اتحدوا أو انتحروا

02 ديسمبر 2014

طلاب في جامعة القاهرة يتظاهرون ضد الانقلاب (30 نوفمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

انتهت المحاكمة، وبقيت الأسئلة: هل لاحظت حالة اليقين والثقة على وجوه مبارك ورجاله بأن حكم البراءة في متناول اليد، قبل أن ينطق القاضي بالحكم؟
هل انتبهت إلى أن أحداً من الموجودين في القفص لم يصرخ، أو ينهَر، أو يهتز، حين أعلنوا "عودوا إلى مقاعدكم"؟
صحيح أن القاضي لم يحدد ما المقصود بمقاعدهم، وهل هي مقاعد السلطة والحكم، أم مقاعدهم في القفص، إلا أن الواضح على الجميع أنهم بدوا في حفل توقيع روايةٍ، يحفظون مضمونها، ويعرفون نهايتها.
غير أن السؤال الجوهري هنا: هل كانت هذا الاحتفالية بهذه الجرأة، لو لم تكن 30 يونيو/حزيران، وما بعدها من خطوات استئصالية لكل من يجرؤ على مقاومة استعادة دولة مبارك؟
إن المفاجأة الحقيقية بعد هذا الحكم أن يتصنع أحد أنه فوجئ به، فالثابت أن كل المقدمات كانت تقود إلى هذه النتيجة، ومن ثم، تبدو حالة الدهشة المزعومة من الحكم، وتبعاته، نوعاً من استكمال ديكورات العرض الساخر.
أذكر أنني كتبت في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وقبل أن تشتعل أحداث قصر الاتحادية، إيذانا ببدء عملية إسقاط محمد مرسي، أن كتبت تحت عنوان "من هو رئيس مصر 2013" ما يلي: 
إن هناك من يعدون العدة، ويمنّون النفس بإحراق هذه المرحلة بكل ما فيها، وهدم المعبد على رؤوس الجميع، لكي تعود مصر إلى ما قبل 25 يناير، وهذا ليس رجماً بالغيب، أو تعسفاً في قراءة تفاصيل المشهد الراهن.
والحاصل أننا نعيش، الآن، مرحلة زرع الألغام وتفخيخ الأرض، تمهيداً لانفجار كبير، تتم عملية صناعته هذه الأيام، خارج مصر وداخلها، بحيث لا تأتي الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، إلا وقد انهدم كل شيء، لتعود الغربان تنعق في طول البلاد وعرضها، وتحتفل بالانتصار.
وأيضاً، قلت "وحسب روايات متعددة، قادمة من خارج مصر، فإن خصوم الثورة يحتشدون الآن، ويضخون أموالاً بلا طائل، لتصنيع حالة من الخراب والانفلات والفوضى في الداخل، بل إن بعضهم بدأ في تسريب أنباء عن اقتراب العودة للهيمنة على البلاد والعباد، كنوع من الحرب النفسية الدائرة على قدم وساق، من خلال إشاعة مناخ من الرعب والفزع".
وعلى ذلك، من المهم أن نسأل، مرة أخرى، عن طبيعة الحراك الذي اشتعل عقب الحكم بعودة دولة مبارك، ونريد أن نفهم هل هو تظاهر ضد حكم قضائي معجون في ماء المشروع السياسي، كنوع من إبداء التعاطف مع أسر الشهداء والمصابين، على طريقة المجاملات الاجتماعية في سرادقات العزاء، أم أنه إحياء لجذوة نضال شعبي حقيقي، يتأسس على أرضية وطنية جامعة لكل الأطياف السياسية، بالمنطق ذاته الذي قامت عليه ثورة يناير؟
بمعنى آخر، هل المطلوب إسقاط حكم براءة مبارك ودولته، أم إسقاط نظام مبارك المتجسد في عبد الفتاح السيسي ورجاله؟
إن أي حديث عن تحرير ثورة يناير من الغزاة المحتلين لا يستقيم عقلاً، أو خلقاً، من دون الاعتراف الواضح والصريح بخطيئة الانخراط في مشروع الثورة المضادة التي انطلقت في الثلاثين من يونيو، إما كرها في "الإخوان" والإسلام السياسي، أو طمعاً في عطايا العسكر.

لقد بدت بعض الأطراف وكأنها مصدومة من قرار صانعي الانقلاب اختطاف مقعد رئاسة الجمهورية، على الرغم من أن التاريخ لم ينبئنا أبداً عن عسكريين انقلبوا على تجربة ديمقراطية، لكي يمنحوا الشعب ديمقراطية أكثر فخامة، كما أن المنطق يقول إن من يحشد الناس لقتل سلطة جاءت عبر ديمقراطية وليدة، على ما بها من عيوب، لا يمكن أبدا أن يكون غير طامع في هذه السلطة.

أقول قولي هذا، وأنا أشم رائحة استعلاء مقيت، وخيلاء زائفة بين شركاء ثورة يناير، حين يحاول أحدهم الانفراد بتحديد شروط المشاركة في التظاهرات الاحتجاجية على حكم مبارك، ويسلك وكأنه أوتي الحكمة السياسية، والنقاء الثوري وحده، متجاهلاً أنه في الوقت الذي كان فيه يتنزه في حدائق الانقلاب، كان آخرون يواجهون، بصدورهم العارية، أبشع آلة قمع وقتل عرفها تاريخ مصر.

مرة أخيرة: اتحدوا أو انتحروا غير مأسوف عليكم.



وائل قنديل (العربي الجديد)
وائل قنديل
كاتب صحافي مصري من أسرة "العربي الجديد" عروبي الهوية يؤمن بأنّ فلسطين قضية القضايا وأنّ الربيع العربي كان ولا يزال وسيبقى أروع ما أنجزته شعوب الأمة