ميناء غزة الجديد... إشراف أميركي وحماية إسرائيلية

ميناء غزة الجديد... إشراف أميركي وحماية إسرائيلية

17 مايو 2024
من أعمال بناء الميناء الجديد (الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- سكان غزة يترقبون بحماس تشغيل الميناء الجديد في منطقة البيدر لإيصال المساعدات الإنسانية، مع بدء العمل في فبراير وتحت إشراف "سنتكوم" الأميركية وجيش الاحتلال الإسرائيلي.
- الميناء يقع في منطقة زراعية وسياحية استراتيجية، ويواجه تحديات تتعلق بالأمن والوقود بعد وصول المساعدات، مع تأكيدات على بدء تشغيله قريبًا لدعم سكان غزة.
- المساعدات ستصل أولًا إلى قبرص للفحص قبل نقلها إلى غزة، بدعم دولي وتنسيق مع الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي لتوزيعها داخل القطاع، مع التأكيد على أن هذه العملية لا تستبدل الطرق البرية.

يراقب الغزيّون، ولا سيما الذين يقطنون في منطقة ميناء غزة، السفن الكبيرة التي تصل قبالة منطقة الرصيف البحري الجديد في منطقة البيدر جنوب غرب مدينة غزة على الحدود مع وسط القطاع، وسط توالي التصريحات الأميركية بشأن انتهاء تجهيزات ميناء غزة الجديد وترقب لمعرفة الآلية التي ستُعتمَد لإيصال المساعدات إلى أهالي غزة، وإن كانت جميع المؤشرات تفيد بأن ذلك سيكون تحت حماية جيش الاحتلال وإشرافه على أقل تقدير.

ميناء غزة الجديد جاهز

وأعلنت القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم" في بيان أمس الخميس تثبيت مراسٍ تربط الرصيف العائم المؤقت بشاطئ غزة، متوقعة أن تبدأ الشاحنات التي تحمل المساعدات الإنسانية في التحرك من الشاطئ في الأيام المقبلة. وبدأت عمليات إنشاء منطقة ميناء غزة الجديد وإقامة رصيف بحري جديد في فبراير/ شباط هذا العام، واختيرَت منطقة البيدر لكونها في نطاق يسيطر عليه جيش الاحتلال الإسرائيلي وبالقرب من الحواجز الإسرائيلية المطلة على الشارع 749 الذي أنشأه الاحتلال إثر العدوان على غزة، ويفصل فيه القطاع إلى شق جنوبي وشق شمالي. مع العلم أن منطقة البيدر، التي يوجد فيها الميناء الجديد، تُعتبر منطقة زراعية وسياحية، إذ تعود تسميتها إلى مطعم البيدر، أحد أهم المطاعم التي أُنشئت في قطاع غزة لاستقبال السياح عقب إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994 وخطة تحويل الساحل الغزي إلى منطقة سياحية، بينما توجد من الناحية الغربية للمطعم أراضٍ زراعية وشاليهات سياحية.

بدأت عمليات إنشاء منطقة الميناء الجديد وإقامة رصيف بحري جديد في فبراير/ شباط الماضي

وعلى الناحية الغربية للمنطقة يوجد ما هو معروف من أرض تعود لعائلة أبو مِدَّين منها أراضٍ زراعية وأخرى فارغة، قام الاحتلال الاسرائيلي بوضع مركبات عسكرية فيها بعدما قصف عدداً من شاليهات المنطقة قبل أن يجرفها ليوسع وجوده في المنطقة. ويمنع الاحتلال الغزيين من الاقتراب من المنطقة، كذلك أنشأ تلالاً رملية مطلة على شارع الرشيد حتى تصعب رؤية ما يحدث تحديداً بالقرب من الكرافانات التي توجد بالقرب من الرصيف. لكن شهادات سكان يقيمون غرب مخيم النصيرات، وهي أقرب نقطة موجودة بالقرب من رصيف الممر البحري، أفادت بأنه تم تجريف الشاطئ بالكامل في المنطقة ليكون على الارتفاع نفسه، بعد أن كانت تتوافر فيها مطلات علوية (تلال رملية) قبل قرار إنشاء الميناء في المنطقة.

