اتجار بقاصرات في أرياف تونس

اتجار بقاصرات في أرياف تونس

30 يونيو 2020
ربّما تكون ضحيّة (فرانكو أوريجيلا/ Getty)
+ الخط -

تستمرّ أزمة تشغيل القاصرات في تونس، خصوصاً في الأرياف، من دون أن تنجح الجهات المعنية في الحد من هذه المشكلة الكبيرة لما لها من تداعيات، وذلك على الرغم من زيادة الرقابة

"حين كنتُ في منطقتي في فرنانة التابعة لمحافظة جندوبة شمال غربي تونس، لاحظتُ سيارةً غريبةً عن المنطقة تستعدّ لنقل طفلتين؛ الأولى تبلغ من العمر تسعة أعوام، والثانية إحدى عشرة عاماً. عرفتُ أنّه سيتمّ تشغيلهما في العمل المنزلي بحكم انتشار الأمر في أريافنا. لا يمكنني نسيان نظرتهما، وهما في صدد توديع المنطقة والذهاب إلى المجهول. توجّهت إليهما وأنزلتهما من السيارة وكدت أسجن بعدما اتهمتُ بالتهجّم على صاحب السيارة، وقد ادعت عائلتاهما أنّهما يرسلان الطفلتين إلى أقرباء لهما"، يقول الناشط وليد الغزواني لـ "العربي الجديد".

يضيف الغزواني أن الطفلتين، إحداهما ابنة سمسار يعمل في تشغيل القاصرات، كان سيرسل طفلته وجارتها للعمل في المنازل. ويؤكد أن ظاهرة تشغيل القاصرات في العمل المنزلي ما زالت مستمرة في تونس، خصوصاً في المناطق النائية والريفية كولاية جندوبة (فرنانة، عين دراهم، طبرقة)، وولاية القيروان (السبيخة)، ومعتمديات ولاية بنزرت (سجنان وبازينة وجومين) في ظل انتشار الفقر. ويُرسل الكثير من العائلات الفتيات القاصرات (أحياناً ما دون الـ 15 عاماً) للعمل في المنازل في العاصمة تونس وصفاقس والعديد من المدن الأخرى، على الرغم من تحذيرات العديد من المنظمات والناشطين، إضافة إلى قانون منع الاتجار بالبشر الذي يجرّم تشغيل القاصرات.



ويكشف الغزواني أن السماسرة يلجأون إلى حيل عدة في ظل تشديد الرقابة عليهم. على سبيل المثال، يعمدون إلى إرسال الفتيات إلى المنازل في سيارات أجرة، باعتبار أنهنّ ضيفات عند أقارب لهن، ما يعني أن الأشخاص المعنيّين لم يعودوا يأتون لاصطحابهن من بيوتهن كما في السابق. كذلك، قد يدّعون أنّ "مؤجّر" الفتيات سيتكفل بدراستهنّ في العاصمة للهرب من المساءلة والعقاب أحياناً. ويشير إلى أنه في حالات كثيرة، تبرَّر هذه التجاوزات للهرب من المساءلة، مؤكداً أنّ العائلة تتقاضى مبلغ 300 دينار (نحو 100 دولار)، تُرسل غالباً من خلال حوالة بريديّة للأب، بينما يحصل السمسار على عمولة قيمتها نحو 100 دينار (نحو 40 دولارا) كبدل عن الشخص الواحد.

في هذا الإطار، تقول رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر روضة العبيدي، إنّ الهيئة في صدد العمل على حلّ مشكلة تشغيل القاصرات، وتنوي زيارة منطقة فرنانة في 25 يوليو/ تموز المقبل، إضافة إلى بازينة في محافظة بنزرت، وصفاقس في الوسط التونسي حيث تنتشر الظاهرة بهدف التوعية. تضيف لـ "العربي الجديد" أنّ الظاهرة ما زالت مستمرة للأسف، والظواهر الإجرامية لا تتوقف بل تتطور خصوصاً من ناحية التنفيذ. لكن في الوقت نفسه، وفي ظل زيادة الرقابة، أصبح هناك خوف من المؤجرين لتشغيل القاصرات في العمل المنزلي.

