الاحتلال يلاحق "حماس": حملة اعتقالات في الضفة تستبق الانتخابات

الاحتلال يلاحق "حماس": حملة اعتقالات في الضفة تستبق الانتخابات

25 فبراير 2021
تخوّف من توسع حملة الاعتقالات (عصام ريماوي/الاناضول)
+ الخط -

في وقت تعقد الفصائل الفلسطينية اجتماعاتها بحثاً عن صيغ المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة المقررة في مايو/أيار المقبل، وتشكيل قوائمها الانتخابية، تواجه حركة "حماس" في الضفة الغربية حملة اعتقالات واستدعاءات إسرائيلية تطاول قياديين وكوادر فيها، وسط تخوّف من اعتقالات تشمل كل من ينوي الترشح للانتخابات عنها، وتساؤلات في الضفة عن سبب تجاهل قيادة الحركة هذا الواقع خلال حوارات القاهرة.

ومنذ إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوم إجراء الانتخابات العامة منتصف الشهر الماضي، وحملة الاعتقالات في تصاعد مستمر، وعنوانها تحذير كوادر "حماس" وقيادييها من الترشح أو لعب دور في الانتخابات التشريعية. فجر أمس الأول الثلاثاء، اقتحم ضباط من مخابرات الاحتلال منزل وزير الأوقاف السابق، العضو السابق في المجلس التشريعي الفلسطيني المنحل نايف الرجوب، في مدينة دورا في الخليل جنوب الضفة الغربية، وهو من الوجوه البارزة لحركة "حماس" في الضفة، وشقيق أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" جبريل الرجوب الفاعل في ملف حوارات الفصائل أخيراً.

يقول نايف الرجوب لـ"العربي الجديد" إن "ضابط المخابرات أوصل لي رسالة، بأن ديمقراطية الاحتلال تسمح له بأن يزوّر صندوق الاقتراع وينتخب من يشاء بلا قيود، وأنا ممنوع من الترشح، وممنوع من تزكية أحد لذلك أو العمل في الدعاية الانتخابية". وصل التهديد كما يروي الرجوب، حتى إلى منعه من المشاركة بأي قائمة انتخابية حتى لو كانت عائلية، ويقول: "أخبرتُ ضابط المخابرات بأنني أطمح للترشح، أنا وشقيقي جبريل الرجوب، في قائمة واحدة بتزكية من عائلتي برفقة شخصيات من عوائل أخرى، فأتت إجابة الضابط: لجبريل الرجوب أن يفعل ما يشاء، أما أنت فممنوع أن تترشح منعاً باتاً سواء مع الأحزاب أو العائلات".

تلك الحادثة من بين اقتحامات إسرائيلية عدة، طاول أحدها منزل رئيس المجلس التشريعي السابق عزيز دويك، إضافة إلى اعتقالات طاولت القيادي في "حماس" فازع صوافطة من طوباس، وقبل أسبوع النائب السابق ياسر منصور، وقياديين آخرين، فضلاً عن استدعاء الأسير المحرر عمر البرغوثي الشهر الماضي.

لا تملك المؤسسات الحقوقية رقماً واضحاً لعدد المعتقلين أو المستدعين للتحقيق من كوادر "حماس" بعد إصدار مرسوم الانتخابات، لكن مدير مركز إعلام الأسرى ناهد الفاخوري، يشير في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن تلك الاعتقالات طاولت 10 على الأقل من قياديي الحركة والمؤثرين فيها الذين قد يكونون فاعلين في الانتخابات، إضافة إلى اعتقال عشرات المناصرين، واستدعاء عشرات آخرين وتهديدهم.

الاعتقالات طاولت 10 من قياديي الحركة والمؤثرين فيها

وكانت سلطات الاحتلال قد بدأت حملتها مبكراً، حتى ضد خطوات المصالحة الفلسطينية، باعتقال القيادي في "حماس" النائب حسن يوسف، والقيادي في "الجهاد الإسلامي" سعيد نخلة، بعد فترة وجيزة من اجتماع لقادة الفصائل الفلسطينية مع الرئيس محمود عباس شاركا به في سبتمبر/أيلول الماضي.

يؤكد وصفي قبها، الذي شغل منصب وزير الأسرى في الحكومة التي شكلتها "حماس" في العام 2006، في حديث مع "العربي الجديد"، أن لا اجتماعات ولا حراك انتخابياً حمساوياً في الضفة نهائياً، معطياً مثالاً على ذلك ورشة ستُعقد اليوم الخميس تحت إطار تجمّع عدالة من أجل الديمقراطية حول الانتخابات، إذ لم يستطع منظمو الورشة تأمين مشاركة شخصية واحدة تمثل "حماس"، مضيفاً: "من سيقول أنا أمثّل حماس ويُعتقل في اليوم التالي؟"، مشيراً في المقابل إلى حراك لحركة "فتح" في كل محافظات الضفة الغربية، سواء لتيار عباس، أو مروان البرغوثي، أو حتى تيار القيادي المفصول محمد دحلان.

