60 يوماً على اعتقال راشد الغنوشي: أزمات الحكم المتراكمة في تونس مستمرة
يقبع رئيس البرلمان السابق، وزعيم حركة النهضة المعارضة في تونس راشد الغنوشي، منذ نحو شهرين في السجن، بموجب حكم قضائي، وعدد من الأذون بالحبس في قضايا مختلفة، بينما تتراكم أزمات البلد ومشكلاته دون أي بوادر لحلحلتها.
وأُوقف الغنوشي (81 عاماً) منذ 17 إبريل/ نيسان الماضي من قبل وحدة أمنية بناءً على أذون من النيابة العامة بسبب تصريحات وُصفت بالتحريضية، خلال اجتماع إعلامي لجبهة الخلاص المعارضة.
واستُنطِق الغنوشي في عدد من القضايا قبل أن يقرر "مقاطعة المحاكمات، رفضاً لإضفاء الشرعية عليها"، معتبراً أنها "لا تتوافر على شروط المحاكمات العادلة"، بحسب ما نقله أفراد عائلته. وقرّرت هيئة الدفاع مقاطعة كلّ جلسات الاستماع والمحاكمة بسبب ما وصفته "بعدم سلامة الإجراءات القضائية".
ويواجه الغنوشي 9 قضايا بتهم تصل عقوباتها إلى الإعدام، بحسب تصريحات هيئة الدفاع، على غرار قضية "التآمر على أمن الدولة"، والقضية المعروفة إعلامياً بـ"التسفير إلى بؤر التوتر" وقضية "الجهاز السري لحركة النهضة"، إضافة إلى قضية "أنستالينغو".
وأثار تواصل حبس الغنوشي ردود فعل سياسية محلية ودولية استنكرت استهداف المعارضين، إذ وصفت هيومان رايتس ووتش اعتقال الرئيس السابق للبرلمان التونسي وتوجيه تلك الاتهامات إليه بأنه "تحرك يستهدف تحييد أكبر حزب سياسي في البلاد"، وذلك في تقرير صدر عن المنظمة أخيراً.
وأكد عضو هيئة الدفاع عن رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، المحامي مختار الجماعي، أن منوبه الغنوشي يقبع حتى الآن في سجن المرناقية غرب العاصمة، منذ نحو شهرين، وتزوره ابنته وزوجته والمحامون المدافعون عنه.
وأوضح أن الغنوشي سُجن بموجب أكثر من بطاقة إيداع (أمر بالسجن)، إحداها صادرة عن قاضي التحقيق في محكمة تونس الابتدائية في ما يعرف بملف التآمر، والأخرى عن قاض التحقيق في محكمة سوسة 2 الابتدائية في ما يعرف بملف شركة أنستالينغو، وأخرى في ما يعرف بملف الجهاز السري.
وأفاد المحامي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بأنه "حكم على الغنوشي غيابياً بالسجن عاماً، لأن الغنوشي يرفض الحضور أمام قاضي التحقيق، موضحاً أنه "حكم غيابي قابل للاعتراض، ولكن الاعتراض يتطلب حضور الغنوشي، لكنه يرفض الحضور أمام المحكمة".
وعن الوضع الصحي للغنوشي، قال الجماعي إن "وضعه صعب؛ متسائلاً: ماذا تنتظر السلطات من شخص عمره 81 عاماً، وهذا الشهر يونيو/ حزيران يدخل العام الـ82، وهو مودع في السجن؟".
سجن الغنوشي لم يحلّ مشكلات الحكم وأزماته
وأكّد وزير الخارجية التونسي الأسبق والقيادي في حزب النهضة، (وصهر راشد الغنوشي) الدكتور رفيق عبد السلام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "سجن الغنوشي لم ولن يحل مشكلات الحكم وأزماته الكثيرة والمتراكمة والتي زادها قيس سعيّد استفحالاً، ولن يوفر السكر والزيت والرز والقهوة التي يقف الناس في الطوابير الطويلة لساعات طويلة للحصول عليها".
وتابع: "كل ما فعله قيس سعيّد هو الهروب من أزماته التي صنعها بنفسه نتيجة انفراده بالسلطة وعبثه بالمؤسسات عبر استخدام القمع الموسع وسجن المعارضين والتضييق على الحريات تحت غطاء شعارات ثورية كاذبة. هذه سياسة عبثية لا أفق لها، والسجن يزيد المناضلين قوة وشرعية، ولا يضعفهم".
وأضاف عبد السلام: "السؤال المطروح على قيس سعيد قبل غيره: ماذا حقق بعد اعتقال الغنوشي؟ وما المكاسب التي جناها؟".
واعتبر عبد السلام أن "تحرك القضايا بهذا النسق، وتراكم القضايا والملفات بسرعة، وتواتر بطاقة السجن في حق الغنوشي، دليل على تجريد القضاء من استقلاليته وتحويله مجرد وظيفة تابعة بتعبير قيس سعيّد، وقد ذكر أن من لم يحكم ضدهم فهو شريك لهم".
وتابع: "غدا واضحاً أن جهاز البوليس يتولى إعداد الحيثيات وفبركة الملفات، ثم يكلف القضاة تحت سيف الخوف والتهديد بإصدار أحكام الإدانة، ولذلك قرر الغنوشي مقاطعة جلسات التحقيق لأن الهدف منها استنزافه بدنياً ونفسياً، وليس تحقيق العدالة".
