة جيدة من الألحان، ذات البصمة الإيقاعية المتنوعة والمنفذة بأساليب متمازجة الشكل، يعيد ستايلز تقديمها مرة أخرى في عدد من الأغنيات، مثل Music for a Sushi Restaurant وLate Night Talking. وهي تجارب لم تخلُ من لمسات تستحضر أنماطا مدرجة في موسيقى البوب روك والفانك بوب. وعلى خلاف هاتين الأغنيتين، غدت باقي الأغنيات تحمل طابعها الرومنسي في الحانها العذبة والسلسة، لتمنح انطباعاتٍ سينمائية معدة لمزاج المراهقين، مثل Little Freak وMatilda.

تتماشى الموسيقى الإلكترونية الحاضرة بكثرة في معظم أغاني الألبوم، مع روح المغني وخوالجه. فنجد ألحانًا مستساغة لا تخلو من رتابة في شكلها، إلا أنها تعبر عن موجة من الأصوات المتدفقة في حنجرة ستايلز، بشكل يلائم مزاجه الغنائي الخفيف. وهنا، نخوض في المسار الثالث للإصدار، حيث أسلوب ستايلز المتعمد في قيادة المقطوعات بشكل شجي وهادئ، من دون استعراض أدائي صاخب، ما يسمح بمرور الأغنية عبر مزاجٍ منغمٍ، وعذب كما في كل من Keep Driving وBoyfriends وGrapejuice. امتثلت هذه الأغاني الثلاث لإيقاعات موسيقى السوفت روك.

قد نعتبر أغنيتي Cinema وDaydreaming من أهم وأبرز أغنيات الشريط. في الأولى، اعتمد ستايلز على إيقاعات إلكترونية هادئة ومتناغمة، تطفو معها أولى محاولات المؤدي في رفع وتيرة طبقاته الصوتية، مع الحفاظ على تقسيم الإيقاعات بين ثلاث موجات لحنية متصاعدة. بينما في الثانية، يعتمد المغني ألحانًا أكثر حدة وصخبًا، بشكل متنوع ومتسارع، ترافقها لازمة كورالية، استطاعت أن تتحكم بإيقاع الأغنية كنسق ثابت، من بداية الأغنية حتى نهايتها، وهذا ما يسمح بالتحكم بالأغنية وبالمستمع، كما لو أنها جولة خاطفة متكاملة من لحن وأداء متناغمين، فضلًا عن تحرر كامل لطبقات الصوت في أداء ستايلز الغنائي، الذي بدا متمكنًا في تقديم هذا المزيج.

المساهمون