حملة بوتين لترويض أسعار المواد الغذائية تهدد قطاع الحبوب

حملة بوتين لترويض أسعار المواد الغذائية تهدد قطاع الحبوب

21 يوليو 2021
يشهد تضخم أسعار المستهلك في روسيا ارتفاعاً منذ أوائل 2020 (Getty)
+ الخط -

خلال لقاء مع المواطنين في روسيا بث التلفزيون وقائعه الشهر الماضي، ألحّت امرأة في سؤال الرئيس فلاديمير بوتين عن أسعار المواد الغذائية المرتفعة.

يكشف تسجيل للحدث السنوي أنّ فالنتينا سلبتسوفا تحدّت الرئيس أن يفسّر سبب انخفاض أسعار الموز المستورد من الإكوادور في روسيا عن الجزر المنتج محلياً، وسألت كيف يمكن لوالدتها أن تعيش على "أجر الكفاف" في ضوء ارتفاع أسعار مواد أساسية مثل البطاطا (البطاطس).

سلّم بوتين بأنّ ارتفاع تكلفة الغذاء مشكلة باتت تشمل حتى الخضروات الأساسية، وقال إنّ السبب هو ارتفاع الأسعار العالمية ونقص الإنتاج المحلي. لكنه قال إنّ الحكومة الروسية أخذت خطوات لحل المشكلة، وإنه يجري بحث تدابير أخرى، لكنه لم يذكر تفاصيل.

تمثل سلبتسوفا مشكلة لبوتين الذي يعول على تجاوب شعبي واسع. فالزيادات الحادة في أسعار المستهلك تحير بعض الناخبين خاصة الروس الأكبر سناً الذين يعيشون على معاشات تقاعد زهيدة، ولا يريدون أن يشهدوا عودة إلى فترة التسعينيات عندما أدى ارتفاع صاروخي في التضخم إلى نقص المواد الغذائية.

دفع ذلك بوتين إلى الضغط على الحكومة لأخذ خطوات لمعالجة التضخم. وتضمنت هذه الخطوات فرض ضريبة على صادرات القمح بدأ تطبيقها الشهر الماضي على أساس دائم وفرض حدود قصوى لأسعار التجزئة للمواد الغذائية الأساسية الأخرى.

غير أنّ ذلك يضع الرئيس أمام خيار صعب. فبوتين يجازف بمحاولة القضاء على استياء الناخبين من ارتفاع الأسعار بأن يلحق الضرر بقطاع الزراعة الروسي، إذ يشكو المزارعون الروس من أنّ الضرائب الجديدة ستثبط هممهم عن القيام باستثمارات طويلة الأجل.

وغذت الخطوات التي خطتها روسيا، أكبر مصدر للقمح في العالم، التضخم في دول أخرى برفعها سعر القمح. فقد أدت زيادة ضريبة الصادرات، التي كُشف عنها، منتصف يناير/كانون الثاني، على سبيل المثال، إلى ارتفاع الأسعار العالمية إلى أعلى مستوياتها في سبع سنوات.

أسعار المواد الغذائية لها حساسية سياسية واحتواء الزيادات للحفاظ على رضا الناس عموماً جزء من استراتيجية بوتين الأساسية

ولا يواجه بوتين تهديداً سياسياً وشيكاً قبل الانتخابات البرلمانية التي تجري، في سبتمبر/أيلول، بعد أن نفذت السلطات الروسية حملة تضييق واسعة على المعارضين الذين تربطهم صلات بمعارض الكرملين أليكسي نافالني.

فقد مُنع حلفاء نافالني من خوض الانتخابات وهم يحاولون إقناع الشعب بالتصويت لأي مرشح آخر خلاف مرشحي الحزب الحاكم الموالي لبوتين وذلك رغم أن الأحزاب الرئيسية الأخرى المشاركة تؤيد الكرملين في معظم السياسات الرئيسية.

