صفعة على وجه المدينة

صفعة على وجه المدينة

30 يونيو 2020
هل فعلاً ما زال البلد بلدك؟ (حسين بيضون)
+ الخط -
ملاحظة: وقعت هذه الحادثة في أحد شوارع بيروت قبل يوم أو يومين أو أكثر..

علا صوت الصبية كأنها انتفضت بسبب حدث كبير، ونزلت فجأة عن الدراجة النارية التي كانت تركبها خلف الشاب صاحب ملامح الوجه القاسية، ببنيته الضخمة وعضلاته المفتولة مثل أبطال أفلام الأكشن الأميركية.

كانت الصبية تصرخ بالشاب الضخم وتطلب منه أن يعيد لها هاتفها الخلوي الذي صادره منها دون سبب واضح. ويبدو أن صراخ الصبية قد أحرج الشاب، وأثار انتباه وفضول رواد المقاهي القريبة الذين ركزوا أنظارهم على الحادث.

لكن صراخ الصبية لم يلق أي تجاوب من الشاب الضخم، فما كان منها إلا أن صفعته على وجهه. ويبدو أن هذا الأخير فوجئ برد الفعل غير المتوقع من الصبية، التي تصغره كثيراً بالحجم والقوة البدنية، وشعر بالإهانة، فركن دراجته النارية جانباً ونزل عنها ولحق بالفتاة وصفعها على وجهها. ومع أن الصفعة كانت قاسية ومؤذية بسبب فارق الحجم بين الجسدين غير أن الصبية استوعبتها سريعاً، وعادت تصرخ مطالبةً بإعادة هاتفها الخلوي.

كانت حلقة المتفرجين بدأت بالتوسع خلال هذا الوقت، الأمر الذي يبدو أنه سبّب المزيد من الإحراج للشاب الضخم. مرّ رجلان بكمامتين أحدهما ستيني بشعر أبيض، والآخر أربعيني طويل القامة وذو بنية متوسطة. تقدم الشاب الطويل من الشاب ضخم البنية وطلب منه، بتهذيب شديد، إعادة الهاتف إلى صاحبته والانتهاء من هذا الموقف السخيف. ومشى.

غير أن "الرأس الكبير" للشاب المفتول العضلات لم يتحمّل ما سمعه من نصيحة، فلحق بالرجل الذي نصح بتسوية الوضع بطريقة لائقة. اقترب منه وأمره بعدم التدخل بما لا يعنيه، وشتمه. كان قاصداً أن يستفّزه. وعندما لم ينجح في ذلك، صفعه على وجهه. فوقعت الكمامة من شدة الصفعة. والشاب المفتول العضلات لم يكتف بذلك بل هدّده حرفياً بإطلاق النار عليه في حال عاود التدخّل بما لا يعنيه. سوّى الشاب الطويل كمامته على وجهه ومشى في حال سبيله مع رفيقه العجوز.



وقع كلّ ذلك في دقائق قليلة. وصل شرطي بسلاحه. كان متحمساً لإلقاء القبض على الشاب المعتدي، لكن عندما تأمّل في بنيته الضخمة يبدو أنه أعاد حساباته وبدأ حماسه في الخفوت. صار الشرطي يريد إنهاء الإشكال بطريقة ودية.

صحيح أن المشهد كلّه كان غريباً ومنفراً وقاسياً، لكن كل المؤشرات توحي بأنه قد يصبح متكرراً من الآن وصاعداً، بعدما فقدت المدينة، حالها حال البلد، كل مظلّة حماية ممكنة. صار الأمن الاجتماعي ترفاً مثل السلع الأساسية والدولارات المفقودة من السوق.

وربما كان صاحب "الرأس الكبير" والعضلات المفتولة حاكمنا الفعلي في القادم من الأيام، في ظل دولة لم يتبق منها شيء.

دلالات

المساهمون