عشر سنوات على الربيع المغربي

عشر سنوات على الربيع المغربي

25 فبراير 2021
+ الخط -

انصرمت عشر سنوات على الربيع المغربي الذي جسّدته حركة 20 فبراير، حين قادت حراكا شعبيا عمَّ معظم أنحاء المغرب، مطالبةً بإصلاح سياسي واجتماعي شامل، تجاوز سقف ما دأبت مؤسسات الوساطة التقليدية، من أحزاب ونقابات، على المطالبة به. وعلى الرغم من أن الحركة لم تكن راديكالية في مطالبها، مقارنة بالحركات الاحتجاجية العربية الأخرى التي طالبت بإسقاط الأنظمة الحاكمة، إلا أنها نجحت في إرباك الحقل السياسي الرسمي، وخلط أوراقه، في وقتٍ كانت السلطة قد قطعت أشواطا على درب إعادة إحكام قبضتها على هذا الحقل، واحتكار موارده، والتحكّم في التعبئة الاجتماعية، وتدجينِ النخب والمؤسسات الوسيطة، وذلك بعد تعثر التحول الديمقراطي الذي جسّدته حكومة عبد الرحمن اليوسفي (1998 - 2002).

أحدثت الحركة ارتجاجا سياسيا لم يكن متوقعا. ولم يقتصر الحراك الشعبي على المدن الكبرى، بل شمل معظم المناطق، بشكلٍ أربك المعادلة الاجتماعية التي ظلَّ يُنظرُ إليها من خلال التوازنات القائمة في هذه المدن التي تعرف حضورا وازنا للطبقة الوسطى الحضرية. واتسعت رقعة الحراك، لتشمل مدنا وبلدات، فيما اعتبر دلالةً على غياب مساحاتٍ واسعة من المغرب الآخر عن انشغالات السلطة والنخب.

كانت ''20 فبراير'' لحظة تاريخية فارقة، أعادت إلى الواجهة الإشكالية الإصلاحية المغربية بكل توتراتها، وكشفت دور التحالف القائم بين السلطة والنخب في الحفاظ على التوازنات القائمة، والاكتفاء بإصلاحاتٍ متقطعةٍ لا تقوم على مشروع مجتمعي واضح، وأظهرت الحاجة إلى إصلاح سياسي عميق، لا يرتهن للحسابات المرتبطة بتدبير الضغوط الدولية بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان. ولذلك توجست الأحزاب المغربية، بمختلف أطيافها، مما رفعته الحركة من مطالب، وفضّلت أخذ مسافة منها بانتظار ما ستؤول إليه التطورات في المغرب والمنطقة.

تفاعلت السلطة بسرعة مع مطالب الحركة، فطرحت عرضا سياسيا جديدا، أعطى الانطباع بإمكانية إنجاز تحوّل سياسي متدرّج وسلمي وغير مكلف، خصوصا في ظل التراكم ''الديمقراطي'' النسبي الذي حققه المغرب قياسا بالأقطار العربية الأخرى. وقد وفّر ذلك للسلطة موردا سياسيا، سرعان ما استخلصت عائده في طريقة تدبيرها حلقات الإصلاح الدستوري، منذ إعلان الملك محمد السادس عنه في خطاب 9 مارس في 2011، وصولا إلى المصادقة على الدستور الجديد في فاتح يوليو/ تموز من السنة ذاتها. وقد أفضى إقرارُ وثيقة دستورية جديدة إلى سحب البساط تدريجيا من تحت الحركة، وتراجعِ الزخم الشعبي الذي رافقها في أسابيعها الأولى، وفي وقت كان يُنتظر أن تضطلع الأحزاب بدور في نقل لحظة "20 فبراير" إلى طور آخر، فضّلت الانحياز لمصالحها والاكتفاء بإصلاح سياسي من دون أفق لتحولٍ حقيقي نحو الديمقراطية. فلم تتحمّس للأوراش الإصلاحية التي تضمنها الدستور الجديد، سيما فيما يتعلق بمكافحة الفساد، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتفعيل الجهوية. ومثلما كان للظرف الإقليمي دور في انطلاقها، كان له دور، أيضا، في خفوتها وانزوائها، وتراجع قدرتها على التأثير فيما تولّد من ديناميات بعد انتخابات 25 نوفمبر في 2011، والتي حملت حزب العدالة والتنمية المغربي إلى قيادة الحكومة، سيما بعد المآل الذي انعطفت إليه الأوضاع في سورية وليبيا واليمن، وفشل معظم مشاريع التحوّل الديمقراطي السلمي في الإقليم.

وإذا كانت الحركة قد أخفقت في الانتقال إلى طوْرٍ أكثر نضجا في أدائها، بسبب افتقادها قيادات قادرة على تحويل مطالبها إلى مشاريع إصلاحية واضحة، إلا أن تأثيرها الرمزي استمر ملهما للحركات الاحتجاجية التي جاءت بعدها. وقد عرف المغرب، خلال السنوات الماضية، اندلاع عدة احتجاجات، عكست فشل السياسات العمومية المتبعة في مكافحة الفقر والبطالة، وتقليص التفاوتات الاجتماعية والمجالية، وإصلاح التعليم، ومكافحة الفساد، وتحرير الحقل السياسي، وتوسيع المشاركة السياسية، واحترام الحقوق والحريات. ولا تزال الأسباب التي كانت خلف انطلاق الحركة قبل عشر سنوات قائمة، خصوصا في القطاعات الاجتماعية الحساسة التي كشفت جائحة كورونا التردّي المهول الذي تعرفه، ما ينعش النقاش العمومي مجدّدا بشأن ضرورة بلورة نموذج تنموي، أكثر إنصافا وقدرةً على الاستجابة لتطلعات المغاربة في الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية.