النَّكبة.. ما يُمكن أن تُقدّمه لو كنتَ ناشراً

النَّكبة.. ما يُمكن أن تُقدّمه لو كنتَ ناشراً

15 مايو 2024
مكتبة صغيرة باسم رفعت العرعير أنشأتها طالبات في "جامعة شيكاغو"، 29 أبريل 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- "وجود، مقاومة، عودة" هي تظاهرة ثقافية تنظمها "ناشرون من أجل فلسطين" لإلقاء الضوء على القضية الفلسطينية، متزامنة مع ذكرى النكبة، وتشمل أنشطة نشرية تستذكر الوقائع الاستعمارية والتطهير العرقي بفلسطين.
- المبادرة جذبت اهتمام أكثر من 400 دار نشر عالمية، مُظهرة التزامها بالقضية الفلسطينية من خلال حملات مثل "اقرأ فلسطين"، رغم التحديات والتحفظات التي واجهت بعض الناشرين.
- البيان الأخير يُشدد على أهمية الانخراط الفعّال والعمل الجماعي بين دور النشر لدعم القضية الفلسطينية، مؤكداً على دور الناشرين والمثقفين في تعزيز الوعي والتضامن مع فلسطين.

"وجود، مقاومة، عودة" عنوان تظاهُرة تُنظّمها مجموعة "ناشرون من أجل فلسطين" العالميّة، والتي انطلقت أمس الثلاثاء وتتواصل حتى الحادي والعشرين من أيّار/ مايو الجاري. أسبوعٌ كامل من الأنشطة المُتعلّقة بصناعة النشر سيكون محورُها قضيّة فلسطين، وذلك بالتزامن مع إحياء، اليوم الأربعاء، الذكرى السادسة والسبعين لنكبة الخامس عشر من أيار/ مايو 1948. وقد دعت المجموعة، عبر بيان لها صدر قبل أيّام، إلى استذكار الوقائع الاستعمارية على أرض فلسطين من إبادة وتطهير عِرقي وسرقة مُمتلكات شعب، والتي ما تزال مستمرّة إلى اليوم في غزّة. 

انطلقت مجموعة "ناشرون من أجل فلسطين" في الشهر الأول للعُدوان، وبيانُها التأسيسي، الشُّجاع والجريء، صدر في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، حينها كانت تضمُّ ثلاثمئة ناشر (من بينهم: "فيرسو"، و"داراجا برس"، "لافابريك"، و"هيماركت بوكس"، و"بلوتو برس"، و"وُومِن أنليمتد"، و"إيكوسوسيتيه")، أمّا اليوم فتجاوز عدد الموقّعين والمشاركين فيها أربعمئة دار نشر بأكثر من عشرين لغة، من اليابان وإندونيسيا والهند وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا، وصولاً إلى الأميركيّتين.

تُمثِّل مُبادرات المجموعة العالمية فَهماً تحرُّرياً لوظيفة الناشر

نشاطُ "ناشرون من أجل فلسطين" مُستمرّ دوريّاً، على سبيل المثال: حملةُ "اقرأ فلسطين" التي أطلقتها بالتزامُن مع "اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني" (29 تشرين الثاني/ نوفمبر)، وحملة أُخرى بعنوان "اقرأ رفعت العرعير" التي أُقيمت في ذكرى مرور أربعين يوماً على اغتيال الشاعر والأكاديمي الفلسطيني. في المقابل، ماذا فعلت دُور نشر عالمية أُخرى، هاكُم "فايار" الفرنسية مثلاً، التي أوقفت، بعد شهر من الإبادة، تسويق كتاب "التطهير العِرقي في فلسطين" لإيلان بابيه، مُتحجِّجة بانتهاء حقوق النشر، ربّما كانت سابقةً أن تحجُب دارُ نشر محتواها بنفسها عن القرَّاء! 

نعود إلى تفحُّص قائمة المُوقّعين والمُنضمِّين إلى "ناشرون من أجل فلسطين"، لا نكاد نعثُر سوى على دار نشر عربيّة واحدة! لا شكَّ في أنّ هُناك الكثير من المُبادرات التي أقامتها دُور نشر عربية حول فلسطين طِيلة الأشهر السبعة الماضية، لكن في الحقيقة لا شيء ملموساً، إذ لم تظهر تحالُفات ولا خُطط نشر مُوحَّدة، ثم إن السؤال ما زال قائماً: أين دُور النشر العربية ممّا يحدُث؟ 

الصورة
مُلصق الحملة - القسم الثقافي
مُلصق الحَملة

لا نريد الاكتفاء بالندوات والترجمات (على أهمّيتها طبعاً)، أو الكتب سريعة التحضير التي تصدُر بحُكم ارتفاع الطلب على العناوين المُتعلِّقة بفلسطين، فهذا مَعيب ويجب الترفُّع عنه، ما نُريد أن نلفت إليه، هُنا، هو غياب الجهد الجماعي والعمل المؤسّساتي بين دُور النشر العربية. نعم، لا شيء تغيَّر للأسف، ما زلنا نُمارس هذه المهنة - التي هي العصَب الاقتصادي الحقيقي لفعل القراءة - بلا توجيه وانطلاقاً من المصلحة الشخصيّة، ومن دون وعي أنّ العمل والمُبادرات الفردية في مثل هذا الظَّرف الاستثنائي أثرُهما محدودٌ محدودٌ جدّاً.

لن نُطيل، فهُناك ما هو أهمّ من العتَب والأخذ والردّ. نبقى في المُهمّ: "وجود، مقاومة، عودة"، حيث يُؤكِّد البيان الأخير لـ"ناشرون من أجل فلسطين" المُوجَّه إلى العُموم، ضرورة أن نحاول الانضمام إلى التظاهرات الداعمة لفلسطين، وأن نمارس أيّ نشاط احتجاجي ضدّ الإبادة، كأن نطبع اسم 531 قرية فلسطينية هُجِّر أهلُها إثر النكبة ونحاول قراءة هذه الأسماء في مُحيطنا، وأن نعود إلى الخرائط اللّا استعمارية، وأن نستخدم لغة حسّاسة وفاعلة للتكلُّم على الإبادة، ونُحاول الوصول إلى وسائل الإعلام، وأن يطلب الناشرون من مؤلِّفيهم وقُرّائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي التحشيد عبر وَسْم EndtheNakba#، وإذا كنتَ مُغنّياً فغنِّ لفلسطين، وادعموا المُحتجّين بالمال أو بالغذاء، وبالتأكيد الإضراب. 

هذا بعض ما جاء في بيان "ناشرون من أجل فلسطين" الأخير، فَهْمٌ أصيل ومُباشر لوظيفة الناشر والتزامٌ بحُرّية الإنسان، بعيداً عن "هموم" النشر والثقافة المُتخيَّلة المُفارِقة للواقع.
 

المساهمون