غير أنّ أسعار المواد الغذائية لها حساسية سياسية واحتواء الزيادات للحفاظ على رضا الناس عموما جزء من استراتيجية بوتين الأساسية.

قال مسؤول روسي مطلع على سياسات الحكومة في ما يتعلق بتضخم أسعار المواد الغذائية: "إذا ارتفع سعر السيارات فلن يلاحظ ذلك سوى عدد قليل من الناس. لكنك عندما تشتري الغذاء الذي تشتريه كل يوم فهذا يشعرك بأنّ التضخم عموماً يرتفع بشكل كبير حتى إذا لم يكن هذا هو الحال".

وقال دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، إنّ الرئيس يعارض الأوضاع التي يرتفع فيها سعر منتجات محلية ارتفاعاً غير معقول. وأضاف أنّ ذلك لا علاقة له بالانتخابات أو اتجاهات التصويت، وأنّ ذلك كان من أولويات الرئيس الدائمة حتى قبل الاستعداد للانتخابات.

وتابع أنّ الحكومة هي المنوط بها اختيار الوسائل لمكافحة التضخم وأها تستجيب لتقلبات الأسعار الموسمية وظروف السوق العالمية التي تأثرت بجائحة فيروس كورونا.

وقالت وزارة الاقتصاد الروسية إنّ الإجراءات التي فُرضت منذ بداية 2021 ساعدت في تحقيق الاستقرار لأسعار الغذاء.

وأضافت أنّ سعر السكر ارتفع ثلاثة بالمائة حتى الآن في العام الحالي بعد أن زاد 65% في 2020، وارتفعت أسعار الخبز 3% بعد زيادتها 7.8% بالعام الماضي.

تدابير حكومية
يشهد تضخم أسعار المستهلك في روسيا ارتفاعاً منذ أوائل 2020 بما يتماشى مع اتجاه عالمي في خضم جائحة كوفيد-19.

وقد تحركت الحكومة الروسية في ديسمبر/كانون الأول بعد أن انتقدها بوتين علانية لتباطؤها، ففرضت ضريبة مؤقتة على صادرات القمح بدءاً من منتصف فبراير/شباط قبل أن تجعلها دائمة من الثاني من يونيو/حزيران.

وانتهى العمل بالحدود القصوى لأسعار السكر في أول يونيو/حزيران وستظل الحدود القصوى لأسعار زيت زهرة الشمس سارية حتى الأول من أكتوبر/تشرين الأول.

غير أنّ التضخم في أسعار المستهلك، الذي يشمل الغذاء وسلعا وخدمات أخرى، واصل ارتفاعه في روسيا إذ زاد إلى 6.5% على أساس سنوي في يونيو/حزيران مسجلاً أسرع معدل في خمس سنوات. وفي الشهر نفسه زادت أسعار الغذاء 7.9%عن العام السابق.

ويرى بعض الروس أنّ جهود الحكومة غير كافية. فمع انخفاض الأجور الحقيقية وارتفاع التضخم تراجعت شعبية حزب "روسيا الموحدة" إلى أدنى مستوياتها منذ عدة سنوات.

تقول المعلمة المتقاعدة آلا أتاكيان (57 عاماً) من منتجع سوتشي على البحر الأسود إنها لا تعتقد أنّ التدابير كافية، وإنها أثرت سلباً على رأيها في الحكومة. وأضافت أنّ سعر الجزر "كان 40 روبلاً (0.54 دولار تقريباً) ثم أصبح 80 روبلاً وبعدها 100. فكيف ذلك؟".

التضخم في أسعار المستهلك، الذي يشمل الغذاء وسلعاً وخدمات أخرى، واصل ارتفاعه في روسيا إذ زاد إلى 6.5 بالمائة

وحول كفاية التدابير الحكومية الحالية، قالت وزارة الاقتصاد إنّ الحكومة تحاول تقليل الإجراءات الإدارية المفروضة لأدنى حد ممكن لأن التدخل المفرط في آليات السوق عموما يخلق مخاطر لتطوير الأعمال وربما يتسبب في نقص المنتجات.

