هناك مشهد لا يزال يتكرر في غزة، بعد أسابيع من القصف الإسرائيلي الذي ينشغل العالم بإحصاء عدد القتلى الذي يخلّفه بالساعات، بدلاً من الاهتمام أولاً بكيفية كسب ثوانٍ لحياة البشر، هو استمرار جمع الغزيين بقايا من الدمار، والتي يمكن أن يستفيدوا منها في الأيام التالية التي قد تكون أكثر قسوة، خصوصاً أن الشتاء حلّ بعواصفه وأمطاره. إنها بقايا لوازم منزلية ضرورية لإقامة المجالس البدائية من أجل تحضير خبز أو طعام بسيط، وبقايا مواقد يجري إشعالها بأي طريقة ممكنة للطهي أو التدفئة التي باتت حاجة ملحة في الفصل الأكثر برودة من السنة، وهو حال الملابس والبطانيات والفرشات أيضاً.
أيضاً إنها بقايا ألعاب أطفال تركوا المدارس والساحات الواسعة إلى أماكن الإيواء المكتظة الضيّقة على عالم مرحهم ومخيلتهم البريئة التي تتطلع إلى الحب والسلام. ومع حرمان الغزيين المنكوبين بالحرب من مساعدات تتناسب مع الاحتياجات، تصبح هذه البقايا ذات أهمية كبيرة في رمزية تمسكهم بالحياة وأرضهم الغالية.
وفي تكرار مشاهد لملمتهم "جروح" البيوت والمواقع التي احتضنت تفاصيل حياتهم، حتى من خلال بقايا، تظهر ربما بعض ملامح الصمود الخارق للغزيين الذي لا يعرف أي نوع من الخضوع والاستسلام لمشاهد متكررة أخرى لانتشال الجثث ودفنها، ونقل المصابين إلى ما تبقى أيضاً من مستشفيات ومراكز صحية، والهروب من القصف تمهيداً للنزوح... إلى المجهول.
(العربي الجديد)