وقال إبراهيم أبو عويني، وهو أحد سكان تلك المنطقة لـ"العربي الجديد": "كان هناك لسان بحري رملي (جسر أو حافة صخرية أو رملية منخفضة السطح تتصل باليابسة) في الشهر الماضي، لكن قبل أسبوع ظهر رصيف بحري بلون الإسمنت، وهو طويل، وتوجد شاحنات فارغة على الناحية الغربية للمنطقة، مع تكثيف وجود مركبات الاحتلال التي أشاهدها على مدّ البصر بالقرب من منزلي في المنطقة الغربية من مخيم النصيرات". وتتيح هذه الترتيبات لجيش الاحتلال المشاركة في الإشراف على المعبر، ولا سيما أنه يتحكم بمخارجه، ما يتيح له عملياً التحكم في مسار دخول شاحنات المساعدات التي يتم تفريغها من السفن إلى قطاع غزة.

في موازاة ذلك، قال نائب قائد القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم" براد كوبر إن ميناء غزة الجديد "سيبدأ بالعمل وبإيصال المساعدات إلى سكان غزة في الأيام المقبلة". وأضاف في إيجاز عبر الهاتف للصحافيين نشرت تفاصيله وزارة الخارجية الأميركية مساء الأربعاء: "الرصيف مؤقت بطبيعته، ويمثل المسار البحري مساراً إضافياً كما ذكرنا ولا يستبدل الطرق البرية إلى غزة، ويحظى هذا الجهد بدعم دولي بالتنسيق مع الأمم المتحدة"، وأكد أن "القوات العسكرية الأميركية لن توجد على الأرض في غزة".

وعن كيفية تنفيذ عملية توصيل المساعدات إلى غزة بحراً، قال: "تصل المساعدات الإنسانية في البداية إلى قبرص، ويتم هناك فحصها ووضعها على منصات وإعدادها للتسليم". وبعد ذلك "تُحمَّل منصات المساعدات على متن سفن تجارية أو عسكرية كبيرة تسافر من قبرص إلى منصة عائمة كبيرة قمنا بتجميعها على بعد عدة كيلومترات قبالة ساحل غزة". وبحسب كوبر "تعتبر المنصة العائمة بمثابة مساحة عمل مستقرة لنقل المنصات من السفن التجارية الأكبر حجماً إلى سفن عسكرية أميركية أصغر حجماً وقادرة على الوصول إلى نقطة أقرب من الشاطئ، ونقل ما بين 5 إلى 15 شاحنة مساعدات". وقال: "تقوم السفن الأصغر بعد ذلك بنقل هذه الشاحنات المحملة بالمساعدات من المنصة العائمة إلى الرصيف المؤقت". وأضاف: "وهكذا تنتقل المساعدات من المنصة العائمة إلى الشاحنات، ثم إلى السفن الصغيرة، ثم من السفن الصغيرة إلى الجسر العائم، وتسير الشاحنات على الجسر حتى البر ويتم إنزال السلع على الأرض، ثم تكرر هذه الشاحنات العملية باتباع المسار المذكور". وتابع: "بعد وصول السلع إلى الشاطئ، تتسلم الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي المساعدات الإنسانية لتوزيعها داخل غزة في وقت لاحق، وهاتان العمليتان منفصلتان".