وتبقى التوقعات داخل أروقة الحركة في الضفة الغربية بمزيد من التدخلات الإسرائيلية، ليس فقط في هذه المرحلة بل بعد ظهور نتائج الانتخابات، باعتقالات متوقعة لنوابها أو نواب آخرين. وتَنبّه سياسيون فلسطينيون لهذا الملف أخيراً، فقبل اجتماع الفصائل في القاهرة، طرح حزب "الشعب" مقترحاً على الفصائل في الضفة ولاحقاً "الجبهة الديمقراطية" بضرورة الاتفاق ضمن وثيقة شرف على مشروع قانون يلزم الفصائل لاحقاً بإقرار قانون شبيه بما يسمى "القانون النرويجي"، ويضمن حق الكتل البرلمانية باستبدال عضوها الأسير بآخر من القائمة نفسها إلى حين الإفراج عنه.

ويرى وصفي قبها أن تلك الخطوة ستكون متأخرة إذا قرر الاحتلال التدخّل في نتائج الانتخابات من البداية، محذراً من تأثير ذلك على الجلسة الأولى للمجلس التشريعي في حال تم اعتقال أكثر من ثلث النواب، والتأثير على إصدار التشريعات، قائلاً: "حتى يتم إصدار مثل هذا التشريع في المجلس الجديد، قد يستغل الاحتلال هذا الوقت لاعتقال من يرى أنه سيرشح نفسه أو الفائزين من حماس". ويأسف قبها لأن "حركة حماس لم تعطِ هذه القضية الاهتمام الكافي، وقدّمت الكثير من التسهيلات"، مضيفاً: "كان الأجدر بالحركة أن تصر على إصدار مرسوم رئاسي لتحصين العملية الانتخابية قبل إجرائها وبعد النتائج". ويرى ضرورة أن يحتوي المرسوم الرئاسي الذي يقترحه على حق إنابة عضو المجلس الأسير في سجون الاحتلال لمن يريد تمثيله، أو تفويض كتلته البرلمانية ليكون صوته حاضراً. وينتقد قبها تأجيل هذه القضية، مطالباً بمعالجتها في اجتماع الفصائل في مارس/آذار المقبل، متسائلاً عن سبب عدم الطلب من الراعي المصري لحوارات القاهرة الضغط على الاحتلال لوقف تدخلاته في الانتخابات، وعن سبب عدم التواصل مع دول كروسيا وقطر وتركيا من أجل ذلك، وكذلك الأوروبيين الذين يضغطون لإقامة الانتخابات. ويضيف: "لا يكفي تهديد قائد حماس في غزة يحيى السنوار، إذا قمتم بتخريب انتخاباتنا فسنقوم بتخريب عمليتكم الانتخابية، ما هكذا الأمور، يجب أن تُجرى اتصالات للضغط على الاحتلال من طرف آخر".

لا اجتماعات ولا حراك انتخابياً لـ"حماس" في الضفة

المشهد الحالي يعيد التاريخ إلى فوز حركة "حماس" بالانتخابات عام 2006، حينها شنّ الاحتلال حملة اعتقالات ليصل عدد المعتقلين من "حماس" إلى 40 نائباً، لتتغير بنية المجلس التشريعي، بحسب تقرير صدر عن مركز "مفتاح" في العام 2008، إذ تبقّى 34 نائباً خارج السجون لحركة "حماس" من أصل 74، مقابل 38 نائباً من حركة "فتح" (الكتلة الثانية)، غير نواب "فتح" المعتقلين وهم 4.

وأعلن الاحتلال كتلة "التغيير والإصلاح" الانتخابية التابعة لـ"حماس" تنظيماً محظوراً، وحاكم نوابها بتهمة الانتماء إليها، ويقول نايف الرجوب في هذا الشأن: "إن الاحتلال حاكم النواب بالسجن 40 شهراً، وحاكمني كوني كنت وزيراً بالسجن 50 شهراً". اضطر نواب "حماس" في الضفة الغربية لتغيير اسم كتلتهم البرلمانية من "التغيير والإصلاح" إلى "النواب الإسلاميين"، ليعلنها الاحتلال أيضاً تنظيماً محظوراً بأمر عسكري في العام 2012.

وتتالت عمليات الاعتقال لنواب "حماس" كورقة سياسية في عدة محطات تاريخية، من حملة العام 2010 كورقة ضغط على المقاومة في غزة في ملف الجندي الأسير شاليط، كما يروي الرجوب، إلى حملة أخرى في العام 2014 بعد اختطاف ثلاثة مستوطنين في الخليل. في العام 2006، أجمعت الكتل البرلمانية على منح الحكومة والتي كانت شكلتها "حماس" شبكة أمان لحين الإفراج عن النواب والوزراء المعتقلين، وعدم المس بالتوازن البرلماني، ولم ترَ مقترحات عديدة النور من بينها مشروع قانون قدمته اللجنة القانونية في المجلس التشريعي يتيح للنائب المعتقل توقيع كتاب خطي يصادق عليه محامي لتوكيل غيره من الأعضاء للتصويت عنه. نواب حركة "حماس" اعتمدوا تلك الآلية في جلسات المجلس التشريعي التي كانت تعقد في قطاع غزة بعد الانقسام السياسي الفلسطيني في العام 2007، لكن السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" وكتلاً أخرى رفضت تلك الاجتماعات معتبرة أنها غير قانونية، وبالتالي لم تعتبر تلك التوكيلات سابقة أو عرفاً برلمانياً.