لماذا تستخدم خواتم مرقمة في أرجل الطيور؟

لماذا تستخدم خواتم مرقمة في أرجل الطيور؟

02 يونيو 2020
من أين يأتي اللقلاق؟ (فاشرول رضا/ Getty)
+ الخط -
منذ زمن بعيد كان الناس يظنون أن الطيور التي تعشش لديهم تختفي بعد التكاثر لتأوي إلى ثقوب وتجاويف الأشجار أو الصخور لمدة تتراوح ما بين أربعة وخمسة أشهر وتعود بعدها في الربيع التالي لتفرّخ من جديد في نفس الوقت والمكان. ومن الناس من كان يظن أن الطيور تخفي نفسها في الطين. وكان أرسطو يعتقد أن أنواع الطير تتحوّل إلى أنواع أخرى كما تتحوّل اليرقة الدودية إلى فراشة، إذ إنه كان يلاحظ على سبيل المثال أن طائر درسة الشعير يختفي في الخريف والشتاء بينما كان طائر أبو الحن يظهر في الوقت عينه، فاستنتج أن درسة الشعير تتحول إلى أبو الحن. وكان البعض يعتقد أن الطيور تسافر إلى القمر، ذلك لأنهم كانوا يشاهدون مرور طيور في الليل بينهم وبين القمر. في الحقيقة لا أحد كان يعرف إلى أين تذهب أو من أين تأتي الطيور. استمرت هذه الاعتقادات حتى عام 1822، حين كان الصيادون يصطادون طيور اللقلاق في إحدى البلدان الأوروبية الغربية فوجدوا أن أحد اللقالق المصطادة يحمل في رقبته رمحاً أفريقيا لم يردِه ميتاً بسبب أنه اخترق جلد الرقبة فقط، وهذا دليل على أن الطائر قدم من أفريقيا. هذا اللقلاق حمل معه الرمح الخشبي خفيف الوزن لمسافة 3 آلاف إلى 4 آلاف كيلومتر قبل أن يقتل ويؤخذ إلى متحف التاريخ الطبيعي في روستوك ويحنّط كما هو مع رمحه حتى الآن.

منذ هذه الواقعة، بدأ الناس يبحثون في احتمال هجرة الطيور وأن ما قيل سابقاً ليس هنالك ما يثبته. بل إن العلماء اعتبروا أن هذا الرمح يعتبر كأول خاتم (حلقة معدنية) يثبت على جسم طائر. أي أن استعمال الخواتم هو لكي يدل الدارسين على مصدر الطائر ووجهته. ولقد شارك لبنان بحملات وضع الخواتم في أرجل الطيور (تحجيل الطيور) منذ عام 1970 حيث كان الباحث يمسك بالطائر باستعمال الشباك المخصصة والتي كانت حيازتها مقتصرة على علماء الطيور فقط. أما اليوم وللأسف فإن حيازتها أصبحت ممكنة للجميع. وبعد أن يمسكها، كان يأخذ مقاييس كل جزء من جسمها وريشها ويزنها ويضع لها خاتماً ملائماً لقطر ساق الطائر وعليه رقم تسلسلي وعنوان واضع الخاتم ويعيد إطلاق سراح الطائر ليكمل هجرته. ففي موسم هجرة الربيع يذهب الطائر إلى أوروبا حيث قد يعلق بشباك الدارسين فيعلمون أنه مر عبر لبنان ويخبروننا أنه التقط لديهم في فنلندا أو بولندا أو ألمانيا مثلاً.

هذه هي وظيفة الخواتم التي تدل على المصدر والوجهة والمحطات المتفرقة التي عبرها الطائر في طريقه إلى مقصده. لذلك ينبغي على الشخص إذا اصطاد طائراً أو عثر على طائر ميت يحمل حلقة أن يبادر إلى إرسال الحلقة إلى العنوان الموضح عليها أو يسلمها للجهة المعنية بحماية الطيور البرية مع إضافة معلومات عن مكان وزمان العثور على الطائر، وما إذا كان قد اصطيد بالبندقية أو وجد ميتاً.

وهنا يجدر بنا أن نذكر على هامش هذا الحديث أنه وللأسف كانت بعض الصحف المحلية تنشر أخباراً عن حلقات معدنية بأرجل عصافير التيان الصغيرة التي يتم اصطيادها على أنها حلقات تجسسية. منذ عام 1970 وحتى عام 2017 عثرنا أثناء التقاطنا العصافير لتحجيلها (وضع الخواتم بأرجلها) على ما يقارب 250 طائراً تحمل حلقات مرقمة تعود إلى طيور حُجِلت في نحو 15 دولة أوروبية، أهمها السويد وألمانيا وتشيكيا وتغلب طيور اللقلاق والوروار والحوام والباشق والسمن والهوازج، خاصة التيان والهازجة الصغيرة بيضاء الزور على لائحة الطيور المحجلة والملتقطة بالشباك أو التي عثر عليها ميتة.



يبقى أن نقول إن طريقة الخواتم في تتبع مسار هجرة الطيور لم تزل فاعلة على الرغم من التطور التقني والعلمي. فوضع الخواتم بيّن لنا من خلال مراجعة كل ما تم التقاطه وسجّل لدى "مركز التحجيل الأوروبي" ورسمت لمواقعه "خرائط حرارية" أن هنالك مناطق محددة فيها صيد غير مسؤول ومخالف للقوانين أكثر من أي أمكنة أخرى. وهذا يساعد اليوم على ملاحقة مخالفي القوانين وحماية الطيور في هذه المناطق.

*متخصص في علم الطيور البرية