تحديات أمام تشغيل ميناء غزة الجديد

وغادرت سفينة بريطانية تحمل نحو 100 طن من المساعدات قبرص أمس الأول الأربعاء، وغادرت سفينة ترفع العلم الأميركي قبرص الأسبوع الماضي. وقال مسؤولون أميركيون إن ميناء غزة الجديد سيتعامل في البداية مع 90 شاحنة يومياً، لكن هذا العدد قد يصل بعد ذلك إلى 150 شاحنة. وتقول الأمم المتحدة إن هناك حاجة إلى دخول 500 شاحنة يومياً إلى قطاع غزة. لكن وكالات الإغاثة تقول إنه لا تزال هناك تحديات يتعين حلها. وقال نائب رئيس لجنة الإنقاذ الدولية لحالات الطوارئ بوب كيتشن: "بمجرد وصول المواد الغذائية أو الإمدادات إلى قطاع غزة، سواء من الرصيف أو المعابر، لا يوجد أمن... ولا يوجد وقود".

من جهتها، قالت الأمم المتحدة إنها تضع اللمسات الأخيرة على خطط لتوزيع المساعدات التي ستُسلَّم عبر ميناء غزة الجديد، لكنها شددت على أن توصيل المساعدات عن طريق البر هو الوسيلة "الأكثر جدوى وفاعلية وكفاءة". وقال نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق: "لدرء أهوال المجاعة، يجب علينا استخدام الطريق الأسرع والأكثر وضوحاً للوصول إلى سكان غزة، ولهذا السبب نحتاج إلى الوصول عن طريق البر الآن".

بوب كيتشن: بمجرد وصول المواد الغذائية أو الإمدادات إلى قطاع غزة، سواء من الرصيف أو المعابر، لا يوجد أمن... ولا يوجد وقود

في المقابل، نقلت وكالة رويترز عن مسؤول أميركي ومصدر مطلع، لم تكشف عن هويتيهما، أن هناك وقوداً كافياً متاحاً للأمم المتحدة لبدء عمليات الإغاثة من الرصيف البحري. وقال المصدر إن الجيش الإسرائيلي وافق على توفير إمدادات كافية للعملية بشكل "منتظم ومتوقع". وبمجرد وصولها إلى اليابسة، ستقطع المساعدات الأميركية مساراً صعباً يكتنفه الغموض وصولاً إلى المدنيين في القطاع. ولن تتضمن العمليات نزول قوات أميركية لشاطئ القطاع. بدلاً من ذلك، يقول مسؤولون أميركيون ومن الأمم المتحدة إن طرفاً ثالثاً سيتسلم المساعدات من الرصيف وينقلها لمسافة قصيرة ثم يفرغها لتصبح في عهدة الأمم المتحدة.

وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن طرفاً ثالثاً آخر، تتعاقد معه المنظمة الدولية، سيحمّل المساعدات على الشاحنات وينقلها إلى نقاط التوزيع في أنحاء قطاع غزة. وقال المسؤول في الأمم المتحدة إن هناك خطة لوجود موظفين من المنظمة الدولية قرب الرصيف للإشراف على عملية نقل المساعدات وتوجيهها إلى نقاط التوزيع في جميع أنحاء القطاع، لكن إدارة السلامة والأمن التابعة للأمم المتحدة لم توافق بعد على هذه الخطة. واضطر فريق تابع للأمم المتحدة وهو في زيارة لموقع الرصيف أواخر الشهر الماضي إلى الاحتماء بعد أن تعرضت المنطقة لإطلاق نار. ولدى الأمم المتحدة مخاوف بشأن القدرة على ضمان الحياد من خلال البقاء على مسافة مناسبة من الجيش الإسرائيلي الذي سيوفر الدعم الأمني واللوجستي للرصيف. وأكد مسؤول الأمم المتحدة أن الأمر لن يتضمن وجود تواصل "في أي وقت" بين الجيش الإسرائيلي وموظفي الأمم المتحدة. ولدى سؤال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، عن المحادثات بين الولايات المتحدة والمنظمة الدولية بشأن نقل المساعدات من الرصيف، قال أمس الأول الأربعاء: "المناقشات مستمرة".