وأضاف أن "كل من اطلع على ملفات التحقيق تأكد أنها فارغة وتتضمن تهماً مصنوعة على المقاس، حيث باتت تهمة التآمر على أمن الدولة والخيانة والإرهاب والاغتيالات وغيرها خبزاً يومياً توجه لكل من عارض قيس سعيّد، بل أضحت مدار تندر لكثرة استخدامها، وبدت مقولة تسري بين السياسيين من لم يكن سجيناً اليوم سيكون سجين الغد".
وبيّن عبد السلام أن "السلطة لم تحقق شيئاً غير إطلاق العنان لغرائز التشفي، وقد كشفت حجم التضليل والكذب الذي يطبع إدارة سعيّد للبلاد الذي يقف اليوم على حافة الإفلاس، والناس يضيقون ذرعاً بأوضاعهم بعدما استبد بهم اليأس والفقر، والجميع يحلم بالمغادرة، والكثير من المواد الأساسية مقطوعة من الأسواق، والأسعار ملتهبة والاقتصاد معطل بصورة شبه كاملة تقريباً. لا شيء يشتغل في تونس غير آلة القمع البوليسي والمخبرين".
وتابع: "زعم (قيس سعيّد) أن كل ما يجري في تونس من صعوبات وفشل مردّه تآمر معارضيه، ولكن نفدت ذخيرته، ولم يعد لديه ما يبيعه من أوهام بعدما وضع جلّ قيادات المعارضة في السجن. فقد وضع كل من يصفهم بالخونة والمتآمرين وراء القضبان، ولكن ازدادت الأزمات عمقاً واتساعاً، بما يدل على أن الخطاب الشعبوي لا يقدم الحلول بقدر ما يبيع الأوهام''.
وحول انعكاسات حبس زعيم النهضة على الحزب وأنصاره، قال عبد السلام: "طبعاً، الغنوشي شخصية محورية في النهضة، ولها حضور في المشهد السياسي التونسي لعقود طويلة، ولكن النهضة هي أولاً وقبل كل شيء فكرة وظاهرة اجتماعية قبل أن تكون هياكل ونظماً، ورغم حبس القيادات، وفي مقدمتها الغنوشي والبحيري والعريض، وغلق المقارّ، فقد استمر نشاط النهضة وبقي منتسبوها منبثون في عمق النسيج المجتمعي التونسي".
تجريف الساحة السياسية
وشدد عبد السلام على أن "قيس سعيّد يراهن على تجريف الساحة السياسية وتفكيك الأجسام المنظمة من أحزاب وهيئات اجتماعية لكي يخلو له الجو، ولكن عمر الأحزاب والمنظمات في تونس فاق القرن، ولذلك سيمضي قيس سعيّد وتستمر من بعده مثلما ذهب بورقيبة وبن علي من قبله".
وبيّن أن "النظام لم ينجح في هزّ مكانة الغنوشي الاعتبارية عبر التنكيل الممنهج، على العكس من ذلك تماماً، الفضل يعود لقيس سعيّد في تذكير العالم بالمكانة الفكرية والسياسية التي يشغلها الغنوشي، ليس على الصعيد التونسي، بل على الصعيدين العربي والدولي كأحد أهم الآباء المؤسسين لفكرة الديمقراطية الإسلامية ودولة الحريات".
ومضى قائلاً: "صدرت بيانات كثيرة من سياسيين وأكاديميين غربيين ومن علماء مسلمين وغيرهم كلها تثني على الجهود الفكرية والسياسية للغنوشي وتدعو إلى إطلاق سراحه. الحقيقة أن الغنوشي حر بفكره وروحه المعنوية العالية، وقيس سعيّد هو السجين المحاصر بخوفه وبطشه".
وأصدرت محكمة تونس الابتدائية، حكماً ابتدائياً بالسجن لمدة عام على الغنوشي، ودفع غرامة قدرها ألف دينار (نحو 300 دولار)؛ لإدانته بالتحريض على رجال الأمن في شكوى تقدم بها نقابي أمني، بحسب هيئة الدفاع التي نفت صحة هذه التهم.
يُذكر أن قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية سوسة 2 كان أصدر مساء الثلاثاء 9 مايو/ أيار 2023، بطاقة إيداع بالسجن، في حق رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، باعتباره من ذوي الشبهة في قضية "شركة انستالينغو"، التي كانت منتصبة بمدينة القلعة الكبرى بولاية سوسة والمختصة في صناعة المحتوى والاتصال الرقمي.
وقبل ذلك، كان قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس، قد أصدر فجر الخميس 20 إبريل/ نيسان 2023، بطاقة إيداع بالسجن في حق الغنوشي وعدد آخر من الموقوفين، بتهم، وفق الفصلين الـ68 والـ72 من المجلة الجزائية التي تتعلق بالخصوص بالتآمر على أمن الدولة الداخلي وتدبير الاعتداء المقصود به وتبديل هيئة الدولة.
إلى ذلك، دعت جبهة الخلاص الوطني أنصارها وعموم التونسيين إلى التجمهر في شارع الحَبيب بورقيبة بالعاصمة، الأحد 18 يونيو، للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيّين ولتَسليط الضوء على مختلف القضايا والمستجدّات الوطنيّة.