وتوضح العبيدي أنّ الإشكال يكمن في التضارب ضمن القوانين. المُشرّع يتحمّل مسؤوليّة انتشار مثل هذه الظواهر. فعند صدور قانون الاتجار بالبشر في عام 2016 (القانون رقم 61 المؤرخ في 3 أغسطس/ آب)، عدّ في فصله الثاني تشغيل القاصرات جناية يعاقب عليها القانون بـ 10 أعوامِ سجنٍ. وفي الوقت نفسه، هناك قانون مكافحة العنف ضد المرأة، وينص على أن تشغيل القاصرات جنحة والعقوبة ثلاثة أشهر. بالتالي، يُلاحظ وجود تداخل وغموض في العقوبات، وتطرح تساؤلات حول مدى رغبة المشرع في الحد من الظاهرة. بالتالي، يوجد إشكال حقيقي يتعلق بالتضارب في القوانين والتشريعات.

وتتحدث العبيدي عن اختلاف الوسائل المعتمدة لتشغيل القاصرات. بعض العائلات ترسل بناتها عن طريق سماسرة، والبعض الآخر من خلال أقرباء، وبالتالي هناك سلسلة في التشغيل. وتوضح أن الوسائل تتعدد، والملاحظ أن هناك إقبالاً أقل من العائلات التونسية على قبول تشغيل القاصرات، خصوصاً في سن الـ 14 عاماً، لتجنب العقوبات. وتؤكد ارتفاع نسبة الوعي، ولو بنسبة ضئيلة، لدى العديد من العائلات التونسية، لكنّها تبقى غير كافية طالما أن الظاهرة مستمرّة.

وتفيد العبيدي بأن الهيئة تتلقى إشعارات (بلاغات) في هذا الصدد، وتتابع غالبية الدراسات الصادرة حول عاملات المنازل، خصوصاً القاصرات منهن، مشيرة إلى أنّ تشغيل القاصرات صادم، وأكثر ما يصدم هو تشغيلهن والاعتداء عليهن جنسياً، ولا يمكن للطفلات الدفاع عن أنفسهن.



وتكشف العبيدي أن بعض العائلات ترسل بناتها للعمل المنزلي من دون معرفة مكانهن، كما أنه لا يمكنهن الاطمئنان عليهن. وفي العادة، السمسار هو الشخص الوحيد الذي يعرف المؤجّر. وترى أن التبريرات التي تقولها العائلات، خصوصاً الفقر، غير مقبولة، إذ إن حل هذه المشكلة لا يكون من خلال تشغيل الأطفال. وتؤكد أن غالبية الفتيات اللواتي يتم إرسالهن للعمل المنزلي ينقطعن عن الدراسة بسبب ظروف الأسرة المتردية، إضافة إلى بعد المدارس عن بيوتهن. في المقابل، يعمل الذكور في الزراعة.

وتشير العبيدي إلى أنّ أكثر من 83 في المائة من قضايا الاتجار بالبشر ترتبط بالتشغيل القسري، في ظل تورّط أكثر من 840 من الأشخاص في قضايا مماثلة، نصفهم تقريباً من النساء. وتكشف إحصائيات الهيئة الوطنية للاتجار بالبشر عن وجود 1313 حالة اتجار بالبشر خلال عام 2019، مسجلة ارتفاعاً بالمقارنة بعام 2018، (780 حالة). أما في عام 2017، فسجلت الهيئة 742 ضحية نتيجة اتجار بالأشخاص، من بينهم 75 في المائة من الأطفال. وترى الهيئة أن العمل القسري أخطر بكثير من الاستغلال الاقتصادي في مفهومه الشامل، بسبب اعتماد العنف والتهديد لإرغام الشخص على العمل.

دلالات

المساهمون