وقال بيسكوف: "الكرملين يعتبر تدابير الحكومة للحد من زيادات الأسعار لعدد من المنتجات الزراعية والمواد الغذائية ذات فاعلية كبيرة".

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

استياء المزارعين
يقول بعض المزارعين الروس إنهم يدركون دوافع السلطات، لكنهم لا يرحّبون بالضريبة لأنهم يعتقدون أنّ التجار الروس سيدفعون ثمناً أقل للقمح لتعويض زيادة تكلفة التصدير.

وقال مدير تنفيذي بشركة زراعية كبرى في جنوب روسيا إنّ الضريبة ستضر بالربحية وستؤدي إلى تقليص الاستثمار في الزراعة. وأضاف: "من المعقول تقليل الإنتاج حتى لا نمنى بخسائر ونرفع أسعار السوق".

مزارعون يخططون لتقليص المساحات المزروعة قمحا في خريف 2021 وربيع 2022

وقد استثمرت الحكومة مليارات الدولارات في قطاع الزراعة في السنوات الأخيرة. وعزز ذلك الإنتاج وساعد روسيا في تقليل الواردات الغذائية وتوفير الوظائف.

ويقول مزارعون ومحللون إنه إذا تقلص الاستثمار الزراعي فربما تخطو الثورة الزراعية، التي غيرت وجه روسيا من مستورد صاف للقمح في أواخر القرن العشرين، خطواتها الأولى نحو النهاية.

وقال المدير التنفيذي واثنان من المزارعين إنهم يخططون لتقليص المساحات المزروعة قمحا في خريف 2021 وربيع 2022.

وقالت وزارة الزراعة الروسية إنّ القطاع مازال يدر أرباحاً كبيرة، وإن توجيه حصيلة ضريبة التصدير الجديدة إلى المزارعين سيدعمهم ويدعم استثماراتهم ومن ثم يحول دول انخفاض الإنتاج.

وقال المسؤول الروسي المطلع على سياسات الحكومة في ما يتعلق بتضخم أسعار الغذاء إنّ الضريبة لن تحرم المزارعين إلا مما يسميه هامشاً زائداً عن الحد.

وقال رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، أمام مجلس النواب، في مايو/أيار: "نحن مع منتجينا في كسب المال من الصادرات لكن ليس على حساب المشترين الرئيسيين الذين يعيشون في روسيا".

أثر عالمي
يقول تجار إنّ التدابير الحكومية قد تجعل القمح الروسي أيضاً أقل قدرة على المنافسة. ويقولون إنّ ذلك يرجع إلى أنّ الضريبة التي تغيرت بصفة منتظمة في الأسابيع الأخيرة تجعل من الصعب عليهم إبرام صفقات مربحة في الحالات التي يكون الشحن فيها بعد عدة أسابيع.

وقال تاجر في بنغلادش إنّ ذلك ربما يدفع المشترين من الخارج إلى التطلع إلى دول أخرى مثل أوكرانيا والهند.

وفي السنوات الأخيرة كانت روسيا في كثير من الأحيان أرخص مورد لمشترين رئيسيين للقمح مثل مصر وبنغلادش.

ومنذ فرضت موسكو الضريبة الدائمة في أوائل يونيو/حزيران كانت مبيعات القمح الروسية لمصر منخفضة، فقد اشترت مصر 60 ألف طن من القمح الروسي في يونيو/حزيران بعد أن اشترت 120 ألف طن في فبراير/شباط و290 ألف طن في إبريل/نيسان.

وقال مسؤول حكومي كبير في مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، إنّ أسعار القمح الروسي مازالت تنافسية لكن الضرائب التي فرضتها الحكومة تقلص القدرة على التنبؤ بالسوق الروسية من حيث الإمدادات والأسعار وربما يؤدي ذلك إلى فقدان جانب من حصة روسيا في أسواق التصدير عموماً.

(الدولار = 74.4234 روبلا روسيا)

(رويترز)

المساهمون